هل تكلم نفسك بطريقة سلبية؟ تعرف إلى أضرار ذلك والحلول الممكنة

5 دقيقة
الحديث السلبي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

هل سبق لك أن أخبرت نفسك بأنك فاشل؟ هل تتحدث إلى نفسك حديثاً سلبياً، وتقلل قدراتك؟ الحقيقة أنك لست وحدك، إذ إن ارتكاب الأخطاء والشعور بالانزعاج من أنفسنا أمر شائع، ونحن جميعاً نفعل ذلك، ولكن إذا كانت الأفكار في رأسك عن نفسك سلبية باستمرار فهذه مشكلة كبرى، خاصة أن ذلك الحديث لا يظل داخل عقلك فحسب، بل يمتد أحياناً إلى الكثير من سلوكياتك ويؤدي إلى انخفاض احترام الذات وقد يسبب القلق والاكتئاب، ولكن كيف تتوقف عن حديثك السلبي مع نفسك؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هو الحديث السلبي إلى الذات؟

الحديث إلى الذات هو الطريقة التي تتحدث بها إلى نفسك، أو صوتك الداخلي، وفي بعض الأحيان قد لا تكون مدركاً أنك تفعل ذلك، لكنك بالتأكيد تفعله طوال الوقت، حيث يبدأ هذا الصوت من لحظة استيقاظك حتى ذهابك إلى الفراش، وعادة ما يساعدك في اتخاذ القرارات، ويمكن القول إن الحديث إلى الذات يؤثر تأثيراً مهماً في حياتك، وبالنسبة لبعض الأشخاص قد يكون داعماً ومحفزاً، وأحياناً يكون سلبياً ويقلل الثقة بالنفس.

والحديث السلبي إلى الذات هو صوتك الداخلي الناقد لك نقداً مفرطاً والذي يركز على الجانب السيئ في الحياة والمتشائم، علاوة على أنه يشير باستمرار إلى عيوبك وأخطائك ونواقصك، ويختلف الحديث السلبي عن النقد الذاتي البنّاء، الذي يهدف إلى تحسين الذات.

وعادة يبدأ الحديث السلبي إلى الذات بتدفق الأفكار السلبية من عقلك الباطن على نحو قهري، حيث لا يمكنك أن تمنع هذه الأفكار من التدفق، فيصبح الأمر كأن هناك شخصاً آخر بداخلك ينتقدك ويحطم آمالك ويقلل ذاتك تقليلاً مستمراً، ويمنعك من تحقيق أهدافك، ويجعلك تعتقد أنك فاشل حتى قبل أن تبدأ.

اقرأ أيضاً: كيف تحول مشاعرك السلبية إلى قوة إيجابية؟

5 أنماط للحديث السلبي مع الذات

الحديث السلبي إلى النفس ليس مجرد لحظات عرضية من الشك الذاتي أو النقد، إذ يصبح مع مرور الوقت الطريقة التي تنظر بها إلى نفسك، وفي الحقيقة هناك العديد من أنماط الحديث السلبي مثل:

1. النقد الذاتي

هو أحد أنماط الحديث السلبي إلى النفس، وعادة ما يتضمن التقييم والحكم المستمر على أفعالك وخياراتك، مثل أن تقول لنفسك "أنا لست جيداً بما فيه الكفاية" أو "أنا لا أستطيع إنجاز الأمور على نحو صحيح ودائماً أخفق" وفي أغلب الأحوال تؤدي هذه الأفكار الانتقادية الذاتية إلى الشعور بعدم الكفاءة وانخفاض احترام الذات.

2. التهويل

التهويل هو نمط آخر من أنماط الحديث السلبي إلى النفس، حيث يجعلك تقفز تلقائياً إلى أسوأ نتيجة ممكنة في موقف معين، وتهيمن عليك بعض الأفكار مثل، "إذا ارتكبت خطأ، فسوف تدمر حياتي"، أو "إذا لم أنجح، فأنا فاشل تماماً"، ويمكن القول إن التهويل يؤدي إلى تفاقم مشاعر القلق والتوتر.

3. الشخصنة

تحدث الشخصنة عندما تلوم نفسك لوماً غير عادل على مواقف خارجة عن سيطرتك؛ على سبيل المثال، الاعتقاد أنك مسؤول عن مزاج صديقك السيئ، أو إفساد مناسبة عائلية، ويؤدي هذا النمط من الحديث إلى الذات إلى تحمل أعباء وذنب لا يمكنك تحمله، ما يعزز مشاعر الذنب غير المبررة وعدم الكفاءة.

وحين تتبع هذا النمط من حديثك السلبي مع نفسك فأنت تتجاهل الطبيعة المعقدة للمواقف الإنسانية ودور العوامل الخارجية، ومع مرور الوقت، يؤدي هذا الأمر إلى تدني احترام الذات، حيث تجد نفسك باستمرار مسؤولاً عن أحداث لا يمكنك التحكم فيها.

4. الاستقطاب

يتسم الاستقطاب برؤية الأشياء على طرفي النقيض، إما مثالية وإما كارثية، وليس ثمة منطقة وسط، وتؤدي هذه العقلية التي ترتكز على "الكل أو لا شيء" إلى وضع معايير غير واقعية لنفسك وللآخرين، ما يؤدي إلى خيبة أمل وإحباط متكررين، وحين تنظر إلى الأمور باستقطاب، فأنت تخلق نظرة صارمة إلى الحياة، وتحرم نفسك من ثراء التجارب الإنسانية.

5. قراءة العقول

تتضمن قراءة العقول افتراض أنك تعرف ما يفكر فيه الآخرون وعادة ما يكون هذا التفكير سلبياً، على سبيل المثال، تفسير طريقة صديقك الهادئة على أنها عدم اهتمام بك أو إزعاج لك، دون أي دليل حقيقي، ويؤدي هذا النمط إلى توتر العلاقات بينك وبين الآخرين؛ وذلك لأنك تتفاعل مع المشاعر المفترضة التي قد لا تكون موجودة، كما يغذي الشك الذاتي والشعور بعدم الأمان، حيث تصبح مقتنعاً بأن الآخرين ينظرون إليك سلباً، ما يؤثر في علاقاتك الاجتماعية وصورتك الذاتية.

اقرأ أيضاً: حديث النفس: لماذا أتحدث إلى نفسي كثيراً؟

ما هي أسباب الحديث السلبي إلى الذات؟

أسباب الحديث السلبي إلى النفس تختلف من فرد إلى آخر، لكن هناك مجموعة من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى تطور هذا النوع من الحديث، وهذه الأسباب هي:

1. صدمات الطفولة

يمكن أن تسبب التجارب المؤلمة، خاصة خلال سنوات الطفولة، ندوباً عاطفية عميقة، ما يؤدي إلى تصورات ذاتية سلبية مستمرة؛ ففي مرحلة الطفولة قد يعزز النقد المستمر للوالدين معتقدات سلبية عن الذات تستمر حتى مرحلة البلوغ.

2. الضغوط المجتمعية

تلعب الضغوط والتأثيرات المجتمعية دوراً مهماً في ترسيخ الحديث السلبي عن الذات؛ حيث تضع وسائل التواصل الاجتماعي والمعايير الثقافية وضغوط الأقران معايير غير واقعية، ما يجعلك تشعر بعدم الكفاءة، وحين تراقب قصص النجاح على منصات التواصل الاجتماعي قد تحس بتدني احترام الذات، وعدم القدرة على الارتقاء إلى مستوى التوقعات المجتمعية.

3. الإصابة بأحد اضطرابات الصحة النفسية

يرتبط الحديث السلبي إلى الذات ببعض اضطرابات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب، حيث تؤدي تلك الحالات إلى تشوه أنماط التفكير، ما يجعل الأفكار السلبية أكثر قابلية للتصديق. إنها حلقة مفرغة لا تنتهي، فالحديث السلبي ينتج عنه تفاقم مشاعر القلق والاكتئاب، من الناحية الأخرى تؤدي مثل هذه الاضطرابات النفسية إلى تزايد حدة الأحاديث السلبية.

كيف يؤثر الحديث السلبي إلى الذات في الصحة النفسية؟

يؤثر الحديث السلبي إلى الذات تأثيراً عميقاً في صحتك النفسية، وحياتك اليومية، وفيما يلي بعض الطرائق التي يؤثر بها فيك:

1. زيادة مشاعر القلق والاكتئاب

يؤدي الحديث السلبي إلى الذات إلى تفاقم مشاعر القلق والاكتئاب، إذ يوصلك التركيز على الأفكار السلبية إلى انخفاض الدافع والشعور بالعجز، ما يخلق حلقة مفرغة من التفكير السلبي وانخفاض الحالة المزاجية ويعزز مشاعر القلق والاكتئاب.

2. انخفاض القدرة على تحقيق النجاح

عندما تخبر نفسك على نحو مستمر بأنك لست قادراً أو لست جيداً بما فيه الكفاية، أو حين تحدث نفسك بأنك شخصاً فاشلاً، فمن البديهي أن تبتعد عن السعي إلى الفرص الجديدة أو خوض التحديات في العمل، وذلك لأنك تملك يقيناً أنك لن تحقق النجاح.

3. تدني احترام الذات

يمكن أن يؤدي الحديث السلبي المستمر مع النفس إلى تآكل قيمتك الذاتية، ما يؤدي إلى تدني احترام الذات وانعدام الثقة بالنفس.

4. الشعور بالوحدة والعزلة

يؤثر الحديث السلبي إلى النفس في كيفية تعاملك مع الآخرين، وحين تنظر إلى نفسك على نحو مستمر بأنك فاشل، وحين تظن أن الآخرين لا يهتمون بك، فسيؤدي ذلك الأمر في نهاية المطاف إلى الانسحاب الاجتماعي والشعور بالوحدة والعزلة وصعوبة الحفاظ على العلاقات الصحية.

5. انخفاض المرونة النفسية

حين تتحدث إلى ذاتك حديثاً سلبياً على الدوام، ستواجه صعوبة كبرى في التعافي من النكسات والصدمات النفسية، ولن تتمكن من التعامل مع تحديات الحياة المختلفة.

6. تفاقم المشاعر السلبية

يوضح المختص النفسي، عبد الله آل دربا، أن الحديث السلبي إلى النفس يؤدي إلى توليد طاقة سلبية كبرى، وأضرار صحية منها ضغط الدم، علاوة على برمجة العقل بإشارات سلبية تستقر وتترسخ في العقل الباطن وتصبح عادة.

كيف تتوقف عن الحديث السلبي إلى النفس؟

هناك العديد من النصائح التي يمكن الاستعانة بها للتوقف عن الحديث السلبي إلى النفس، ومن أهم هذه النصائح:

1. دوّن أفكارك

احتفظ بمذكرة بالقرب منك حتى تدوّن أفكارك وحديثك مع النفس، وكلما لاحظت فكرة سلبية، اكتبها، ومع مرور الوقت، سترى أنماطاً في تفكيرك يمكن أن تساعدك على تحديد أكثر أنماط الحديث السلبي إلى النفس شيوعاً.

2. أعِد صياغة أفكارك السلبية

عندما تجد نفسك منخرطاً في حديث سلبي مع نفسك، استبدل تلك الأفكار السلبية بالتأكيدات الإيجابية، على سبيل المثال، إذا كنت تفكر قائلاً "لا أستطيع إنجاز هذه المهمة في العمل"، فغيّرها إلى "أنا قادر، ويمكنني التعلم من هذه التجربة الجديدة".

3. مارس الامتنان

يمكن أن يساعد تقييم الأشياء الجيدة بحياتك على تحويل تركيزك بعيداً عن السلبيات، ولذلك حاول تدوين الأشياء في مفكرة امتنان يومية، استيقظ كل يوم صباحاً وسجل ثلاثة أشياء في حياتك تشعر بالامتنان تجاهها.

4. استجوب منتقدك الداخلي

أحد أهم التحديات الصعبة التي قد تواجهك مع الحديث السلبي هو أنه غالباً ما يمر داخل عقلك دون تحدِّ، وإذا كان الأمر يدور في رأسك فلن يكون الآخرون على دراية به، ولذلك لن يخبرك أحد بأنك تفكر تفكيراً خاطئاً، ولذلك استجوب منتقدك الداخلي؛ حين تداهمك فكرة سلبية عن نفسك، التقطها، واسأل نفسك عن مدى صحتها، ويمكن القول إن معظم الحديث السلبي إلى النفس يعدّ مبالغة، ولذلك حاول التدخل دائماً حتى تقلل تأثيره المدمر في صحتك النفسية.

5. ركز على نقاط قوتك

بدلاً من التركيز على نقاط ضعفك، ركز على نقاط قوتك، فكر في الأشياء التي تجيدها والصفات الإيجابية التي تمتلكها واعمل على تنميتها.

المحتوى محمي