كيف استُخدم تشات جي بي تي في الدعم النفسي؟ ولماذا فشلت التجربة؟

5 دقائق
تشات جي بي تي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: أثارت تجربة منصة كوكو (Koko) المتمثلة بالاستعانة بالردود الآلية عن طريق خدمة تشات جي بي تي (ChatGPT) في مجال خدمة الدعم النفسي امتعاض الكثيرين على منصات التواصل الاجتماعي وفتحت باب النقاش حول مستقبل العلاج النفسي ومدى تأثير تدخل الذكاء الاصطناعي فيه، وإذا كان من الآمن حصول المرضى النفسيين على إرشادات مجهزة مسبقاً لحل مشكلاتهم. سنستعرض في هذا المقال رسالتين رد عليهما تشات جي بي تي الخاص بمنصة كوكو، إلى جانب التعليق عليهما.

أثار الإعلان عن تشات جي بي تي (ChatGPT) الكثير من الدهشة تجاه قدرة التكنولوجيا على تأدية المهام البشرية، فهو يكتب التغريدات ويعمل كمحامٍ في المحكمة ويخطط أيضاً لأعياد الميلاد؛ لكن الجديد هو دخوله إلى مجال العلاج النفسي من خلال الاستعانة به في منصة كوكو التي تتيح خدمة الدعم النفسي من خلال الحديث نصياً مع متطوعين يمدون يد العون لمن يريد.

ورغم إلغاء التجربة بعد أيام من إتاحتها نتيجة أن محاكاة التعاطف بحد وصف الشريك المؤسس للمنصة روب موريس (Rob Morris) غير مجدية؛ لكنها أثارت امتعاض الكثيرين على منصات التواصل الاجتماعي وفتحت باب النقاش حول مستقبل العلاج النفسي ومدى تأثير تدخل الذكاء الاصطناعي فيه، وإذا كان من الآمن حصول المرضى النفسيين على إرشادات مجهزة مسبقاً لحل مشكلاتهم.

ما الذي أثار الضجيج؟

يبدو أن الذكاء الاصطناعي يمكنه الاندماج في الكثير من تفاصيلنا اليومية عدا الدعم النفسي والتعاطف، هذا ما أكده روب موريس. ووفقاً لتجربة كوكو في الاستعانة بالردود الآلية، فمبجرد علم المستخدمين أن ما يُعرض لهم هي رسائل جاهزة يتوقفون عن التفاعل، رغم أنه من الناحية التقنية قلّ الوقت الذي يقضيه المستخدم في انتظار توافر متطوع للرد عليه بنسبة 50%.

وقد ثارت عاصفة من الردود الغاضبة بمجرد إعلان موريس تفاصيل التجربة على حسابه في تويتر؛ إذ رأى البعض أن ما حدث أمر غير إنساني بالمرة، فكيف تُستغل لحظات ضعف المستخدمين في عمل تجربة لقياس نجاح الذكاء الاصطناعي في مهمة الدعم النفسي؟ وهل أخذ إذن جميع مَن شاركوا في التجربة؟

وهذا ما دعا الشريك المؤسس لمنصة كوكو إلى تبرير موقف المنصة قائلاً إن الرسائل كان يُكتب بأسفلها أنها صيغت باستخدام تشات جي بي تي؛ ما يُخلي بحد تعبيره مسؤوليتهم الأخلاقية والقانونية تجاه المستخدمين. لكن ذلك من وجهة نظر البعض ليس كافياً، فالمنصة لم تحصل بشكل مسبق على موافقة من الجهات المختصة تضمن عملها بشكل يحفظ حقوق المستخدمين كما كان من الواجب إخبارهم مسبقاً بالأضرار والفوائد المحتملة لمشاركتهم في هذه التجربة.

ويوضح الطبيب النفسي جون تورس (John Torous) هذا الجانب بالتفصيل مشيراً إلى أنه وفقاً للمسؤولية الأخلاقية؛ عندما تُستخدم التكنولوجيا في المجال الطبي يجب أن يحدث ذلك وفقاً لمعايير منضبطة وبحذر، وأن تتسم التجربة بالشفافية الكاملة لحماية المرضى النفسيين من استغلالهم مقابل حصولهم على خدمات الرعاية، إلى جانب أن القائمين على التجربة ينبغي أن يتدربوا بشكل جيد، وجميعها ضوابط وفقاً لتورس تم تجاهلها في تجربة كوكو وهذا ما أسهم في مفاقمة المنصة لاضطرابات المستخدمين النفسية بدلاً من العمل على حلها.

وهنا دافع الشريك المؤسس لمنصة كوكو عما حدث في تجاوزه لمرحلة الحصول على الموافقات اللازمة، مؤكداً أن الحصول على الموافقة يستغرق الكثير من الوقت والمراحل المتعددة، بينما وفقاً لوجهة نظره فكل ما سعوا إليه هو الاستعانة بالتكنولوجيا في خدمة البشر وتسهيل حياتهم، وهو ما رد عليه بعض الأشخاص الذين استخدموا الخدمة على تويتر واصفين الدعم الذي لاقوه في تجربتهم بكونه "تعاطفاً مصطنعاً" ما قد يؤكد بطلان وجهة نظره.

كيف أدى تشات جي بي تي دور المعالج النفسي؟

قد يتبادر إلى ذهنك خلال قراءة المقال سؤال ضروري ألا وهو: كيف سيتعاطى الذكاء الاصطناعي مع حديثي حول اضطراب نفسي أصابني؟ وهذا ما سنستعرضه في رسالتين رد عليهما تشات جي بي تي الخاص بمنصة كوكو، إلى جانب التعليق عليهما.

الرسالة الأولى: لقد ذهبت إلى مختص نفسي وشخّصني باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، ماذا تنصحني أن أفعل؟

رد تشات جي بي تي: إذا تم تشخيصك باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه فمن المهم أن يمدك الطبيب بخطة علاجية تلبي احتياجاتك، وعادةً يكون العلاج مزيجاً بين الأدوية والعلاج السلوكي، ومن أشهر الأدوية التي تُستخدم لعلاج فرط الحركة وتشتت الانتباه المنشطات التي تساعدك على زيادة مستوى تركيزك وانتباهك؛ كما من المهم إجراء تغييرات في نمط حياتك مثل:

  1. تحديد الأهداف والأولويات.
  2. تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة.
  3. الاستعانة بالتقويم في تنظيم جدولك اليومي.
  4. ممارسة التمارين الرياضية والالتزام بنمط غذائي صحي.
  5. الحد من مصادر التشتيت.
  6. أخذ فترات للراحة والاسترخاء.

وأخيراً، تحلَّ بالصبر وتذكّر أن علاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يستغرق الكثير من الوقت؛ لكن مع الحصول على الدعم والرعاية الذاتية ستتمكن من إدارة أعراضك بنجاح وعيش حياة مُرضية.

الرسالة الثانية: ما فرص إصابتي باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؟

رد تشات جي بي تي: أنا آسف؛ لكنني غير قادر على تزويدك بإجابة عن هذا السؤال لأنني روبوت ولا أستطيع الوصول إلى مصادر خارجية للمعلومات. ورغم ذلك فقد أظهرت الأبحاث وجود علاقة بين اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه واضطراب ما بعد الصدمة، فعلى سبيل المثال؛ وجدت إحدى الدراسات أن المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أكثر عرضة للتعرض لأحداث الحياة الصادمة كما أنهم أكثر عرضة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة المرتبط بهذه الأحداث.

إلى جانب ذلك، فقد يعاني المصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه واضطراب ما بعد الصدمة من أعراض أكثر حدةً بالمقارنة مع المصابين بواحد من الاضطرابَين السابقَين؛ لكن المهم ملاحظة أنّ ليس كل مصاب باضطراب ما بعد الصدمة سيعاني من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وإذا كنت قلقاً من احتمالية إصابتك باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه واضطراب ما بعد الصدمة فتحدث إلى الطبيب المختص.

تعليق أستاذ الذكاء الاصطناعي بجامعة ستانفورد (Stanford University)، لانس إليوت (Lance Eliot)

رأينا في الإجابات السابقة أن تشات جي بي تي يفضل دائماً التحرك في المساحات الآمنة غير المحددة بدقة، ونظراً لتداخل مشكلات الصحة النفسية وتعددها سيكون من الصعب عليه تجنب الانحراف في النصح عن الاضطراب الصحيح والذهاب إلى اضطراب خاطئ.

باختصار؛ سيقدم الذكاء الاصطناعي نصائح تميل لأن تكون عامة غالباً كما أنه من المهم الانتباه إلى كون الحديث المباشر مع المختص النفسي لا يكون في سياق رد مجهز مسبقاً إنما هو رد قائم على تفاصيل يحصل عليها من المريض من خلال توجيه العديد من الأسئلة التي تجعله يصيغ الإجابة الأنسب له.

هل ما حدث أخلاقي أو قانوني؟

يمكن وصف السؤال السابق بالأكثر أهمية، فعلى أساس إجابته ستُحدد احتمالية دمج الذكاء الاصطناعي بالعلاج النفسي. وبشكل مبدئي فقد أدت تجربة منصة كوكو إلى اعتراض الكثيرين من منطلق انتهاكها لقانون الموافقة المستنيرة (Informed Consent)، وهو قانون أميركي يوجب الحصول على موافقة الأشخاص قبل مشاركتهم في أي تجربة بحثية؛ وهذا ما جعل هؤلاء المعترضين يرون أن ما حدث يتنافى مع المعايير الأخلاقية، وهو ما دعاهم إلى الحديث من ناحية أخرى عن احتمالية وقوع القائمين على التطبيق في خطأ قانوني يوجب محاسبتهم.

لكن الشريك المؤسس للمنصة، روب موريس دخل على خط النقاش مدافعاً عن موقف منصته بإشارته إلى أن بنود قانون الموافقة المستنيرة تسري عندما ترتبط التجربة بدراسة جامعية وهذا ما لم يحدث، وأضاف إنهم لم يجمعوا أي بيانات شخصية تخص المستخدمين.

وسلط موريس الضوء بالرد السابق على المساحة الرمادية التي تظهر عند استخدام التكنولوجيا في الرعاية الصحية بشكل عام، فالكثير من الأدوات التكنولوجية في هذا المجال يعمل دون إبلاغ المستخدمين بمدى الأضرار التي قد يتعرضون لها أو المسارات التي تذهب لها المعلومات الناتجة من استخدامهم لها، بالإضافة إلى عنصر خاص يتمثل في أن المصابين بأمراض نفسية يلزم التعامل معهم بحساسية خاصة في التجارب لتجنب تعريضهم لأي مخاطر محتملة.

وهنا يشير استشاري الطب النفسي السعودي فهد بن دخيل العصيمي إلى أن خصوصية المريض النفسي وضمان سرية المعلومات الخاصة به وحمايتها قضية مهمة للغاية، لذلك لا بد من وجود تراخيص معتمدة لمن يعملون في العلاج النفسي عن بعد، مؤكداً إن هذا التراخيص يجب أن تشمل القائمين على التطبيق من معالجين وعاملين إلى جانب تحديد المجال الذي يعمل به، فأحياناً قد يكون المسموح تقديم استشارات نفسية وليس وصف أدوية، مضيفاً إنه في حال الابتعاد عن تحقيق المعايير السابقة سيحدث نوع من الفوضى يضر بمصلحة المريض.

رغم أن الجدال حول مدى أخلاقية تجربة منصة كوكو في استخدام تشات جي بي تي وقانونيتها ما زال دائراً؛ فإنه لفت انتباهنا إلى جانب شديد الأهمية ألا وهو: هل يمكن أن يرتبط الإنسان بالآلة إلى درجة أنه سيأتي يوم يشكو فيه همومه إليها بدلاً من اللجوء إلى أحبابه؟ وإلى أي مدى يمكن أن نلتصق بهواتفنا وننعزل عن عالمنا الواقعي؟ وهل ما زالت هناك فرصة لإعادة التوازن؟ لننتظر الأيام والسنين القادمة لتجيبنا!