ما الأكثر تأثيراً في صحتنا النفسية: الشعور بالفوز أم الشعور بالخسارة؟

5 دقيقة
الخسارة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: وضعت لنفسي على مدار حياتي الكثير من الأهداف؛ حققت بعضها وأخفقت في البعض الآخر، تذوقت متعة الفوز والنجاح وتجرعت ألم الخسارة والفشل، ويمكن القول إن ألم الخسارة كان أقوى تأثيراً من متعة الفوز التي تتلاشى بعد وقت قصير، في حين يظل شبح الخسارة والفشل يلاحقني في كل مكان يمنعني من تكرار المحاولة مجدداً، هل سبق وتعرضتم لمواقف شبيهة؟ إليكم كيفية التعامل مع هذه الحالة عبر المقال.

في هذا الوقت من كل عام يراودني الكثير من الكوابيس؛ أرى نفسي دوماً متأخرةً عن الامتحان أو أترك ورقة الإجابة فارغة تماماً، وعلى الرغم من تخرجي في الجامعة منذ سنوات بعيدة فشبح الخوف ما زال يلاحقني. أتذكر حين كنت أعكف على الدراسة طوال اليوم ولا أرفع رأسي عن الكتاب إلا بعد ساعات، وقتذاك لم أكن أحلم بفرحة النجاح وأتخيل متعة الفوز بقدر ما كنت أخاف ألم الخسارة والفشل، فهل أثر ألم الخسارة في النفس أكبر من أثر لمتعة الفوز؟ الجواب في هذا المقال.

لماذا نحاول تجنب الخسارة قدر الإمكان؟

يؤكد أستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد (Stanford University) راسل بولدراك (Russell A. Poldrack) أن الأثر النفسي لألم الخسارة أكبر بكثير من متعة الفوز وتحقيق المكاسب، لأن مناطق الدماغ التي تعالج المكافأة تشهد انخفاضاً كبيراً بالنشاط عند الخسارة. وفي سياق مختلف، يعد مفهوم "تجنب الخسارة "(Loss aversion) مبدأ أساسياً في الاقتصاد السلوكي ويؤثر بشدة على طريقة تفكيرنا والقرارات التي نتخذها، ويمكن القول إن أدمغتنا مبرمجة على تجنب الخسائر؛ وقد يكون هذا الأمر مفيداً في بعض الحالات لأنه يمنعنا من اتخاذ قرارات متهورة.

ونظراً لأن أدمغة البشر مُصممة على تجنب الخسائر، فإنهم يبذلون جهداً هائلاً فقط لحماية أنفسهم من شعور الخسارة غير المريح، كما أن محاولة تجنب الخسارة يمكن أن تتحكم بدرجة كبيرة في الكثير من القرارات التي نتخذها؛ على سبيل المثال قد ترفض الانفصال عن شريك حياتك السيئ خوفاً من خسارته أو ربما خوفاً من خسارة علاقتكما. يمكن القول إن بعض الأشخاص يحاولون تجنب الخسارة قدر الإمكان خوفاً من الشعور بالفشل الذي يؤثر عليهم بالطرائق التالية:

1. الفشل يغير تصورك لقدراتك: يجعل الفشل أهدافك تبدو بعيدة المنال، كما أنه يشوه تصورك عن مواهبك الفعلية من خلال جعلك تشعر بأنك أقل قدرة، وعندما تفشل قد يسيء الآخرون الحكم عليك ما يُشعرك بضغط نفسي كبير.

2. يُشعرك الفشل بالعجز: حين تواجه موقفاً تتعرض من خلاله للخسارة أو الفشل ينتابك الألم الشديد، ويستجيب دماغك لذلك الألم ويحاول إقناعك بالاستسلام لحمايتك كي لا تتعرض للأذى والألم مرة أخرى، وأول طريقة لإقناعك بالاستسلام هي إحساسك بالعجز؛ ما يعني أنه لا يمكنك فعل شيء لتحقيق النجاح.

اقرأ أيضاً: كيف يدير اللاعبون مشاعر الفوز والخسارة؟

ما التأثير النفسي للفوز والخسارة؟

عندما تفوز ينتج دماغك هرمون الدوبامين الذي يعزز الشعور بالسعادة، فيخلق إحساساً ممتعاً بمنطقة المكافأة في دماغك، فيولد لديك رغبة في تجربة الفوز مراراً وتكراراً. كما يعمل الفوز أيضاً بمثابة مهدئ؛ فهو يقلل مستويات هرمون الكورتيزول ويخفف الشعور بالاكتئاب، ويمنحك ثقة قوية بنفسك. أما في حالة الخسارة فدماغك يفرز هرمون الكورتيزول، وهو هرمون التوتر الرئيس في الجسم، كما يعزز استجابة القتال أو الهروب في الدماغ، وهي رد الفعل النفسي تجاه الأحداث المرهقة.

والحقيقة أن التأثير النفسي للفوز والخسارة لا يقف عند هذا الحد، بل يمتد لأبعد من ذلك بكثير؛ فعلى سبيل المثال عندما تفوز الحيوانات وتنتصر على حيوانات أخرى، تفرز أدمغتها هرموني التستوستيرون والدوبامين، ومع مرور الوقت والتكرار، تتغيير بنية الدماغ والتكوين الكيميائي لجعل الحيوانات الناجحة أكثر ذكاءً وأفضل تدريباً وأكثر ثقة وتزداد احتمالات نجاحها في المستقبل؛ يُطلق علماء الأحياء على هذه الظاهرة اسم "تأثير الفائز" (the Winner Effect)، وفي هذا السياق يشرح أستاذ علم النفس والأعصاب إيان روبرتسون (Ian Robertson) أن الفوز يغير أدمغة المتفوقين من الناحية الفيزيولوجية.

وفيما يخص الخسارة، فقد أجرى أستاذ علم الأعصاب بمعهد بيكاور للتعلم والذاكرة التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT’s Picower Institute for Learning and Memory) تجربة علمية على القرود؛ إذ بدأ بمهمة تعليمية بسيطة تتمثل في تقديم صورتين: الصورة الأولى تقتضي من القرود النظر إلى اليسار، والثانية إلى اليمين. ثم راقب ميلر نشاط الخلايا العصبية في قشرة الفص الجبهي في أثناء التجربة، القرود التي نظرت في الاتجاه الصحيح كوفئت بقطرات من العصير، وأصبح نشاط دماغها أكثر كفاءة في المرة التالية، أما أداء القرود التي خسرت في المهمة التعليمية كان أسوأ من باقي القرود التي لم تتعرض للخسارة من قبل، ما يعني أن الخسارة قد تعيق التركيز وتؤثر على الأداء المستقبلي.

ولهذا فإن الأثر النفسي للخسارة يفوق بكثير أثر الفوز؛ لأن الشخص الذي يخسر يتحكم به التوتر والشك الذاتي، وعلى المدى الطويل يمكن أن يؤدي هذا التوتر إلى  تآكل خلايا الدماغ، وعلى الجانب الآخر يبدأ الخاسر يشعر بالضعف والخجل والخنوع، وهي آلية تطورية تمنعه من الدخول في تحديات بسبب ذاكرته التحفيزية للخسارة. ينطبق تأثير الخاسر على البشر والحيوانات، ويمكن أن تكون آثار الخسارة عميقة جداً؛ بمعنى أنه كلما فزت أكثر زادت احتمالية فوزك مجدداً في المستقبل، وكلما خسرت زادت احتمالية تجنب المنافسة في المستقبل.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع مشاعرك المزعجة بعد خسارة كل شيء؟

كيف تتقبل فكرة الخسارة وتنهض من جديد؟

الخسارة أمر لا مفر منه، ومهما حاولنا جاهدين سوف نفشل مرة على الأقل خلال حياتنا، وهذا يحدث للجميع، المهم أن تتقبل الخسارة وتنهض من جديد عبر اتباع هذه النصائح:

1. تقبل مشاعرك: فكر في مشاعرك وحاول أن تفهم كيف تتعامل معها؛ إذا كنت غاضباً فاسأل نفسك عن سبب غضبك، وإذا شعرت بخيبة أمل فاسأل نفسك عما كنت تأمل تحقيقه. قبل أن تحاول السيطرة على مشاعرك يجب أن تفهمها أولاً، وإذا شعرت بالتخبط فاكتب الأفكار التي تدور في ذهنك أو تحدث إلى أحد أصدقائك المقربين.

2. ركز على نقاط قوتك بعد الخسارة: من المعروف لنا جميعاً أن الخسارة ليست شعوراً جيداً؛ ففي الكثير من الأوقات قد تجعلنا نشعر أن العالم بأكمله يقف ضدنا، ولكن حاول قدر الإمكان ألا تقع فريسة لهذا التفكير. الخسارة  سيئة ولكن  التفكير الانهزامي أسوأ، لذلك ركز على نقاط قوتك واكتبها في ورقة وحاول الاستفادة منها واعمل على تطويرها وتحدّّ نفسك من أجل الفوز مرة أخرى.

3. لا تخف من الفشل: في الكثير من الأحيان نشعر بأننا نخاف من ألم الخسارة بسبب العواقب السلبية المتصورة للفشل التي تشكل ضغطاً نفسياً رهيباً علينا، ولهذا في هذه المرحلة علينا تعلم عدم الخوف من الفشل وتقبل عدم اليقين وأن بعض الأمور سوف تكون خارج نطاق سيطرتنا.

4. كن واعياً بحديثك مع نفسك: حاول أن تتحدى الأفكار المتعلقة بالفشل والخسارة، يتضمن ذلك تغيير عقليتك السلبية وتحويلها إلى إيجابية، والخطوة الأولى لذلك هي التعرف على عقليتك السلبية. على سبيل المثال؛ قد تتقدم إلى وظيفة وترفض، فتفكر قائلاً "أنا فاشل ولن أنجح أبداً"، حينئذ عليك تغيير عقليك عبر تغيير حديثك مع نفسك، ويمكن أن تخبرها قائلاً: "سأطور نفسي وأتعلم المزيد من المهارات"

5. طوّر عقلية النمو: ينصح أستاذ علم النفس إيان روبرتسون بالتركيز على الأهداف الصغيرة من أجل تطوير عقلية النمو وتجديد عقلك لتحقيق النجاح، ومع مرور الوقت سوف تطوّر مستويات أعلى من الذكاء التحفيزي وسوف تتغير طريقة تفكيرك.

وفي أثناء هذه العملية اسأل نفسك عن دوافعك الداخلية للفوز؛ لأن أصحاب العقلية الثابتة يركزون على قياس نجاحهم من خلال كسب استحسان الآخرين وإعجابهم، ولذلك فهم يريدون إثبات مهاراتهم وليس تحسينها، والحقيقة أنهم يتعرضون في نهاية المطاف لخيبة الأمل وألم الخسارة؛ أما أصحاب عقلية النمو فيركزون على التعلم والإبداع والمتعة والإنجاز.

6. لا تستسلم: يشرح مدرب تطوير الذات وإدارة العلاقات ياسر الحزيمي أن النجاح هو إدراك مطلوب، والفشل هو حالة نفسية وسلوكية، وعكس النجاح ليس الفشل بل الخطأ؛ لنفرض أنك كنت تضع هدفاً ولم تصل إليه، فأنت بذلك أخطأت ولم تفشل، وعليك أن تحاول مرة أخرى. إذا عاودت الكرة ولم تنجح فقد أخطأت مرة أخرى، أما إذا تخليت عن هدفك تماماً فستكون قد فشلت حقاً. لذا عليك ألا تستسلم، حاول مرة أخرى وغير الطرائق التي تتبعها لتحقيق الهدف.