على الرغم من أن التقدم في العمر يحمل معه المزيد من الحكمة، والخبرة العميقة، التي قد تمنح صاحبها مناعة وصلابة في مواجهة كل ما قد يؤرق مضجعه، فإن ذلك السلام الداخلي يبدو عاجزاً عن الحفاظ على نوم عميق لدى كبار السن، إذ كثيراً ما يرتبط التقدم بالعمر مع انخفاض جودة النوم، ما يؤدي إلى ليالٍ بلا نوم وصباحات خاملة.
محتويات المقال
فما هي الأسباب وراء انخفاض جودة النوم مع تقدم العمر؟ وكيف يمكن الحد من تأثيره وتعزيز النوم بصورة أفضل لدى هذه الفئة؟ هذا ما سنجيب عنه في المقال.
تغييرات النوم المرتبطة بالتقدم في السن: كيف تؤثر الشيخوخة في نوعية النوم؟
يترافق التقدم في السن مع جملة من التغييرات الفيزيولوجية والنفسية التي تؤثر في جودة النوم بعدة طرق. ومن أبرز مظاهر هذا التأثير:
- تغيير جدول النوم: مع التقدم في السن، يخضع الجسم لما يُعرف بالتقدم الطوري، وفيه تتقدم إيقاعات الساعة البيولوجية إلى الأمام في الوقت، لذا يعاني معظم كبار السن من الشعور بالتعب في وقت مبكر من بعد الظهر، وينامون ويستيقظون في وقت مبكر.
- تغيرات في نمط النوم: مع تقدم العمر، يقضي الأشخاص وقتاً أقل في مراحل النوم العميق أو نوم حركة العين غير السريعة "الريمي" (REM)، فيصبح نومهم سطحياً أكثر ويؤدي إلى الاستيقاظ المتكرر في أثناء الليل نحو 3-4 مرات في كل ليلة وسطياً.
- صعوبة في النوم: قد يواجه كبار السن صعوبة أكبر في الدخول إلى حالة النوم، ما يؤدي إلى تأخير وقت النوم.
- اضطرابات النوم: مع التقدم في السن تزداد نسبة الإصابة ببعض اضطرابات النوم، مثل انقطاع التنفس في أثناء النوم، والأرق.
اقرأ أيضاً: هل تعاني انخفاض جودة النوم؟ هذه السمة الشخصية قد تكون السبب
لماذا يؤثر التقدم في السن على جودة النوم؟
مع التقدم في السن، تحدث في أجسام كبار السن جملة من التغييرات التي تؤثر في جودة نومهم سلباً، مثل:
تغيرات في الساعة الداخلية
يحتوي دماغ الإنسان في أعماقه على نحو 20 ألف خلية تُعرف معاً باسم النواة فوق التصالبية التي تتحكم في الدورة اليومية التي يمرّ فيها الجسم على مدار 24 ساعة، والتي تُعرف بالإيقاع اليومي، وذلك من خلال مجموعة من الهرمونات التي تؤثر في الشعور باليقظة والجوع والتعب والنعاس.
مع تقدم الناس في العمر، تتراجع وظيفة النواة فوق التصالبية، ما يؤدي إلى تعطيل الإيقاعات اليومية، ويؤثر ذلك في توقيت الشعور بالجوع والنعاس واليقظة.
أحد أسباب تراجع وظيفة النواة فوق التصالبية هو عدم تعرّض كبار السن إلى ما يكفي من ضوء النهار، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في دور الرعاية والمصابين بمرض آلزهايمر. يعد ضوء النهار الذي تتلقاه العين أحد أقوى الإشارات التي تتحكم بالإيقاع اليومي، ويسبب نقصه انخفاض إنتاج الجسم لهرمون النوم (الميلاتونين)، الذي يفرزه الجسم عادة استجابة للظلام.
الحالات النفسية لكبار السن
يواجه كبار السن تزايد خطر الإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل عديدة، بما فيها الحالات الطبية المزمنة، مثل التهاب المفاصل أو أمراض القلب، والعزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة كما في انشغال الأولاد عنهم وفراق أحبائهم، والقضايا المالية المتعلقة بالتقاعد، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة بالأفراد الأصغر سناً. يؤثر الاكتئاب في مستويات الطاقة والمزاج، فيصبح من الصعب الاسترخاء، وغالباً ما يترافق مع القلق وصعوبات في النوم مثل الأرق أو النوم المفرط.
اقرأ أيضاً: هل يحرمك اجترار الأفكار من النوم الهانئ؟ إليك طريقتين فعالتين لإيقافه
الأمراض المزمنة المرتبطة بالتقدم في العمر
يمكن أن تتداخل الأمراض المزمنة مع جودة النوم لدى كبار السن، مثل أمراض القلب والسكري واعتلال الأعصاب والتهاب المفاصل واضطراب انقطاع النفس في أثناء النوم ومتلازمة تململ الساقين.
الآثار الجانبية للأدوية
نظراً إلى أن معظم كبار السن يعانون الأمراض مع التقدم في العمر، فإنهم غالباً ما يضطرون إلى تناول أنواع مختلفة من الأدوية. قد يكون الأرق أحد الآثار الجانبية لها، كما قد يظهر الأرق نتيجة التداخل الدوائي (تفاعل الأدوية مع بعضها بعضاً).
اقرأ أيضاً: ما هي الساعة التي يجب أن يخلد فيها عقلك إلى الراحة؟
5 استراتيجيات للحد من اضطرابات النوم لدى كبار السن
الخبر السار أنه على الرغم من التحديات التي يواجهها كبار السن، توجد بعض الاستراتيجيات التي يمكن لكبار السن تنفيذها لتحسين جودة نومهم، والحصول على قسط أفضل من الراحة:
1. إدارة التوتر والصحة النفسية: تساعد بعض تقنيات اليقظة على إدارة التوتر وتهدئة الذهن قبل النوم، والتخلص من القلق الذي يسبب الأرق وصعوبة النوم. على سبيل المثال، يمكن ممارسة ما يلي:
- التنفس العميق والتأمل.
- الاستماع للموسيقى الهادئة.
- تدوين الأفكار المقلقة والمخاوف في اليوميات، لتوفير منفذ صحي لمعالجة المشاعر.
- العلاج بالكلام بإشراف معالج أو مختص نفسي.
- الخضوع للعلاج المعرفي السلوكي للأرق.
2. إنشاء بيئة مساعدة على النوم: تأكد من أن غرفة النوم مواتية للنوم من خلال:
- الاستثمار في سرير ووسائد طبية تساعد الجسم على الراحة وتقلل آلام المفاصل أو الظهر التي تعوق الدخول في نوم عميق.
- التحكم في الضوء باستخدام ستائر التعتيم.
- التحكم في الضوضاء عن طريق استخدام سدادات الأذن وأجهزة الضوضاء البيضاء.
- الحفاظ على درجة حرارة الغرفة باردة بين 15و19 درجة مئوية لتهيئة الجسم للدخول في نوم عميق، لأن درجة حرارة الجسم تنخفض تلقائياً عند النوم.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر تهوية غرفتك في جودة نومك؟
3. إنشاء روتين نوم ثابت: يساعد الذهاب إلى الفراش والاستيقاظ في الوقت ذاته كل يوم على تنظيم الساعة الداخلية للجسم، خاصة لدى كبار السن. على سبيل المثال، يمكن اتباع ما يلي:
- القراءة أو الاستحمام بماء دافئ أو ممارسة تمارين التمدد الخفيفة.
- تجنب الأنشطة المحفزة مثل مشاهدة التلفزيون أو استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم مباشرة، لأن الأشعة الزرقاء المنبعثة منها تعرقل إفراز الجسم للميلاتونين.
- الحد من القيلولة الطويلة في أثناء النهار، بحيث لا تتجاوز في حالة الضرورة 20-30 دقيقة، وتكون في وقت مبكر من فترة ما بعد الظهيرة.
4. الاهتمام بالنظام الغذائي وممارسة الرياضة: يمكن للنظام الغذائي والنشاط البدني أن يسهم في تعزيز نوم عميق لدى كبار السن، حيث ينبغي لهم:
- تجنب الوجبات الثقيلة ومشروبات الكافيين مثل القهوة والشاي قبل النوم لمنع الانزعاج والإصابة بعسر الهضم.
- الحفاظ على رطوبة الجسم بشرب الماء طوال اليوم، ولكن ينبغي التقليل من السوائل قبل النوم لتجنب الذهاب المتكرر إلى الحمام.
- ممارسة النشاط البدني المنتظم، مثل المشي أو السباحة أو اليوغا، لتقليل القلق وتحسين الحالة المزاجية وتنظيم دورة النوم والاستيقاظ.
5. استخدام مساعدات النوم بعناية: يوضح استشاري طب كبار السن وآلزهايمر، الطبيب عاصم الشنبري، أنه يمكن لكبار السن استخدام أدوية غير منومة لكنها تساعد على النوم وفقاً لكل حالة، وبمشورة طبية، مثل أدوية علاج الاكتئاب والأرق. كما يمكن استشارة الطبيب لاستخدام أدوية النوم في علاج مشاكل النوم الشديدة، مثل مكملات الميلاتونين التي توصف عادة لمن يعاني اختلاف التوقيت واضطراب الساعة الداخلية.