من هو جون غوتمان؟ وما هي إسهاماته في العلاج الزوجي؟

العلاقات الزوجية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا تخلو العلاقات الزوجية -حتى تلك التي تبدو ناجحة- من الصراعات، فالأمر لا يتعلق بالمظهر الخارجي الذي يراه الآخرون للصراعات؛ ولكن بكيفية إدارتها، فذلك يتنبأ بنجاح أو فشل بعض تلك العلاقات.
تُستخدم كلمة “إدارة” الصراعات حتى لا يُفهَم بالضرورة أن الهدف فقط هو إيجاد “حل” لها بحسب وصف “معهد ذا غوتمان” (The Ghottman Institute)، وذلك لأن الصراعات في العلاقات أمر طبيعي ذو جوانب وظيفية وإيجابية توفر فرصاً للنمو والتفاهم.

لحسن الحظ؛ استثمر جون غوتمان نحو 40 عاماً من حياته في مجال الأبحاث المتقدمة مع آلاف الأزواج حتى اشتهر عالمياً بعمله في مجال استقرار العلاقات الزوجية والتنبؤ بحالات الطلاق.

ولا يُستغرب بروز فلسفة غوتمان لوصفها أساليب التواصل بين الأزواج وقدرتها على التنبؤ بنهاية العلاقات؛ حيث ألّف وشارك في تأليف أكثر من 200 ورقة أكاديمية منشورة إلى جانب أكثر من 40 كتاباً، ويُعد أحد أفضل 10 معالجين نفسيين مؤثرين في ربع القرن الماضي.

وعلى العموم، فقد تبقى بعض مشاكل العلاقات الزوجية بلا حلول موضوعية عملية نتيجة الاختلافات الشخصية الطبيعية بين الشركاء؛ ولكن إذا كان بإمكانهم تعلم كيفية إدارتها بطريقة صحية فإن تلك العلاقات ستنجح.

فلسفة غوتمان وفناء العلاقات الزوجية

استخدم غوتمان في فلسفته مصطلح “الفرسان الأربعة” (The Four Horsemen) لوصف أربعة سلوكيات سلبية تحدث بين الأزواج وقد تكتب آخر سطور العلاقة الزوجية، وتتضمّن:

  • النقد (Criticism).
  • الازدراء (Contempt).
  • الدفاعية (Defensiveness).
  • التَجنُّب (Stonewalling).

وتعد قدرة الأزواج على التعرّف عليها عندما تحدث الخلافات أو الصراعات خطوة أولى ضرورية للتخلص منها واستبدالها بأنماط تواصل صحية وفعالة.

النقد

يختلف انتقاد الشريك، في المقام الأول، عن التعليق على موقف معيّن أو التعبير عن مَأخَذ يشتكي فيه طرف من تصرفات الطرف الآخر. ويُمثِّل النقد هجوماً علنياً يستهدف جوهر شخصية الشريك أو الشريكة ويهز كيانهم، في حين يرتبط التعليق أو التعبير بمواقف مفهومة ومحددة.

ولمعرفة الفرق بين التعبير عن الشكوى والانتقاد تمعّن في المثالين التاليين:

  • الشكوى: “كنّا اتفقنا على أن تخبرني أنك ستتأخر. أصابني الهلع عندما تأخرت في الخارج ولم ترسل لي رسالة!”.
  • النقد: “أنت شخص أناني، لا تفكر في الآخرين! أنت لا تفكر بي أبداً! ولا تفكر أبداً في كيفية تأثير سلوكك على الآخرين!”.

ووجود النقد في العلاقات لا يعني الحكم عليها بالانتهاء، لأن المشكلة لا تتفاقم إلا عندما يزداد الانتقاد ازدياداً ملحوظاً حتى يُصبح سلوكاً متكرراً بين الأزواج.

وعلى الدوام؛ يُمهِّد النقد الطريق أمام الفرسان الآخرين الأكثر فتكاً، فيجعل من يتعرض له يشعر بالاضطهاد والرفض والأذى النفسي، وغالباً ما يُسبِّب نمطاً تصاعدياً؛ ما يؤدي بالشركاء في نهاية المطاف إلى سلوكيات الازدراء.

الألفاظ الناعمة كبديل للنقد

تُمثِّل الشكوى دون لوم النفس أو الطرف الآخر علاجاً عملياً في وقت الصراعات؛ وذلك من خلال استخدام بعض الألفاظ الناعمة أو اللطيفة.

فمثلاً من الأفضل تَجنُّب قول “أنت” التي يمكن أن تشير إلى اللوم، وبدلاً عن ذلك يتحدث كل طرف عن مشاعره واحتياجاته باستخدام “أنا” إلى جانب التعبير عما يريده بطريقة إيجابية.

فإذا كان النقد: “أنت شخص أناني، لا تفكر في الآخرين! أنت لا تفكر بي أبداً! ولا تفكر أبداً في كيفية تأثير سلوكك على الآخرين!”، فاللفظ اللطيف هو: “أنا أشعر بالتعب نتيجة خوفي من تعرضك لمكروه. من فضلك، هل يمكننا إخبار بعضنا البعض عندما ننوي التأخر في الخارج؟”.

والملاحظ أن الألفاظ الناعمة تبدأ بـ “أنا أشعر” وتؤدي إلى إيضاح “أنا بحاجة”؛ ما يوصل الطلبات الشخصية باحترام ويُعزِّز من تلبية هذه الحاجة. فغياب اللوم أو الانتقاد يمنع النقاش من الارتقاء إلى حد الجدال.

الازدراء

يصف هذا السلوك السلبي معاملة الآخرين بقلة احترام وسخرية واستهزاء كتَعمُّد تسميتهم بشيء غير مقبول أو استخدام لغة الجسد في التهكم عليهم أو الاستهزاء بهم؛ حيث يهدف الازدراء إلى إشعار الطرف الآخر بالحقارة وانعدام القيمة.

وتُظهِر الأبحاث ازدياد إمكانية الإصابة بأمراض معدية بين الأزواج الذين يزدرئون من بعضهم البعض مقارنةً مع غيرهم نتيجة ضعف جهاز المناعة، كما تصف الكاتبة إيلي ليسيتسا (Ellie Lisitsa) في تدوينتها لمعهد ذا غوتمان.

كما يُعتبر هذا السلوك أكبر محدد منفرد للطلاق؛ ما يُحتِّم القضاء عليه. يتغذى الازدراء في ذروته على الأفكار السلبية التي تكونت لفترة طويلة بداخل ذلك الطرف الذي يلجأ له عندما يكبر في داخله شعور التفوق النسبي على الطرف الآخر.

بناء ثقافة التقدير والاحترام كبديل للازدراء

تعالج ثقافة التقدير والاحترام العلاقات، والجميل أن هناك أساليباً متنوعة لفعل ذلك.

فالأشياء الصغيرة المتكررة بمقدورها صناعة الفارق. مثلاً التحدث بانتظام عن التقدير والامتنان والمودة والاحترام للشريك أو الشريكة، يخلق منظوراً إيجابياً في العلاقة ويعمل بمثابة حاجز للمشاعر السلبية. وكلما شعر الشركاء بإيجابية، قل احتمال شعورهم بالازدراء أو التعبير عنه!

وتوصلت فلسفة غوتمان إلى طريقة أخرى تُدعى “النسبة السحرية“؛ والتي حددت نسبة التفاعلات الإيجابية إلى السلبية بخمسة لواحد حتى يتم ضمان نجاح العلاقة.

بمعنىً آخر؛ إذا كان لدى الإنسان خمسة تفاعلات إيجابية أو أكثر مقابل كل تفاعل سلبي واحد، فهذا مؤشر على قيامه بإيداع ودائع منتظمة في حسابه المصرفي العاطفي؛ ما يحافظ على العلاقة في وضع ممتاز.

الدفاعية

عادةً ما تكون الدفاعية رد فعل على النقد، فليس غريباً أن يتجه البعض لأن يصبحوا دفاعيين في وجه الهجوم على جوهر شخصيتهم. عندما يشعر طرف بالاتهام بصورة ظالمة، فإنه يميل إلى اختلاق الأعذار الواهية مع لعب دور الضحية البريئة ليتراجع الطرف الآخر.

ولسوء الحظ لا تنطلي الحيلة وتنجح هذه الاستراتيجية أبداً، فالأعذار تُظهِر عدم الجدية في التعامل مع مخاوف الشريك أو الشريكة، كما تعني عدم تحمل المسؤولية عن الأخطاء، إن وجدت.

وبناءً على ما سبق، فلا يستجيب ذلك الطرف بشكل دفاعي فحسب؛ بل يعكس سيل اللوم في محاولة لجعل ذلك الخطأ مسؤولية الطرف الآخر.

وقد يؤدي أسلوب الدفاع إلى تصعيد حالة الصراعات إذا لم يتراجع الطرف الناقد أو يعتذر، وذلك لأن الدفاعية تهيئ المجال لاستمرار تبادل اللوم؛ ما يمنع إدارة الخلافات بشكل صحي.

تحمل المسؤولية كبديل للدفاعية

تحمل مسؤولية جزء من الخلافات التي تحصل بين الأزواج يعبر عن استجابة مرنة وغير دفاعية تتبنّى قبول المسؤولية والاعتراف بالخطأ وفهم منظور الشريك أو الشريكة.

ولذلك يمنع تحمل المسؤولية تفاقم حالة الصراعات، ويساعد جميع الأطراف على الاعتراف بدورهم فيها. ومن هنا يمكن لهؤلاء الأزواج العمل من أجل التوصل إلى حل وسط يرضي الجميع ويساعد على إدارة الخلافات.

التَجنُّب

يظهر التَجنُّب كرد فعل شائع على سلوكيات الازدراء، وفيها ينسحب الطرف المستمع من التفاعل مع الطرف الآخر وينغلق على نفسه ويتوقف ببساطة عن الاستجابة.

فبدلاً عن مواجهة التحديات بأسلوب عقلاني مع شركائهم؛ يمكن للأشخاص الذين يقومون بذلك عمل مناورات مراوغة مثل ضبط النفس أو الابتعاد عن الموقف أو التظاهر بالانشغال أو الانخراط في سلوكيات مشتتة للانتباه.

وعندما يحدث ذلك، فغالباً ما يكبر حتى يتحول إلى عادة سيئةليس من السهل التخلي عنها؛ ما يُحتِّم التوقف لفترة معينة تتم فيها تهدئة الجسم وإراحة الذهن حتى يصبح من الممكن مناقشة الأشياء بعقلانية ووضوح.

التهدئة الذاتية الفيزيولوجية كبديل للتَجنُّب

تُعبِّر التهدئة الذاتية الفيزيولوجية عن إيقاف النقاش حتى يهدأ الأطراف جميعهم. ويتضح ذلك من خلال عودة معدل ضربات القلب إلى وضعه الطبيعي وانخفاض مستوى هرمونات التوتر في الدم واختفاء استجابة المواجهة أو الهروب.

في إحدى دراسات معهد ذا غوتمان، قاطع العلماء نقاش الأزواج المحتدم ثم أمروهم بقراءة بعض المجلات لمدة نصف ساعة بهدف تهدئتهم، وبمجرد أن شعروا بالهدوء تمكنوا من العودة إلى النقاش بأسلوب محترم وعقلاني.

وتكمن أهمية تلك التهدئة في قدرتها على منع الانفجار الذي قد يحمل معه آثاراً سلبية على مسار العلاقة. لذلك عندما يأخذ الطرفان قسطاً من الراحة ليهدأ الجسم من الناحية الفيزيولوجية، يصبحان أكثر قدرة على التواصل الايجابي.

ومن المهم تَجنُّب الأفكار السلبية وبدلاً من ذلك، يُنصح بفعل شيء مهدئ ومشتت كالاستماع إلى الموسيقى أو القراءة أو ممارسة الرياضة.

ختاماً، على الرغم من التعرف على الفرسان الأربعة في الصراعات الزوجية الساخنة؛ تبقى المعرفة غير كافية، وتقع على الشريكين مسؤولية التخلص من أنماط التواصل السلبية والمدمرة واستبدالها بأخرى صحية ومنتجة كالتي تعرفنا عليها.

المحتوى محمي !!