المتلاعبون، المنحرفون النرجسيون، مَن همْ يا ترى؟

المتلاعبون، أو المنحرفون النرجسيون، يشكلون 2 إلى 3٪ فقط من السكان
https://www.shutterstock.com/
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

المتلاعبون، أو المنحرفون النرجسيون، يشكلون 2-3٪ فقط من السكان؛ لكن غالباً ما تكلف مخالطة أحدهم تجربةً مدمرةً. اكتشافهم أصعب بكثير مما يعتقده المرء، إنهم شخصيات سامّة جداً. مَنْ هم؟ كيف يمكن التعرف عليهم؟ وكيف نحمي أنفسنا منهم؟ هذه مجموعة من النصائح يقدمها خبراؤنا.

يُطلق عليهم اسم المتلاعبين أو حتى المنحرفين النرجسيين. يمكن أن يكون المتلاعب زوجاً، قريباً، رئيساً في العمل، زميلاً أو صديقاً. يتميزون بشخصية جذابة، لطيفة، تبدو عليها سمات الانطواء في بعض الأحيان، يكسبون إعجاب من حولهم من خلال جانبهم الساحر والمتملق؛ لكن بسرعة كبيرة، وما إن يقترب المرء منهم، فإنه يبدأ في الشعور بعدم الارتياح. وينجرف في دوامة من الشعور بالذنب واحتقار الذات. يشكل المتلاعبون مخاطرَ حقيقيةً على سلامتنا الجسدية والعقلية، وبشخصيتهم النرجسية؛ يمثلون -وفق إيزابيل نازاري آغا؛ مؤلفة كتاب “المتلاعبون يوجدون بيننا” Les Manipulateurs sont parmi nous  (Éditions de l’Homme)- حوالي 2- 3٪ من السكان، فبالتالي محكومٌ علينا -في يوم من الأيام؛ هذا إن لم يكن قد حدث بالفعل- لقاء شخص يعاني من هذا المرض. “في كثير من الأحيان؛ أسمع انطباعات من قبيل: “كلنا يأوي بداخله -بشكل من الأشكال- شخصاً متلاعباً”. كلا، هذا غير صحيح، بنفس الطريقة التي لا يمكننا القول بأننا جميعاً كاذبون أو مرضى انفصام الشخصية. هناك فرق كبير بين ممارسة التلاعب من حين لآخر، وشخصية المتلاعب المتأصلة. ما هو السبب الذي يدفعهم إلى ذلك؟يتصرفون على هذا النحو لجعل أنفسهم جديرين بالاهتمام من خلال سحق غيرهم ليشعروا بالتفوق. إنهم مثل الفيروسات؛ يسربون الشر وسط العديد من الضحايا في نفس الوقت -أزواجهم وأطفالهم وخباز الحي…إلخ. أنت بالنسبة لهم مجرد بيدق يستخدمونه ليرفعوا من شأنهم”. 

1. المنحرفون النرجسيون ممثلون بالفطرة

عاشت إسبرانساس؛ 53 عاماً، برفقة متلاعب لفترة طويلة. “لا زلتُ أرى وجهه المكفهرّ، الجليدي. أتذكر صمته الطويل، وعباراته المقتضبة القاتلة. كل يوم كان يزدريني ويذلني، مدعياً بأنه يريد سعادتي. من الخارج، كان الآخرون ينظرون إلي بشيء من الحسد، معتقدين أنني أعيش الهناء والسعادة مع الرجل المثالي”. خصائص المتلاعبين؟ لديهم وجوه كثيرة. يمكن أن يكونوا منفتحين، مفعمين بالحياة، غزليين، مثقفين، إيثاريين، أو أكثر خجلاً؛ ولكنهم أيضاً متسلطون ومستبدون، ويتقلبون بين وجه وآخر، في بضع ثوانٍ فقط. “إذا اعترضت عليهم -على سبيل المثال- يمكنهم الانتقال من حالة حزن عميق إلى غضب رهيب في طرفة عين. إلى جانب ذلك؛ لديهم بطبيعة الحال جوانب إيجابية، ويمكنهم أن يكونوا جد مضحكين، وأصليين للغاية؛ لكن هذا من أجل التلاعب بك بشكل أفضل”.

2. شخصيات سامّة 

في أغلب الأحيان؛ يصعب التعرف على الشخصيات شديدة الخطورة التي تختبئ خلف هذه الأقنعة المختلفة. لقد حددت إيزابيل نازاري آغا ثلاثين خاصية تسمح بذلك – مع الإشارة أنها تصف بالمتلاعب، كل شخص يتصرف وفق مسار يتحقق فيه ما لا يقل عن 14 معياراً ضمن هذه القائمة. من بين هذه الخصائص: الشعور بالذنب، والنقد، والتقليل من شأن الآخرين، ونقل المسؤولية إليهم، والتواصل الغامض، والتغيير المتكرر للآراء، والأكاذيب، والغيرة … “إذا كنتَ تشعر بأنك لم تعد حراً، إذا كنت تتحدث باستمرار عن شخص ما، عندما لا يكون حاضراً، وإذا كنت لا تشعر بالراحة  بحضوره، أو تتصرف مثل صبي صغير أو فتاة صغيرة ولم تعد تتصرف كشخص بالغ، فمن المحتمل جداً أنك ضحية لمتلاعب. الشيء نفسه ينطبق على الأشخاص الذين يتطلب منك تلقي مكالمة هاتفية بسيطة منهم، خمس أيام للتعافي”.

المنحرفون النرجسيون: هل كلنا محاصرون؟

“المنحرفون النرجسيون” أصبحوا موضة؛ مثل “مزدوجي الشخصية” و”ثنائي القطب” أو “مفرط النشاط”. إنهم موضوع محادثاتنا، يشغلون أفكارنا ويجعلوننا نشك في علاقاتنا. لماذا نرى “المنحرفين النرجسيين” في كل مكان؟ كيف نميز بين الحقيقي منهم والمزيف؟

3. خبراء في الإغواء

 تتذكر أنجيلين؛ البالغة من العمر 45 عاماً: “في البداية؛ اعتقدتُ أنني قابلت رجل حياتي، كان يحب كل ما أحبه، ويريد دائماً إرضائي، وكان من ناحية الجنس، تحت تصرفي تماماً”. وراء هذه العناية الفائقة وهذه الإطراءات وهذه الوعود (الكاذبة)، يختبئ -حسب كريستل بيتي كولين؛ المعالجة النفسية ومؤلفة كتاب” الإفلات من قبضة المتلاعبين: “(جاي تريدانيال)؛ رهان حقيقي يسعى المتلاعب لتحقيقه “يبحث عن الحلم السري الكامن في أعماقنا. كل منا لديه حلم يراوده؛ مثل التمتع بحياة أسرية هنيئة، الدخول في  عالم السينما… و هنا؛ المتلاعب يجعلنا نعتقد أنه بواسطته، سنتمكن من  تحقيق ذلك، وبالتالي؛ يكون بمقدوره بعد ذلك أن يمسكنا من خلال هذا الحلم”.

ثم تأتي اللحظة الفارقة التي يُسقِط فيها المتلاعب القناع – لم يعد هناك الموظف النموذجي، والمرأة الرائعة أو الأب المثالي. تلك اللحظة؛ يتذكرها بدقة وتفاصيلها جميع مرضى كريستل بيتيكولين. تحدث هذه اللحظة أحياناً في اليوم الذي تنتهي فيه الفترة التجريبية (في العمل)، يوم حفل الزفاف، الانتقال للعيش معاً أو اختبار الحمل الإيجابي … اليوم الذي تحولت فيه القصة الخيالية فجأةً إلى كابوس، ليبدأ مسلسل التشنيع المستمر والإذلال اليومي، “وبذلك تبدأ الضحية في الخوف من الانتقام، والشعور بالذنب عندما لا يكون الآخر في حالة مزاجية جيدة، وحرمان النفس -على سبيل المثال- من الخروج مع الأصدقاء، خوفاً من أن يجعله(ها) تدفع الثمن باهظاً، وتتحول الحياة إلى عيش في خوف مستمر من مضايقته”.

4. أشخاص لا يتأثرون بالغير

وهل يدرك المتلاعبون أنهم يلحقون ضرراً جسيماً بالغير؟ “لا”؛ تجيب إيزابيل نازاري آغا، مضيفةً: “لكن بالنسبة لتأثيرهم على الآخرين؛ نعم”. بالنسبة لكريستل بيتي كولين؛ يمكن تفسير هذه الحالة المرضية من خلال معاناة هؤلاء الأشخاص من “عدم نضج متجمد”. وفقاً للباحثة، فإن المنحرفين النرجسيين يوجدون في حالة وكأنهم عالقون في مرحلة  الطفولة، “إنهم عبارة عن أشخاص بالغين؛ لكنهم يتصرفون تصرفات طفل يبلغ من العمر 5 سنوات، يحب نتف أطراف الذباب دون أن يدرك أنه مؤلم. إنهم لا يستطيعون إدراك معاناة الآخر؛ إنهم لا يحترمونه و يسعون لتلبية احتياجاتهم على حساب الآخرين “. بعد أكثر من عشرين سنة أمضتها في دراسة الموضوع، توصلت إيزابيل نازاري آغا إلى قناعة راسخة: ” المتلاعبون لا يحبون أحداً”.

5. متلاعبون منذ سن مبكرة

لكن هل نولد متلاعبين أم نصبح كذلك؟ تمكنت إيزابيل نازاري آغا من ملاحظة مظاهر عدة، للخصائص الثلاثين التي تسمح لها بالتعرف على المتلاعب، لدى أطفال في سن مبكر جداً. “لكن لا يوجد هناك نمط محدد (بروفايل)، ولا يتعلق الأمر فقط بالأطفال الذين حُرِموا من حب الأب أو الأم. في كثير من الأحيان؛ ألاحظ بدلاً عن ذلك أطفالاً في أوضاع ملكية، يحظون بالإعجاب والاحترام، ويُهاب جانبهم، لأنهم متلاعبون صغار جداً. في هذه السن، لا يزال من الممكن محاولة تغييرهم، أما بعد ذلك، فسيكون الوقت قد فات”؛ حسب الأخصائية. نفس التحليل تتبناه كريستل بيتي كولين: “الأهم من ذلك كله هو أنهم لا يريدون التغيير، إنهم مقتنعون بامتلاكهم للحقيقة، لا يراجعون أنفسهم أبداً أو يسائلونها، إنهم رهائن آليات إنكار مرعبة”.

6. أشخاص حريٌ الفرار منهم

في مواجهتهم؛ الحل الموصى به هو … الهروب. تشرح إيزابيل نازاري آغا: “يجب أن تعلم أنه في حالة زوجين -على سبيل المثال- فإن أي أمل في حياة زوجية سعيدة ومتناغمة هو أمر لا طائل منه”. وكقاعدة عامة؛ من الأفضل تجنب أي اتصال بالمتلاعبين، لأن ذلك يهدر طاقتك وروحك. ثمة حل آخر بالنسبة للذين يجبَرون على التعامل معهم: التلاعب المضاد. “يجب التوقف عن التواصل معهم بطريقة طبيعية. استخدم جملاً قصيرةً غامضةً، واستخدم الكثير من الفكاهة والسخرية. الشيء المهم هو أن تُظهر لهم من خلال ردودك أنك لا تكترث ولست متأثراً عاطفياً؛ لكن هذا الأسلوب لا يصمد على المدى الطويل. يتعلق الأمر بالكفاح من أجل البقاء، لتجنب الخلافات المستمرة”. وشريطة تحضير استراتيجية انفصالك عنه (نسخ أوراق مهمة، فتح  حساب آخر، وما إلى ذلك)، فمن الممكن أن تتخلص من المتلاعب. وقد نجحت إسبرينساس بالفعل “لكن بصعوبة بالغة”؛ إذ تقول: “والآن؛ أعيد بناء نفسي شيئاً فشيئاً. لم أعد أعرف ما هي الرغبة، لم أعد أثق بالرجال؛ لكنني غادرت”.

7. ” كلٌّ منّا يمكن أن يقع ضحيةً لمتلاعب”

لماذا يسقط البعض في شباك المتلاعبين، في حين ينجو البعض الآخر؟

إيزابيل نازاري آغا: كثير من الناس لا يتصوّرون إمكانية وجود شيء اسمه المتلاعبون، وأنه من الممكن لأم أن ترغب في تدمير أطفالها نفسياً، أو تدمير زوج زوجته. يجد الكثير من الناس صعوبةً في تقبل فكرة أن اللؤم يمكن أن يبلغ هذا الحد، وهناك أيضاً من يجهل وجود هذه الشخصيات. وفوق ذلك؛ هناك الأشخاص الذين يفتقرون إلى احترام الذات أو الثقة في النفس، أو الذين يعانون في مجال الحب، من تبعية عاطفية، إنهم يشكلون فرائسَ هشة.

هل يمكن أن نقع جميعنا ضحيةً لمتلاعب؟

بكل تأكيد. وفق حساباتي التي أجريتها انطلاقاً من مجموعاتي التدريبية حول العلاقات الشخصية الصعبة في المؤسسات العامة على مدار عدة سنوات؛ 10٪ فقط من الأشخاص لا يبالون بأي تلاعب. من النادر جداً ألا نشعر بأي إحساس عندما نتعرض للتهديد أو التأنيب أو التقليل من شأننا.

لماذا يُعتبر دعم محيطنا ضرورياً عندما نواجه المتلاعب؟

الوقوع في وضعية الضحية ينشئ حالة ارتباك عقلي هائل؛ اضطراب عاطفي يحرم الإنسان من كل قدراته التفكيرية السلسة والعقلانية. في هذه الحالة يكفي صديقان للمساعدة؛ لكن من الجيد أيضاً استشارة معالج نفسي واسع الإلمام بالموضوع.

المحتوى محمي !!