منذ بدء تطوير لقاحات "كوفيد-19"، تواترت العديد من ردود الأفعال والمخاوف حول مدى تأثيره على الصحة؛ من ضمن تلك المخاوف التي أثارت جدلاً واسعاً كان تأثير التطعيم على الدورة الشهرية والخصوبة لدى النساء.
توثيق التجربة
من خلال منشور على "تويتر" (Twitter)؛ أشارت كاثرين كلانسي ذات الـ 41 عاماً، وهي أستاذة مساعدة في الأنثروبولوجيا بجامعة إلينوي، ومستضيفة "بريود بودكاست" (Period Podcast)، وثّقت فيه تجربتها بعد تلقّي أحد لقاحات "كوفيد-19" (موديرنا)؛ حيث أوضحت كيف بدأت دورتها الشهرية مبكراً قليلاً، وكانت أكثر غزارةً من المعتاد بعد أسبوع من تلقي جرعتها الأولى.
تلقّت كلانسي العديد من ردود الأفعال تشاركها تجربتها؛ حيث أبلغت عدة نساء عن تغيّرات في دورتهن الشهرية؛ ما دفعها لإطلاق استبيان يطلب ممن تلقون تطعيمهم مشاركة تجاربهم؛ والتي تضمنت نفس التغيُّرات المُختَبَرة.
أوضحت تلك التجارب ضرورة دراسة ذلك الرابط بين لقاح "كوفيد-19" والدورة الشهرية، وتحديد مدى خطورته وتأثيره على الصحة.
لقاح "كوفيد-19" وتغيُّرات الدورة الشهرية
في دراسة من جامعة أوريغون للصحة والعلوم في بورتلاند بالولايات المتحدة الأميركية، لمعرفة مدى تأثير التطعيم على الدورة الشهرية، أشارت النتائج إلى أن النساء اللواتي تلقَّين جرعتين من اللقاح في دورة شهرية واحدة، وجدن أنها قد تأخرت بضعة أيام. ومع ذلك، فقد عادت إلى طبيعتها بعد دورتين شهريتين؛ ما يعني أن التغيير كان مؤقتاً.
قام المؤلفون، بقيادة أليسون إيدلمان، بتحليل البيانات مجهولة المصدر من آلاف النساء اللواتي سجلن بانتظام تفاصيل حول دوراتهن الشهرية، باستخدام تطبيق تتبع الخصوبة "ناتشورال سايكلز" (Natural Cycles).
من بين 3,959 امرأة مشاركة في الدراسة تتراوح أعمارهن بين 18 و45 عاماً؛ تم تطعيم 2,403 نساء بلقاحات "موديرنا" أو "فايزر"، بينما لم تتلقَّ 1,556 اللقاح.
لمعرفة مدى تأثير التطعيم على الدورة الشهرية (الوقت بين النزيف)، والحيض (أيام النزيف)، لدى النساء الملقَّحات وغير المُلقَّحات؛ قام الباحثون بتحليل البيانات من ثلاث دورات متتالية قبل التطعيم، ومن ثلاث دورات بعده؛ بما في ذلك الدورة أو الدورات التي تم فيها التطعيم، بينما تم جمع البيانات لستّ دورات متتالية بالنسبة للمشاركات غير المُلقّحات.
تغيرات مؤقتة
أوضحت النتائج أن النساء اللاتي تلقين جرعة واحدة من لقاح "كوفيد-19" خلال دورة شهرية واحدة، اختبرن زيادة طفيفة في طول مدة الدورة؛ ما يعني وقتاً أطول من النزيف، بما يزيد عن نصف يوم قليلاً في المتوسط، مقارنة بالنساء غير المُلقَّحات.
بينما أبلغت المشاركات اللاتي تلقَّين جرعتين من اللقاح خلال نفس الدورة الشهرية، من زيادة قليلاً في مدة الدورة؛ بما يعادل يومين.
كذلك، فلقد عادت هذه التغيرُّات إلى وضعها الطبيعي خلال دوراتهن الشهرية اللاحقة؛ ما يشير إلى أن هذه التغيرات كانت مؤقتة.
يشير الباحثون إلى أنه على الرغم من عدم وجود تغيُّرات كبيرة في طول مدة الدورة الشهرية؛ فإنه يجب تحديد ما إذا كان لقاح "كوفيد-19" يؤثر على خصائص أخرى؛ مثل غزارة تدفق الدم، والألم، وتغيرات المزاج.
تحفيز الاستجابة المناعية
عادةً ما تختلف الدورة الشهرية لدى النساء بمقدار ضئيل من شهر لآخر، وأشار الباحثون إلى أن الزيادة التي لاحظوها كانت ضمن نطاق التباين الطبيعي، فمعظم النساء لن يلاحظن حتى ما إذا كانت الدورة الشهرية قد وصلت بعد نصف يوم عن المعتاد.
يعزي الباحثون تلك التغيرات إلى الضغط الجسدي الناتج عن اللقاح المُصّمّم لتحفيز استجابة مناعية قوية؛ حيث أن تنظيم الدورة الشهرية يحدث من خلال التداخل الكيميائي المتبادل بين أدمغتهم والمبيضين؛ والذي يمكن أن يتأثر بالضغط الجسدي أو العاطفي.
كذلك؛ تعمل الخلايا المناعية في تكوين ثم تكسير بطانة الرحم الذي يحدث في أثناء الحيض، وتُنتِج اللقاحات جزيئات التهابية تسمى السيتوكينات والإنترفيرون؛ والتي تحفِّز الخلايا المناعية -بما في ذلك الموجودة في الرحم. قد يتسبب ذلك في تساقط البطانة في وقت أقرب أو بشكل أكثر كثافة من المعتاد؛ ما يتسبب في حدوث تغيُّرات في الدورة الشهرية.
تغيُّرات طفيفة
في السياق ذاته؛ أُجريت دراسة أخرى من المعهد النرويجي للصحة العامة؛ والتي أشارت نتائجها إلى زيادة في حدوث تغيُّرات الدورة الشهرية بين الشابات المشاركات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و30 عاماً، بعد تلقّي لقاح "كوفيد-19".
تقول الطبيبة ليل تروغستاد؛ رئيسة المشروع في المعهد النرويجي للصحة العامة، أن الهدف الرئيس من الدراسة كان توضيح ما إذا كانت تغيُّرات الدورة الشهرية تحدث بشكل متكرر بين النساء المُلقَّحات أكثر من نظيراتهن اللواتي لم يتلقين اللقاح.
تشير نتائج الدراسة إلى أنه ما يقرب من 4 من كل 10 نساء، عانين من غزارة أكثر من المعتاد في الحيض بعد جرعة اللقاح الأولى والثانية؛ أفاد 13.6% عن فترات أكثر غزارة بعد الجرعة الأولى، كما أبلغ 8.2% عن المشكلة ذاتها قبل الجرعة الثانية، بالإضافة إلى اختبار 15.3% الأمر نفسه بعد الجرعة الثانية.
كما أوضحت النتائج أنه بعد جرعة اللقاح الثانية، زادت نسبة الإبلاغ عن تغيرات الدورة الشهرية بشكل طفيف في جميع النتائج.
نصائح للتكيف مع تغيُّرات الدورة الشهرية
بناء على تلك النتائج؛ والتي أظهرت بعض التغيُّرات في الدورة الشهرية، قدّم المعهد النرويجي للصحة العامة النصائح التالية للنساء اللواتي عانين من تلك التغيُّرات بعد التطعيم:
- يجب على النساء اللاتي يعانين من تغيرات مستمرة في الدورة الشهرية استشارة الطبيب لاستبعاد الأمراض الأخرى التي قد تتطلب العلاج.
- مع التغيرات المؤقتة في الدورة الشهرية، يمكن إعطاء جرعة اللقاح التالية كما هو مُخطّط لها.
- مع النزيف الشديد والمستمر بعد جرعة مبكرة، يوصى بتأخير التطعيم حتى يتم التحقق من السبب أو زوال الأعراض.
- بالنسبة لتغيرات الدورة الشهرية التي تتطلب علاجاً بعد التطعيم؛ ينبغي النظر في جرعة اللقاح التالية على أساس فردي، بالتشاور مع الطبيب.
- في الحالات التي يكون فيها لدى النساء تغيرات في الدورة الشهرية لسبب آخر غير التطعيم؛ يمكن إعطاؤهن لقاحاً ضد "كوفيد-19".
كذلك؛ تنصح تروغستاد باستشارة الطبيب إذا كان لدى النساء أي شك، وشدّدت على أن هذه التغيُّرات هي آثار جانبية مؤقتة بالنسبة للأغلبية.