لماذا يُعد المصابون باضطراب فرط الحركة أنجح رواد أعمال؟ دراسة جديدة تجيب

5 دقيقة
المصابون باضطراب فرط الحركة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: توصلت دراسة علمية حديثة أُجريت خلال هذا العام في كلية جون تشامبرز للأعمال والاقتصاد بجامعة فرجينيا الغربية، إلى نتيجة مفادها أن أدمغة الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه تعمل بطريقة يمكن أن تفيدهم في مجال ريادة الأعمال؛ حيث إن أعراض هذا الاضطراب هي السمات الرئيسة للنجاح في مجال الأعمال مثل المخاطرة، وإليكم في هذا المقال التفاصيل كافةً عن هذه الدراسة المثيرة للاهتمام.

غالباً ما يُنظر إلى الأشخاص ذوي التنوع العصبي؛ الذي يشمل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أو التوحد، على أنهم يعانون إعاقةً ما، وأحياناً ما يميل الأطباء المتخصصين إلى النظر إلى تلك الاضطرابات على أنها مشكلات وتحديات تحتاج إلى حل؛ لكن الحقيقة هي أن المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه قد يكونون مميزين للغاية؛ حيث توصلت دراسة علمية حديثة أجرتها كلية جون تشامبرز للأعمال والاقتصاد بجامعة فرجينيا الغربية (West Virginia University) ونُشرت في فبراير/شباط 2024، إلى نتيجة مفادها أن أدمغة الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه تعمل بطريقة يمكن أن تفيدهم في مجال ريادة الأعمال، وإليكم تفاصيل الدراسة من خلال هذا المقال.

ما اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟

يُعد اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (Attention-deficit/hyperactivity disorder ADHD) واحداً من أكثر اضطرابات النمو العصبي شيوعاً، وعادة ما يُشخَّص هذا الاضطراب في مرحلة الطفولة؛ حيث يؤكد الطبيب النفسي شكري الإمام إن تشخيص هذا الاضطراب يبدأ من سن الرابعة، وتستمر الأعراض حتى البلوغ، ويمكن أن يصيب البالغين أيضاً، وغالباً ما يواجه الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب صعوبة في التركيز أو التحكم في السلوكيات المندفعة.

9 أعراض لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه 

تميل أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه إلى الظهور في سن مبكرة، وقد تزيد وضوحاً مع مرور السنوات، وذلك في مرحلة البلوغ. وفي بعض الأحيان، قد تتحسن هذه الأعراض مع تقدم العمر؛ لكن العديد الأشخاص الذين شُخصوا بهذا الاضطراب قد يواجهون بعض الأعراض مثل:

  1. الانغماس في أحلام اليقظة لأوقات طويلة.
  2. نسيان الأشياء بصفة مستمرة.
  3. مواجهة صعوبة في الهدوء لبعض الوقت.
  4. ارتكاب الكثير من الأخطاء بسبب حب المغامرة والمجازفة غير المحسوبة.
  5. وجود صعوبة في الانسجام مع الآخرين.
  6. عدم القدرة على مقاومة إغراءات الأشياء التي يهتمون بها.
  7. مواجهة صعوبة في الحفاظ على التركيز عند إجراءات المحادثات مع الآخرين أو القراءة أو الاستماع.
  8. عدم القدرة على تنظيم المهام اليومية.
  9. تشتت انتباههم بسهولة بسبب الأشياء الصغيرة التي تحدث من حولهم.

اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

كيف يعمل دماغ الشخص المصاب بهذا الاضطراب؟

يتحكم الدماغ البشري في الأنشطة الفيزيولوجية جميعها وينظمها، علاوة على أنه ينجز الكثير من المهام؛ مثل تلقّي المعلومات الحسية، وتنسيق الحركات الإرادية واللاإرادية، وتنظيم الحالة المزاجية والعواطف، والتحكم في السلوك، علاوة على أن معالجة المعلومات ومشاركتها عبر الشبكات العصبية الواسعة تُعدّان جزءاً أساسياً من الأداء الطبيعي للدماغ، وتُنفَّذ هذه المهمة عن طريق الناقلات العصبية التي تنقل المحفزات عبر المشابك العصبية إلى الخلايا العصبية الأخرى.

ويرتبط اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بمستويات منخفضة على نحو غير طبيعي من الناقلات العصبية التي تنتقل بين المنطقة القشرية الجبهية والعقد القاعدية؛ أي الدوبامين والنورأدرينالين؛ حيث يرتبط الدوبامين ارتباطاً وثيقاً بمراكز المكافأة في الدماغ، ويتفاعل أيضاً مع الناقلات العصبية القوية الأخرى لتنظيم الحالة المزاجية؛ ومن ثَمَّ فإن انخفاض مستويات الدوبامين يدفع الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب إلى البحث عن شعور المكافأة بوسائل أخرى.

وتتحكم قشرة الفص الجبهي في الاستجابات العاطفية والسلوك؛ وهي التي تقرر مدى ملاءَمة التصرفات الخارجية وتجعل الأشخاص غير المصابين بهذا الاضطراب يركزون على المهام الروتينية التي ينجزونها. وتنظم العقد القاعدية السلوك الاندفاعي، وذلك من أجل منع الاستجابات التلقائية غير المبررة إلى المنبهات.

ويؤدي الخلل في قشرة الفص الجبهي إلى نقص اليقظة، وتشتت الانتباه، وانخفاض كفاءة العمل، وصعوبة بدء الأنشطة ومواصلتها، وعدم القدرة على التمييز، وتجنب الأنشطة غير الضرورية؛ وهذا هو السبب وراء انخفاض تركيز الأفراد المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؛ حيث يواجهون صعوبة كبيرة في تنظيم الدماغ لأداء أي نشاط يتطلب التخطيط لأكثر من خطوة.

ما العلاقة بين ريادة الأعمال واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟

أجرى الباحثون في كلية جون تشامبرز للأعمال والاقتصاد بجامعة فرجينيا الغربية، دراسة علمية توصلوا من خلالها إلى نتيجة مفادها أن أدمغة الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه متصلة بطريقة تفيدهم بصفتهم رجال أعمال. وأكدت الباحثة المشاركة في هذه الدراسة، نانسي ماكنتاير (Nancy McIntyre)، إن رجل الأعمال المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه قادر على استخدام الإجراءات والأنماط المعرفية مثل شبكة كبيرة تلتقط وتخزن المحفزات من البيئة تمهيداً لاستخدامها لاحقاً.

وأضافت ماكنتاير إن الدراسة تطرح فكرة رئيسة مفادها أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ليس عجزاً معرفياً أو إعاقة في التفكير، فإذا فكر بعض الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب في اقتحام مجال ريادة الأعمال سيحققون نجاحاً كبيراً نظراً إلى أن عقولهم تميل إلى التنقل في كل مكان؛ ومن ثَمَّ فإنهم يجرون الكثير من الاتصالات ويحفظونها بطريقة تسمح لهم باستخدام هذه الموارد لاحقاً.

علاوة على أنهم يميلون إلى المعالجة المعرفية السريعة واتخاذ القرارات الفورية، والقفز إلى الاستنتاجات، هذا بالإضافة إلى عيشهم في حالة تحفز مستمرة؛ ما يجعل انتباههم يتحول بسرعة من البيانات القديمة إلى البيانات الجديدة. وغالباً ما يطور الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عادات وإجراءات تساعدهم على استيعاب البيانات كلها من أجل  التعامل مع حالة التدفق المستمر للمعلومات.

وفي سياق متصل، يمكن القول إن الاندفاع والمخاطرة يرتبطان ارتباطاً وثيقاً باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. تلك المخاطرة هي جزء لا يتجزأ من ريادة الأعمال، علاوة على أن الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يميلون إلى تحفيز أنفسهم على العمل بغض النظر عن عدم اليقين، ويتصفون أيضاً بالنشاط الزائد؛ وهذه سمة أخرى من سمات ريادة الأعمال.

ووفقاً لما ذكره الطبيب النفسي ومؤلف كتاب "ميزة فرط الحركة وتشتت الانتباه" (The ADHD Advantage)، ديل آرتشر (Dale Archer)؛ فالأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يستمتعون بإنجاز مهام متعددة، وهذه القدرة تتناسب تماماً مع مجال ريادة الأعمال لأن هذا ما يفعله أصحاب الشركات الناشئة؛ التوفيق بين العديد من المهام في وقت واحد، من المبيعات إلى البحث والتطوير والإدارة ومراجعة كشوف المرتبات.

وعندما تبدأ شركة تجارية من لا شيء، ليس أمامك خيار سوى الانتقال من مهمة إلى أخرى، وإنجاز كل شيء بنفسك حتى تتمكن من توفير ما يكفي من الموظفين، وهذه المهام تبدو أحياناً وكأنها صُممت خصيصاً للمصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.

اقرأ أيضاً: هل تعالج القهوة اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؟

كيف يمكن للمصابين باضطراب فرط الحركة أن يصبحوا رواد أعمال ناجحين؟

غالباً ما يرجع نجاح ريادة الأعمال إلى عقلية محددة تتضمن عوامل رئيسة؛ مثل المخاطرة والمثابرة والقدرة على التكيف، ويمكن للمصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أيضاً تطوير عقلية ريادة الأعمال التي يمكن أن تساعدهم في التغلب على التحديات، وذلك من خلال اتباع الطرائق التالية:

  1. الاعتماد على أسلوب التعلم الفردي الخاص: إحدى سمات اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه هي وجود أسلوب فريد من نوعه، فالعديد من الأفراد المصابين بهذا الاضطراب يعتمدون على التعلم البصري والحركي، وتُمكنهم الاستفادة من ذلك عبر دمج أسلوب التعلم المفضل لديهم في رحلة ريادة الأعمال الخاصة بهم. على سبيل المثال؛ يمكنهم استخدام الوسائل البصرية مثل إنشاء الخرائط الذهنية لتعزيز إبداعهم.
  2. اختيار إيقاع العمل المناسب: غالباً ما تعمل أدمغة أصحاب فرط الحركة وتشتت الانتباه على نحو مختلف فيما يتعلق بالانتباه والتركيز، فقد يكون لديهم إيقاع عمل مختلف يناسب الميول الطبيعية لأدمغتهم. على سبيل المثال؛ قد يعملون على نحو أفضل في فترات قصيرة من التركيز المكثَّف، تليها فترات راحة. ومن خلال تحديد إيقاعات العمل المثالية، يمكن للأفراد المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه خلق بيئة عمل تتوافق مع الأنماط الطبيعية لعقولهم وتعزز إنتاجيتهم.
  1. الاستفادة من التركيز المفرط: على الرغم من أن أصحاب هذا الاضطراب يتسمون بتشتت الانتباه، فإنهم في الكثير من الأحيان يركزون بإفراط على التفاصيل الصغيرة؛ وهذا يمكن أن يساعدهم على تطوير عقلية ريادة الأعمال من خلال الانغماس في الأفكار الإبداعية والمشروعات التجارية.
  2. التعلم من رواد الأعمال الناجحين والمصابين بالاضطراب: هناك العديد من رواد الأعمال الناجحين المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه الذين بنوا أعمالاً مزدهرة؛ مثل السير ريتشارد برانسون (Sir Richard Branson)؛ مؤسس مجموعة فيرجن (Virgin Group)، وإنجفار كامبراد (Ingvar Kamprad) مؤسس إيكيا (IKEA)، على الرغم من معاناتهم مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؛ حيث استفادوا من نقاط قوتهم الفريدة لبناء أعمال تجارية ناجحة.

في النهاية، ومن خلال الاستفادة من نقاط قوتهم الفريدة وتبني عقلية ريادة الأعمال، لا يستطيع الأفراد المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أن يتدبروا أمرهم فحسب؛ بل يتميزون في عالم الأعمال ويحققون النجاح في مشروعاتهم التجارية. بالطبع قد يواجهون بعض التحديات الكبرى بسبب الاضطراب، ومع ذلك، فما زال تحقيق النجاح ممكناً.