تُمثل الشفافية الزائدة والبوح بكل شيء عن نفسك ورغبتك في معرفة كل شيء عن الشريك إغراء يهدد معظمنا ويعرض علاقاتنا مع الآخر للخطر ويقوض الرغبة تدريجياً. التحدي: إيجاد التوازن الصحيح بين ما نحتفظ به لأنفسنا وبين ما نكشفه أمام الطرف الآخر.
كان هذا أهم شيء بالنسبة لجولييت في السنوات الأولى من زواجهما. أرادت النقاش على نحو منتظم وفي تواريخ محددة مثل ذكرى زواجهما للتحدث عن علاقتهما. وكانت هذه الفكرة تدفع شريكها إلى الجنون. يتوتر على الفور، ويتساءل لماذا يتم هذا النقاش في حين أن كل شيء على ما يرام بينهما؟ هي نفسها لا تدرك السبب؛ لكنها كانت تقول إنها تريد تزع فتيل أدنى سوء تفاهم يمكن أن ينشأ بينهما. يزداد غضبه ويشعر بالدم ينفجر في عروقه متسائلاً ما هو سوء الفهم الذي تتحدث عنه وما الذي كانت تحاول إخباره به! عندما سألته إن كان لا يزال يحبها بدا الأمر له وكأنه تحقيق؛ كما لو أن حبه لها لم يكن واضحاً وأنه لم يقدم دليلاً مقنعاً على ذلك حتى الآن. ولكن ما الذي تريده أكثر من ذلك؟
في كتابها "لحظة للزوجين" (Moment d’un couple)، تشرح المؤلفة نيللي ألارد: "ما أثار اهتمامي هو استكشاف هذا العنف المتأصل في العلاقة الرومانسية وكيف تتم ترجمته إلى لغة دون استخدام الإساءة اللفظية أو الانفعالات الصوتية بالضرورة. عنف المطالب التي يساء فهمها، وحوار الطرشان، الكشف عن الحقائق الصادمة دون حذر، لمجرد إراحة الضمير أو التخلص من عبئها. عنف الصمت عن ما هو ضروري ويقوي الشريكين ويوحدهما.
تقول المعالجة النفسية والمؤلفة المشاركة لكتاب "لتكون صادقاً مع نفسك في الحب" (Être fidèle à soi-même en amour)، ميشيل جوبيرت: "الصمت مثل الباب المغلق. إذا لم يجب الشريك عن سؤالي فسأبدو كقطعة أثاث لا قيمة لها. ولكن من ناحية أخرى فإن الكلمات التي يقولها الشريك مخيفة لأنها يمكن أن تعكر صفو حياتنا، وتؤدي إل ظهور المشكلات التي نحاول إنكارها أحياناً. كيف يمكننا تجنب طغيان هذه التجاوزات ونستعيد التوازن؟
عندما تسبب الشفافية الزائدة الصمت
"لم نعد قادرين على التواصل". وفقاً للمعالجة النفسية إيزابيل كونستانت فإن 9 من كل 10 أزواج يأتون إليها لاستشارتها يقولون ذلك. وتقول موضحةً: "يحدث العديد من الأخطاء على مر السنين. يحاول أحد الشريكين أن يعبر عن اهتمامه بالآخر لكن الآخر لا يتلقى الأمر بالطريقة التي كان يتوقعها. لا توجد نية لدى أحدهما بإيذاء الآخر عموماً؛ ولكن كلام أحدهما قد يضرب على وتر حساس عند الآخر دون قصد، فيشعر بالألم ويرفضه بالمقابل.
في الوقت الذي كانا بانتظار طفلهما الأول، كان على سليم أن يخبر زوجته فرح أنه يواجه صعوبة في تقبّل الطفل الجديد نظراً لأنه اضطر للابتعاد عن ابنه الأول من زواجه السابق. تقول فرح إنها باتت تدرك اليوم ما كان يمر به زوجها في ذلك الوقت؛ لكنها كانت حينها حاملاً وتشعر بالضعف ولم تتحمل سماع ما يريد قوله. "بدا الأمر لي وكأنه يشكك في علاقتنا ما جعلني أشعر بعدم الأمان".
في السنوات التي تلت ذلك وعلى الرغم من تحدثهما عن هذا الموقف عدة مرات؛ أدى سوء التفاهم ذاته إلى خلق حالة من عدم الثقة بين الطرفين. هل يمكن أن يثق بها دون أن تتقبّله؟ هل يمكن أن تستمع إلى أسئلته المشروعة دون إثارة مخاوفها المرتبطة بطفلها ومكانتها كزوجة ثانية التي تجعلها تشعر بأنها "أقل شأناً من الزوجة الأولى"؟
يقول المعالج النفسي: "تؤدي هذه المخاوف التي يعاني منها الشريكان والأذى الذي يتسبب به أحدهما للآخر دون قصد إلى ظهور صعوبات في التواصل بمرور الوقت. عادة ما يصمت أحد الشريكين بينما الآخر يسأل ويطالب ويوبخ دون أن يبدو راضياً عن الإجابات، فإما أن يشتكي كلاهما من عدم استماع أحدهما إلى الآخر ثم يحاول كل منهما إظهار أنه يعاني أكثر من الآخر، أو يسارع الشريك، بمجرد أن يبادر الطرف الآخر بالحديث، إلى توجيه النصح له أو تحليل أدائه وما يقوله بازدراء نوعاً ما.
تقول إيزابيل كونستانت موضحةً: "لا يبدو أن كليهما يدرك أن موقف الآخر هو موقف دفاعي. وظيفتك كمعالج نفسي في هذه الحالة تحديد نوايا أحدهما وردود فعل الآخر عليها. "هل تفهم ما يحاول إخبارك به؟ هل تفهم ما يؤذيه؟". وبالإضافة إلى ذلك يحاول المعالج النفسي مساعدة الشريكين على تعديل طريقة كلامهما بطريقة تسمح لهما بالتعبير عما يريدانه حقاً، مع مراعاة حساسية الشريك".
اقرأ أيضا:
عندما تقتل الشفافية الزائدة الرغبة
أبلغ المحلل النفسي آلان هيريل، مثل زملائه، عن زيادة حادة في استشارات الأزواج، حتى كعلاج وقائي في بعض الأحيان، في وقت مبكر من بدء العلاقة لضمان استمرارها على أساس سليم.
يقول هيريل: "لم يعد لدى الأزواج نموذج محدد يعتمدون عليه. لقد كان المجتمع والدين في الماضي أساس قواعد السلوك والعلاقة بين الزوجين؛ ولكن في ظل غياب هذه المعايير هذه الأيام يُظهر الأزواج حاجةً قوية إلى الاندماج، فيريدون مشاركة كل شيء مع بعضهم بعضاً، وأن يخبر كل منهم الآخر بكل شيء عنه. إن معرفة كل ما يفكر فيه الآخر أو يفعله تعطي شعوراً خادعاً بالسيطرة والأمان. هذه الشفافية التي تشجعها روح العصر ذات صبغة طفولية بالنسبة للشريك الأصغر سناً".
تورد إيزابيل كونستانت بعض الأمثلة على ذلك: "سأخبرك بكل ما أفعله لأنه، عندما نحب، لن يكون لدينا ما نخفيه عن بعضنا بعضاً. سأخبرك بكل ما أفكر فيه حتى لو يكن شيئاً جميلاً كي نبقى متوائمين ونسامح بعضنا. أعترف بحماقتي؛ لقد أحببت شخصاً آخر ولكنك ستسامحني لأني أخبرتك بذلك". وتوضح: "نتحدث إلى بعضنا بعضاً دون الحذر أو التدقيق في كلامنا، ولأسباب خاطئة؛ الأمر الذي لا يسبب الأذى المتبادل وحسب بل ويؤدي أيضاً إلى تقييد حرية الشريك الذي يرى نفسه ملزماً بإخبار الآخر بكل ما يجري معه في نهاية اليوم".
وفقاً للمعالجة النفسية كونستانت، فإن هذا السلوك الذي يخلط بين الشفافية والثقة والاستقلال، مرتبط بحقيقة أن "علاقتنا لا تسعى إلى إعادة إنتاج الزوجين الأبوين بل إعادة خلق العلاقة مع الأم". تقول ميشيل جوبيرت: "يتوقف هذا عندما ينضج أحد الزوجين قبل الآخر ويطالب بمساحته الشخصية وإدارة حياته بطريقته الخاصة وباستقلال آرائه". تظهر صعوبات التواصل بين أي زوجين عندما يتغير أحدهما ويسعى إلى تحقيق جوانب جديدة من ذاته، ولا يظل بمقدوره تحمل شريك طفولي أو متسلط أو مكتئب.
يقول فادي: "لقد استمعت دائماً إلى مخاوف نهال لكنني بدأت أشعر بالسوء تدريجياً بسبب شكواها التي لا تتوقف. لم أعد أرغب في أكون بمثابة معالج نفسي لها؛ أريدها أن تتدبر أمرها بنفسها من الآن فصاعداً".
يقول آلان هيريل: "في حين أن الأزواج الأكثر نضجاً تعلموا تجنب الاندماج كثيراً لمنح الآخر مساحة خاصة به تسمح له بالترويح عن رغباته أو عدم رضاه؛ إلا أن معظمهم لا يزال يعتقد في أنه كلما كان أكثر شفافيةً كانت العلاقة أفضل. لكن ما يحدث هو العكس؛ كلما تحدثا أكثر ساءت الأمور أكثر".
من بين الأسباب التي تدفع الأزواج لاستشارة المعالج النفسي، يبرز موضوعان رئيسيان بشكل متكرر: تراجع الرغبة بالشريك والميل نحو شخص آخر. بالنسبة للمحلل النفسي والمعالج الجنسي آلان هيريل؛ ترتبط هذه المشكلات ارتباطاً وثيقاً بقاعدة الشفافية التي يحاول الشركاء الالتزام بها. ويضيف المحلل النفسي: "إن الشفافية التامة ومعرفة كل شيء عن الآخر تقضيان على المسافة والغموض الضروريَين لإثارة الرغبة. تصبح العلاقة أشبه بالعلاقة الأخوية تقريباً ما يولد الملل الذي يشكو منه الكثير من الأزواج. يعرف الزوجان بعضهما بعضاً إلى درجة لم يعودا عندها بحاجة إلى اكتشاف الآخر جسدياً. وهكذا تتولد الحلقة المفرغة؛ الشفافية تؤدي إلى تراجع الرغبة ما يغذي الشك أو الميل إلى شخص آخر، فيعزز المطالبة بالشفافية التي بدورها تقوض الرغبة مجدداً، وهكذا يدور الزوجان في حلقة مفرغة لا نهاية لها".
عندما تؤدي الشفافية الزائدة إلى انفصال الشريكين
بعض المواضيع تصعب مناقشتها لأن الحالة جديدة ولا توجد معايير أو مرجعية يعتمد عليها الشريكان. تقول إيزابيل كونستانت إن العائلات المعاد تكوينها (أسرة الربائب)، على سبيل المثال، هي حالة جديدة لا يزال الجميع يبحث عن مكانه فيها. من الصعب دائماً أن يتحدث زوج الأم مع شريكته عن أطفالها التي أنجبتهم من شخص آخر دون المخاطرة بالإساءة إليها.
المشكلة التي يواجهها جميع الأزواج بمرور الوقت هي بالطبع مشكلة الخيانة الزوجية، سواء كانت متوهمةً أو حدثت بالفعل. هل يجب أن نتحدث عنها؟ كيف تتحدث عنها؟ يقول آلان هيريل: "إن الاعتراف بالخيانة سيؤذي الآخر بالتأكيد". ولكن قبل كل شيء" ما معنى الخيانة؟ وما الذي كنا مخطئين بشأنه؟ ومن الذي تمت خيانته؟ تقول الفيلسوفة والمحللة النفسية مونيك ديفيد مينارد: "دور المعالج النفسي في هذا الشأن ليس توجيهياً. نحن لسنا هناك لنخبر الناس كيف يتصرفون أو ما القضايا التي يجب التحدث عنها أو تجنبها. من المفترض أن نساعدهم على فهم المآزق التي يجدون أنفسهم فيها".
تختلف قيمة الخيانة الزوجية وتأثيرها بين زواج وآخر كما يقول آلان هيريل، فبالنسبة للبعض تمثل الخيانة نهاية العلاقة بين الشريكين، بينما قد تكون بمثابة بداية أخرى للبعض الآخر. قد يُضطر البعض لإخبار شريكه بالأمر للتخفيف من شعوره بالذنب تجاهه، بينما قد يفضل البعض الآخر إخفاء الأمر وأخذ الوقت الكافي لاكتشاف ما كان يبحث عنه في مكان آخر؛ أي سبب عدم رضاه عن علاقته بالشريك.
تتساءل مونيك ديفيد مينارد: "ما الذي نحاول حمايته من أنفسنا أو من الشخص الآخر من خلال التزام الصمت؟ أو على العكس من ذلك، لماذا يجب أن يعرف الآخر؟ هل يجب أن نعرف كل شيء عنه؟ ما هي السلطة التي نمتلكها على الشريك لمطالبته بقول كل شيء؟". أن تعترف أو لا تعترف، فإن اتخاذ قرار بشأن هذا السؤال يفترض مسبقاً "قبول المرء عزلته؛ أي عدم إرباك الآخر بتعقيداته الخاصة وتحمل المسؤولية عن قراراته وأفعاله، وعدم إلقاء مسؤولية العواقب عليه". الاعتراف بالخيانة الزوجية ليس مفيداً إلا فقط بقدر ما يتعلق الأمر بإراحة الضمير أو الانتقام، وإعادة النظر في الأسس التي بنى عليها المرء نفسه من أجل تطويرها وترسيخها. ويخلص هيريل إلى أن العلاقة بين الزوجين "لا ينبغي أن تكون مكاناً هادئاً. إنها تبتكر وتعيد هيكلة نفسها باستمرار، وتتغذى أيضاً على الرغبة المتقلبة التي يبدو أنها تهددها أحياناً.
لا يزال يتعين على الشريك إيجاد التوازن المناسب بين "ما يمكنني قوله وينشط العلاقة في نفس الوقت" وبين "الكلام غير الضروري الذي قد يؤدي إلى تدميرها".
نصائح للتحدث إلى بعضكما في أوقات الأزمات مع الأخصائية النفسية إيزابيل كونستانت
ما يحتاجه الزوجان هو تعلم كيفية الخروج من الصمت؛ من اللوم أو الخلافات حول الأمور التافهة التي تخفي وراءها المشكلات الأساسية، وتعلم كيفية "التواصل الواعي" أي مناقشة العلاقة بحد ذاتها وكيف يتحدث كل منهما إلى الآخر.
مشاركة نظرتكما حول الزواج
غالباً ما ينسى الأزواج نقاش نموذج الزوجين الذي يريدان أن يكونا عليهما. يتخيل كل من الزوجين أن رؤيته الخاصة معروفة للآخر وأنه يؤمن بها أيضاً لكن نادراً ما تكون الحال على هذا النحو. لذلك من الضروري توضيح الأشياء التي يعتبرونها من المسلمات والتي من شأنها أن تؤدي إلى سوء الفهم؛ تحدثا عما تريدان تحقيقه كزوجين، وما تريدان مشاركته، ومساحة الحرية التي يريدها كل منكما، وأنماط التواصل التي تساعد على تقوية العلاقة أو تهددها.
عبّر عن احتياجاتك في أثناء النقاش
يحتدم العديد من المناقشات لأننا لا نعرف كيف نعبر عن احتياجاتنا للطرف الآخر. مجدداً، قد تبقى احتياجاتنا مضمنة أو مخفية وراء فكرة أنه إذا كان الشخص الآخر يحبني، فلا بد أنه يفهمني. من الأفضل، عند طرح موضوع مهم، أن تكون محدداً بشأن ما تتوقعه من النقاش: "أريدك فقط أن تستمع إليّ؛ أريدك أن تعطيني بعض النصائح؛ أعطني لحظة للتفكير فيما قلته للتو".
اختر الوقت المناسب
يحتدم النقاش وتتعالى الأصوات بشكل متكرر عندما يكون أحد الشريكين متعباً جداً أو منشغلاً عن سماع ما يريد الطرف الآخر قوله. لزيادة فرصة إجراء نقاش بنّاء ومفيد؛ يجب التأكد مسبقاً من أن الشريك حاضر الذهن تماماً، وعدم الضغط عليه عندما لا يكون لديه متسع من الوقت أو يحاول أخذ استراحة من العمل، حتى لو اضطررت لترك النقاش إلى يوم آخر.
الرجال والنساء مختلفون عند الحديث عن العلاقة
تروي هذه القصة المعالجة النفسية ميشيل جوبيرت: "أخبرتني إحدى مريضاتي أنها أرادت استغلال لحظة الهدوء في السرير لتشرح لزوجها سبب رغبتها في تركه. أدار لها ظهره وقال لها: "اخرسي واخلدي إلى النوم!" وبقي صامتاً بعد ذلك". سيناريو يتكرر كثيراً!
تشير جوبيرت إلى أن النساء أكثر ميلاً من الرجال إلى استثمار الزواج باعتباره شرنقةً أو مكاناً يتيح لهن الحديث حول الذات والعلاقة والمشاعر والأطفال؛ حيث يتركز كلامهن في المجال الحميمي عموماً بينما يعبر الرجال عن أنفسهم أكثر في المجال الاجتماعي. هذه كليشيهات بالطبع لكنها ما تزال قائمة. تميل هذه الاختلافات إلى الظهور أيضاً في الأجيال الشابة الجديدة حيث تعلم الرجال التعبير عن مشاعرهم أكثر.
أثناء العلاج الزوجي، تقول إيزابيل كونستانت إن النساء يتحدثن بصعوبة أكبر ولكنهن يظهرن استعداداً أكثر لحل الخلافات. النساء أكثر براعة في استخدام الكلام إلا أنهن غالباً ما يستخدمنه كسلاح وأداة للتلاعب والسيطرة؛ لكن ليست كل النساء كذلك بشكلٍ عام طبعاً!