الفيلوفوبيا: عندما يتحول الخوف من الوقوع في الحب إلى اضطراب نفسي

4 دقائق
الفيلوفوبيا
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: قد نسمع عن الكثير من مخاوف الأفراد، فالبعض يخاف الحشرات، والبعض الآخر يخاف المرتفعات؛ ولكن هل سمعت من قبل عن شخص يخاف الوقوع في الحب؟ الحقيقة أن هذه الظاهرة موجودة بالفعل، ويُطلق عليها اسم "الفيلوفوبيا"، تعرَّف إليها بالتفصيل في هذا المقال.

هل تُخيفك فكرة الوقوع في الحب إلى درجة تجعلك تشعر وكأنك على وشك الإصابة بنوبة هلع عند التفكير فيها؟ هل تُشعرك فكرة العلاقة الرومانسية بأنك عالق أو محاصَر؟ هل تهرب من أي مشاعر تجاه الجنس الآخر، ولا تستطيع أن تتخيل نفسك تشارك حياتك مع شخص آخر؟ هل تشعر بعدم الارتياح حين تكون محاطاً بالأزواج في السينما أو الحدائق؟ إذا كانت هذه المواقف مألوفة بالنسبة إليك، فقد تكون مصاباً بالفيلوفوبيا أو رهاب الوقوع في الحب، فما قصة هذا الرهاب؟ وكيف تعرف أنك مصاب به؟ الإجابة في هذا المقال.

ما هي الفيلوفوبيا؟

ينحدر أصل كلمة "فيلوفوبيا" (Philophobia) من اللغة اليونانية، وهي مكونة من مقطعين: "philos" الذي يعني "المحبة"، و"phobos" الذي يعني "الخوف". لدى الأشخاص المصابين بالفيلوفوبيا رهاب من تكوين علاقات الحب والحفاظ عليها، والرهاب هو أحد اضطرابات القلق الأكثر شيوعاً؛ حيث يعاني الأشخاص المصابون به مخاوفَ شديدة تجاه الأشياء التي لا تؤذيهم عادة.

5 أسباب للإصابة بالفيلوفوبيا 

مثل العديد من أنواع الرهاب الأخرى، لم يُكتشَف السبب الدقيق لرهاب الوقوع في الحب أو الفيلوفوبيا بعد، ومع ذلك، هناك بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بهذا الرهاب وهي:

  1. صدمات الطفولة: يؤكد المستشار الأسري جاسم المطوع إن الصدمات التي يتعرض إليها الطفل في الصغر مثل طلاق الوالدين أو الإساءة العاطفية، يمكن أن تؤدي إلى الكثير من المخاوف والصدمات النفسية، فالطفل الذين نشأ في منزل حيث الإساءة الجسدية والعاطفية والخيانة أمر شائع، سيكبر وهو يشعر بالخوف من تكوين أي علاقة مع الجنس الآخر.
  2. تجارب الحب الماضية المؤلمة: إذا كانت لديك تجربة حب مؤلمة في الماضي، فمن المحتمل أن تصاب بالفيلوفوبيا؛ حيث سينتابك الخوف الشديد من تكرار الألم والتعرض إلى خيبة الأمل من جديد.
  3. الخوف من التعرض إلى الرفض: أحياناً قد تعتقد أن الدخول في علاقة رومانسية لن يجلب لك سوى الإحراج، وهذا الإحراج يمنعك من التعرف إلى أي شخص على نحو حميمي، ونتيجة لذلك؛ فأنت تتجنب علاقات الحب تماماً.
  4. الإصابة بأحد الاضطرابات النفسية: إذا كنت تعاني القلق الشديد، فقد تخاف الوقوع في الحب؛ حيث يعتقد الأشخاص القلقون بأنهم غير جديرين بالحب ولن يحبهم أحد أبداً؛ ما يخلق عقلية سلبية تمنع محاولات الوقوع في الحب كلها. والاكتئاب أيضاً قد يمنع الأشخاص من الوقوع في الحب؛ لأنه يأتي مع بعض المشاعر السلبية مثل تدني احترام الذات، والإحساس بعدم القيمة، وصعوبة اتخاذ القرار؛ ما يؤدي بالتبعية إلى الخوف الشديد من الوقوع بالحب.
  5. العلاقات المشوهة مع الوالدين: ارتباطاتنا المبكرة مع والدينا تشكل الطريقة التي ننظر بها إلى العلاقات، وتستمر في التأثير فينا لمدة طويلة، وهذا يعني أن الخوف من الوقوع في الحب قد يكون نابعاً من الآباء المنعزلين عاطفياً، أو في بعض الحالات، من التنشئة على يد أم كانت قلقة للغاية.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن فوبيا النسيان وكيفية علاجها؟

كيف تعرف أنك مصاب بالفيلوفوبيا؟

يعاني الأشخاص المصابون بالفيلوفوبيا مجموعةً من الأعراض النفسية والجسدية عندما يفكرون في دخول علاقة رومانسية، ويمكن أن تشمل هذه الأعراض ما يلي:

  1. الأعراض النفسية: وتتجسد في التصرفات التالية:
  • الخوف المفرط أو المستمر من التفكير في الحب.
  • قمع المشاعر الداخلية.
  • تجنب الأماكن التي يوجَد فيها الأزواج مثل الحدائق ودور السينما.
  • تجنب الذهاب إلى حفلات الزفاف.
  • عدم القدرة على إقامة علاقة رومانسية.
  • الشعور بالقلق الشديد عندما تكون في علاقة، والقلق المستمر بشأن انتهاء العلاقة.
  • دفع الناس بعيداً وإنهاء العلاقات فجأة.
  • عدم القدرة على الانفتاح على الآخرين وتكوين روابط عميقة.
  1. الأعراض الجسدية: بالنسبة إلى بعض الأفراد، قد يكون رهابهم قوياً بحيث تظهر لديهم أعراض جسدية مثل:
  • الشعور بالغثيان.
  • التعرق الغزير.
  • صعوبة التنفس.
  • زيادة معدل ضربات القلب.
  • اضطرابات الجهاز الهضمي مثل عسر الهضم أو تشنجات البطن.
  • نوبات الهلع.
  • القلق الاستباقي أو الشعور بالهلاك الوشيك.
  • الدوار.
  • الإحساس بالارتجاف.
  • البكاء.

تشخيص الفيلوفوبيا

يساعد الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) التابع إلى الجمعية الأميركية للطب النفسي (The American Psychiatric Association. APA)، المعالجين النفسيين على تشخيص اضطرابات الرهاب بناءً على الأعراض وكيفية تأثيرها في نوعية حياتك، وعلى الرغم من أن الفيلوفوبيا لم يُدرج بعد في هذا الدليل؛ إلا أنه يستوفي معايير الرهاب المحدد، وفي هذه الحالة، يستخدم مقدمو الرعاية النفسية هذه المعايير لتشخيص الفيلوفوبيا بصفته اضطراباً رهابياً محدداً:

  1. الخوف المستمر من الحب لمدة 6 أشهر على الأقل.
  2. الشعور بالخوف الشديد والقلق عند الشعور بالحب.
  3. ظهور أعراض الرهاب عند التعرض إلى أي موقف له علاقة بالحب.

اقرأ أيضاً: ما الذي يدفعنا إلى الهروب من الحب؟

6 طرائق للتغلب على الفيلوفوبيا

تختلف طرائق التعامل مع الفيلوفوبيا وفقاً لشدة الرهاب، ففي بعض الأوقات، قد يقتصر العلاج على تغيير نمط الحياة؛ ولكن في أوقات أخرى، يجب اللجوء إلى طلب المساعدة النفسية، وهذه أهم طرائق التغلب على الفيلوفوبيا:

  1. البداية بخطوات صغيرة: بدلاً من الاندفاع نحو علاقة رومانسية عميقة، اتخذ خطوات صغيرة؛ ابدأ بتكوين صداقات عميقة من أجل استكشاف العلاقة العاطفية الحميمية تدريجياً دون إرباك.
  2. التعرض التدريجي: عرّض نفسك تدريجياً إلى المواقف التي تنطوي على الحب والعلاقات مثل الذهاب إلى حفلات الزفاف والحدائق، وبعد ذلك، يمكنك الانخراط في تفاعلات اجتماعية منخفضة المخاطر، ثم شق طريقك تدريجياً نحو علاقات أكثر عمقاً. يتيح لك هذا التعرض التدريجي بناء الثقة وتحدي خوفك بطريقة خاضعة إلى الرقابة.
  3. معالجة صدمات الماضي: إذا كان خوفك من الوقوع في الحب له علاقة بصدمات الماضي أو المشكلات التي لم تُحَلّ، ففكر في طلب المساعدة المهنية لمعالجة هذه التجارب والشفاء منها. يمكن أن يوفر العلاج مساحة آمنة لمعالجة الألم العاطفي المرتبط بالعلاقات السابقة والتخلص منه.
  4. وضع توقعات واقعية: أفهم أنه لا توجد علاقة مثالية، وكل شخص لديه عيوبه وتحدياته. ولذلك؛ ضع توقعات واقعية للحب والعلاقات، وكن على دراية بأنها تتطلب جهداً من كلا الشريكين حتى تنمو.
  5. التركيز على حب الذات: أعطِ الأولوية إلى أنشطة الرعاية الذاتية التي تغذي رفاهيتك واحترامك لذاتك، ومارس الهوايات التي تحبها. لا تنسَ التعاطف مع الذات، وطوّر علاقة إيجابية مع نفسك؛ وذلك لأن بناء أساس قوي لحب الذات يمكن أن يسهّل عليك حب الآخرين.
  6. العلاج النفسي: إذا كان رهاب الوقوع في الحب أكثر حدة، وكانت أعراضه تداهمك بشدة من وقت لآخر، ففي هذه الحالة، يُنصح باللجوء إلى العلاج النفسي الذي يمكن أن يشمل:
  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): عادة ما يساعد هذا العلاج على تغيير المعتقدات السلبية حول الحب واستبدال أخرى إيجابية بها؛ حيث إن أهم تقنيات العلاج السلوكي المعرفي هي إعادة تشكيل أنماط التفكير السلبي.
  • العلاج الدوائي: يُستخدم العلاج الدوائي على نحو نادر، وحين تشتد الأعراض فقط؛ مثل حدوث نوبات القلق ونوبات الهلع والمخاوف غير المنطقية. ومن أهم الأدوية التي يمكن استخدامها: حاصرات بيتا (Beta-blockers) والمهدئات.

في النهاية، لا تنسَ وأنت تتخذ خطواتك الصغيرة للتغلب على الفيلوفوبيا، أن تعترف بكل خطوة تتخذها وتحتفل بها؛ لأنها علامة على شجاعتك ونموك، حتى لو كان ذلك بطيئاً، فهذا التشجيع الذاتي سيؤدي إلى تعزيز التغييرات الإيجابية وتحفيزك على مواصلة المضي قدماً.