كيف تكشف ربطة عنق الفراشة الكثير عن علاقاتنا الاجتماعية؟

3 دقائق
ربطة عنق الفراشة

يهتم علماء الاجتماع تفكيك شيفرة الشبكات الاجتماعية للأفراد؛ تلك التي تربطهم بالأصدقاء وزملاء العمل والمعارف، سواء كانت تلك العلاقات تتسم بالعمق أو السطحية، أو الاعتدال أو الضعف.
فدراسة العوامل المؤثرة في هذه الشبكات الاجتماعية التي تشوبها العشوائية والتنظيم على حدٍّ سواء، تتيح لعلماء الاجتماع قياس قوة وضعف هذه العلاقات، ومثالها وتيرة التواصل بين شخصين، ومقدار الوقت الذي يقضيانه في الحديث، وما إلى ذلك من مؤشرات أخرى متنوعة يتم استخدامها لهذا الغرض.

ربطة عنق الفراشة: اكتشاف يفصح بالكثير عن علاقاتك الاجتماعية

ورغم صعوبة قياس هذه المؤشرات نظراً للوقت الذي قد يتطلّبه ذلك أحياناً؛ أصبحت فكرة قياس قوة وضعف العلاقات الاجتماعية تبدو مثيرة لاهتمام منظّري الشبكات الاجتماعية.

من خلال دراسة قامت بها الباحثة في جامعة هارفارد في ماساتشوستش، هيذر ماتي (Heather Mattie) مع فريقها؛ اكتشفت نمطاً خاصاً في الوصلات التي تربط بين الأفراد داخل الشبكات الاجتماعية، ويأخذ هذا النمط بنية طوبولوجية تشبه ربطة عنق الفراشة.

مكّنت ربطة عنق الفراشة الباحثة هيذر وزملائها من قياس مدى قوة العلاقات الاجتماعية؛ حيث إنها تمثّل طريقةً سهلةً بدون أي تعقيدات، ما مكّن الفريق البحثي من دراسة شبكتين اجتماعيتين ذواتا خصائص متباينة.

حيث شملت الشبكة الاجتماعية الأولى حوالي 70,000 شخص في 75 قرية في ريف الهند، وقد أنشأها الباحثون من خلال استبيان صمموه لجمع المعلومات.

تضمن الاستبيان أسئلة ذات صلة بعلاقات هؤلاء الأشخاص الاجتماعية؛ مثل من يزورون منزله من الأصدقاء والأقارب، وممّن يمكن أن يطلبوا النصح من الناحية الصحية أو الطبية، ومن يمكن أن يرافقهم لممارسة الطقوس التعبدية أو حتى يقترضون منه المال.

سمحت المعلومات التي جُمعت من خلال الاستبيان للباحثين بإعادة بناء شبكة اجتماعية تتكون من 37,000 صلة بين 17,000 شخص، وهي الصلات التي اعتمدوها كمقياس لقوة العلاقات الاجتماعية، فعوامل مهمة مثل وجود صلات القرابة والزيارات المنزلية المتبادلة والذهاب معاً إلى دور العبادة أو اقتراض المال، كانت المؤشر الحاسم على قوة العلاقة الاجتماعية بين شخصين.

اقرأ أيضاً: كيف تميز بين الصداقة الحقيقية والصداقة السطحية؟

تبادل الاتصالات وعدد الأصدقاء المشتركين مؤشر على الصلات القوية

بنفس النهج العلمي انتقلت ماتي وفريقها لدراسة شبكة اجتماعية أخرى قاموا ببنائها في إحدى الدول الأوروبية؛ حيث تم اختيار 500,000 شخص من مستخدمي الهواتف الخليوية بطريقة عشوائية هذه المرة، بالاعتماد على مؤشرات أخرى مثل عدد الاتصالات الهاتفية المتبادلة ومدتها الزمنية؛ إذ افترض الفريق البحثي أنها مؤشرات تدل على قوة الصلات الاجتماعية.

هذه البنية الشبيهة بربطة عنق الفراشة أتاحت دراسة كلتيّ الشبكتين الاجتماعيتين، وهنا ظهرت نتائج أخرى أثارت إعجاب الباحثين، فعدد الأصدقاء المشتركين بين كل شخصين كان مؤشراً آخرَ على قوة صلتهما بغض النظر عن البيئة القروية في الشبكة الاجتماعية الأولى التي تمت دراستها في الهند، أو البيئة المتمدنة في أوروبا التي يستخدم فيها المشاركون الهواتف الخليوية من أجل التواصل.

لم تكن ماتي وزملاؤها أول من درس الشبكات الاجتماعية، فقد نشرت عالمة الإنسان البارزة إليزابيث بوت (Elizabeth Bott) سنة 1975، كتاباً بعنوان: "الشبكات العائلية والاجتماعية" (Family and Social Networks).

اعتمدت بوت في كتابها على فرضية تقول إن قوة الصلة في شبكة شخص معين قد تقلل من احتمالات نشوء صلات قوية مع أشخاص خارج مجموعته؛ أي شبكته الاجتماعية المكونة من الأصدقاء والأقارب والزملاء.

وبذلك تتوافق نظرية بوت في كتابها مع نتائج دراسات هيذر ماتي. يؤكد المزيد من الباحثين نفس المعلومات، فالباحث وعالم الاجتماع الأميركي مارك جراتنوفيتر (Mark Granovetter) ألّف سنة 1969 بحثاً مرموقاً بعنوان: "قوة العلاقات الضعيفة" (The Strength of Weak Ties)، ناقش فيه إمكانية زيادة الاحتكاك بين الأصدقاء المشتركين لشخصين على صلة قوية.

وهذا أيضاً ما تؤكده نظرية ربطة عنق الفراشة وصاحبتها هيذر ماتي بقولها: "تقدم كلتا مجموعتيّ البيانات دليلاً يدعم فرضية الصلات الضعيفة وفرضية بوت".

الإمكانيات المذهلة لربطة عنق الفراشة

ما يمكن إنجازه باستخدام ربطة عنق الفراشة كثير ومذهل، فبالإضافة إلى السماح بإمكانية القياس المباشر والبسيط لقوة الصلات الاجتماعية بين الأفراد؛ تتيح هذه البنية دراسة العلاقات بين المتزوجين والعائلات. وهو ما تؤكده الباحثة ماتي بقولها: "سيسمح هذا باختبار النسخة الأصلية من فرضية بوتي، بدلاً من الشكل العام الذي قدمناه في البحث".

الأبحاث العلمية كالتي قامت بها ماتي تكشف للباحثين قوة الصلة التي تجمع الأفراد ببعضهم، وليس هوية الأصدقاء والمعارف. ما يظهر كيف أنه من السهل أيضاً معرفة معلومات جمّة عن الأشخاص من خلال الشبكات الاجتماعية، وربما أكثر مما قد يرغبون بالتصريح به علانيةً.