ذات يوم بعيد جداً سُئل فنان عصر النهضة الإيطالي الشهير مايكل أنجلو (Michelangelo) عن سر جمال منحوتاته، فرد قائلاً بأنه لم يصنعها، بل كشف عن التحفة الفنية المخفية داخل الرخام، وأضاف أنه في كل كتلة من الرخام يرى تمثالاً مُشكلاً ومثالياً، كل ما عليه فعله هو إظهاره للعيون عبر إزالة الرخام الزائد. وعلى غرار المنحوتات، يمتلك البشر أيضاً إمكانات مخفية يجب الكشف عنها، وأحياناً يستخدم بعض الأشخاص ظاهرة مايكل أنجلو في العلاقات العاطفية (Michelangelo phenomenon)، فما هي علاقة النحات الإيطالي بالتأثير في العلاقات العاطفية؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما هي ظاهرة مايكل أنجلو (Michelangelo phenomenon)؟
ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى عام 1999 عبر دراسة بحثية نشرتها مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (the Journal of Personality and Social Psychology). تصف ظاهرة مايكل أنجلو الدعم العاطفي والنفسي الذي تحصل عليه من الشريك المقرب ويسهم إسهاماً كبيراً في تطوير ذاتك، وينبع الاسم من فكرة مفادها أن شريك حياتك مثل نحات، يساعد على تشكيلك تشكيلاً مثالياً، فأنت بمثابة كتلة الرخام وشريكك هو الفنان.
وتستند قاعدة هذه الظاهرة على الدعم والتوافق بين الشريكين في العلاقة العاطفية، وذلك عبر اكتشاف الإمكانات المخفية داخل شريكك، ومن ثم الوصول إلى النمو الشخصي وتحقيق الذات لدى كل منكما ومساعدتكما على أن تصبحا ذاتكما المثالية، وتتألف ظاهرة مايكل أنجلو من 3 مكونات:
- التأكيد الإدراكي للشريك؛ وهذا يعني أنك تدرك نقاط القوة في الطرف الآخر إلى جانب العيوب.
- التأكيد السلوكي للشريك؛ والذي يحدث عندما تتصرف بطريقة تعزز وتقوّي ثقة شريكك بنفسه.
- التحرك نحو الذات المثالية؛ ما يعني أن يلاحق شريك حياتك أهدافه بنشاط وحماس ويصبح مؤمناً بذاته.
5 علامات تخبرك بأن شريك حياتك يطبق ظاهرة مايكل أنجلو في العلاقة
تسهم العلاقات الداعمة إسهاماً كبيراً في تحقيق النمو الشخصي، وذلك لأنها توفر الأمان العاطفي، وتقلل القلق وتعزز الثقة بالنفس، وهذه العلامات تخبرك بأنك في علاقة صحية وأن شريكك يطبق ظاهرة مايكل أنجلو:
- تصبح أنت الشخص الذي تريد أن تكونه وتشعر بأنك أقرب إلى ذاتك المثالية.
- الإحساس بالأمان والرغبة في الطموح والنمو الشخصي.
- الشعور بالنجاح واكتساب وجهات نظر جديدة واستكشاف المجهول.
- تكتشف جانباً من شخصيتك أكثر ثراءً واكتمالاً.
- يدعم شريكك أهدافك وأحلامك بعمق وعلى نحو أصيل، ويتمنى لك النجاح بكل طريقة ممكنة.
اقرأ أيضاً: احذر تجاهلها! أهم العلامات التحذيرية في علاقتك بشريك حياتك
كيف تؤثر ظاهرة مايكل أنجلو في العلاقات العاطفية؟
ظاهرة مايكل أنجلو هي عملية طويلة ومستمرة في العلاقات العاطفية، وعادة ما تحدث دون وعي، وتؤثر في علاقتك عبر الطرائق التالية:
1. تحقيق الإشباع العاطفي والنفسي
حين تنخرط في علاقة عاطفية وتبدأ بتشجيع موهبة الطرف الآخر وتعزيز قيمه وأهدافه، فأنت بذلك تساعده بطريقة غير مباشرة على اكتشاف أفضل صورة من نفسه، وفي المقابل يدعمك الطرف الآخر بالمثل، وهذا يساعدكما على تحقيق الإشباع العاطفي والنفسي وبناء علاقة صحية طويلة الأمد.
2. تعزيز السلوكيات الإيجابية
تشبه العلاقات الشخصية الرقص حيث تكون كل حركة فيه استجابة متزامنة لحركة الآخر، وتطبيق ظاهرة مايكل أنجلو في علاقتك العاطفية يعني أنك تعزز السلوكيات الإيجابية في شريك حياتك وذلك عبر تسليط الضوء على الصفات التي يحبها.
3. تطوير الذات
إن المصادقة التي تتلقاها من الطرف الآخر تزيد احتمالية ترسيخ السلوكيات الإيجابية، ما يحوّلها مع مرور الوقت إلى أنماط مستقرة، وهو ما سيؤدي إلى تقوية العلاقة وتحقيق النمو الشخصي والتطور.
احذر من التأثير السلبي لظاهرة مايكل أنجلو
على الرغم من أن تأثير ظاهرة مايكل أنجلو في العلاقات العاطفية غالباً ما يكون تأثيراً إيجابياً، حيث يؤدي إلى تقوية أواصر العلاقة وتدعيم قوة الطرفين وتحقيق نموهم الشخصي، فإن هذه الظاهرة قد يكون لها بعض التأثيرات السلبية مثل إضفاء المثالية على الشريك بناءً على توقعات غير واقعية أو مُثُل عليا لا يمكن تحقيقها، على سبيل المثال عندما تضع شريك حياتك في صورة مثالية، فإنك سوف تميل إلى رؤيته من خلال منظور إيجابي، وتنسب إليه صفات وفضائل قد لا تكون حقيقية بالضرورة، ومع مرور الوقت سوف يكون لديك تصور مشوه للواقع، ما يخلق فجوة بين الصورة المثالية للشريك والشخص الحقيقي، وحين يُظهر شريكك جوانب أقل كمالاً من شخصيته سوف تحس أنت بالإحباط وخيبة الأمل وحتى الاستياء.
وفي سياق متصل، تؤكد الطبيبة النفسية آبسي سام (Absy Sam) أن تأثير ظاهرة مايكل أنجلو السلبي قد يتجسد عندما يفرض أحد الشريكين رؤيته للذات المثالية على الآخر، ما يؤدي إلى الشعور بالإجهاد ومع مرور الوقت هناك احتمال أن يفقد المرء ذاته الحقيقية في أثناء محاولاته لإرضاء الشريك، وحينها سوف يجد أمامه بضع طرق وهي: إما الاعتماد على الشريك، أو الابتعاد عنه عاطفياً، أو اللجوء إلى سلوكيات التكيف الضارة غير الصحية.
5 إرشادات لتطبيق ظاهرة مايكل أنجلو في علاقتك بشريك حياتك
حين ترغب في تطبيق ظاهرة مايكل أنجلو في علاقتك العاطفية، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنك ستسيطر على الطرف الآخر أو تفرض قواعدك، أو تغيّر شريكك إلى نسخة مثالية موجودة داخل عقلك، ولكن عوضاً عن ذلك عليك مساعدة الطرف الآخر على اكتشاف نفسه وذلك من خلال الطرائق التالية:
1. خذ وقتك من أجل فهم الطرف الآخر
قبل أن تقدم دعمك إلى الطرف الآخر، خذ وقتاً كافياً من أجل فهمه جيداً والإنصات إليه بعناية والتعرف إلى نقاط قوته ونقاط ضعفه، وأحلامه وطموحاته، حينها فقط ستتمكن من تقديم الدعم والتشجيع اللازم. على سبيل المثال، إذا كان شريكك شغوفاً بتعلم اللغات ولكنه يفتقر إلى الثقة، في هذه الحالة يمكنك مساعدته على رؤية إمكاناته الإبداعية من خلال تشجيعه على خطواته الصغيرة وتعزيز فرصه من أجل النمو.
وكما يقوم النحات بإزالة الحجر الزائد بلطف، قدم ملاحظات لطيفة ومحددة وقابلة للتنفيذ، وحاول قدر الإمكان تجنب الانتقادات القاسية، والتي يمكن أن تؤدي إلى تآكل الثقة.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شريك حياتك الذي يدمر ثقتك بنفسك؟
2. كن فضولياً
هل سألت شريكك يوماً عما أراد أن يكون عندما كان طفلاً؟ أو كيف يحب أن يقضي وقته؟ وما هي هوايته المفضلة؟ تفتح هذه الأسئلة الباب أمام محادثات حول الأحلام المنسية منذ فترة طويلة والعواطف الخفية، وأحياناً ترسل رسالة إلى الطرف الآخر مفادها "أنا أدعمك، وأؤمن بك".
3. شجّع شريك حياتك تشجيعاً بنّاءً
هل حاولت يوماً مساعدة شريكك في شيء ما وانتهى بك الأمر إلى جعله يشعر بالانتقاد؟ يجب أن تعلم أن النحات لا يقطع الرخام بل يستخدم حركات شديدة الدقة وحذرة حتى يُخرج فناً بديعاً، وينطبق الشيء نفسه على العلاقات؛ يجب أن تتمتع كلماتك وأفعالك بالدقة نفسها، ولهذا يجب أن يكون تشجيعك بنّاءً وليس نقدياً لأن الهدف هنا هو مساعدة شريكك على التخلص من الشك الذاتي، وليس الشعور بأنك تسعى إلى محاولة إصلاحه.
4. اصنع مع شريكك مساحة آمنة مشتركة
لا تعد ظاهرة مايكل أنجلو عملية من جانب واحد؛ تزدهر العلاقات عندما يستثمر كلا الشريكين في دعم بعضهما بعضاً، يمكنك التفكير في الأمر على أنكما نحاتان يعملان جنباً إلى جنب، حيث يصقل كل منكما تحفته الفنية الخاصة مع الإسهام في الجمال العام للعلاقة، وعندما تعملا باعتباركما فريقاً واحداً، فإنكما تخلقان مساحة آمنة حيث يمكن للأهداف الشخصية والمشتركة أن تحقق الأمر، وهذا لا يتعلق فقط بالنمو الفردي؛ بل يتعلق ببناء شيء أكبر معاً.
5. حاول التخلّص من الافتراضات
أحياناً قد نفترض أننا نعرف الطرف الآخر جيداً، لكن الحقيقة هي أن الناس تتغير؛ إذ تتطور الاهتمامات، وتتبدّل الأحلام، وإذا توقفت عن الفضول بشأن شريكك، فقد تفوتك رؤية الشخص المذهل الذي أصبح عليه، وعلى الجانب الآخر لا تفترض أن شريكك شخص مثالي أو أن علاقتكما مثالية، فكل علاقة تواجه تحديات.
وفي هذا السياق يعتقد الطبيب النفسي، عبد الله غازي، أن العلاقة المثالية هي فخ يقع فيه الكثير من الأشخاص. في الواقع، لا توجد علاقة مثالية لتضعها هدفاً تسعى لتحقيقه، وإنما الهدف الحقيقي هو العلاقة الصحية التي لا تخلو من العيوب والاختلافات، ولكن يُدار فيها كل ذلك بطريقة واعية وصحية تُمكّن الطرفين من تجاوز التحديات معاً.