رسالة من طبيب نفسي: الحب بين الأشقاء أقوى من الخلافات

3 دقائق
الروابط الأسرية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

لا مفر من الخلافات العائلية وأظن أن معظمنا، إن لم يكن جميعنا، قد سبق له أن اختلف مع أحد أفراد أسرته أو بعضهم. في رده على رسالة سارة التي تتحدث فيها عن خلافها مع أخيها، يوضح الطبيب النفسي جاك سالوم أن الروابط الأسرية والروابط بين الإخوة، وحتى عند وقوع خلاف يؤدي إلى تغيير شكلها، أقوى من أن تنقطع.

رسالة سارة

تقول سارة: "مر أكثر من عام على القطيعة بيني وبين أخي، وكان الاجتماع العائلي في منزله ثقيلاً على صدري، فقد حضرت مكرهة بعد أن حاولت اختلاق الكثير من الأعذار كي لا أذهب، وعندما تجادلنا قال لي معاتباً: "أنتِ لا تأتين إلى منزلي مطلقاً"، شعرت خلال هذه الجلسة وكأنني سجينة وكأن حضوري بمثابة قبول إجباريّ بزوجته.

كانت سلوكيات زوجته السبب وراء كل ذلك، فقد اعتادت التحايل على الآخرين وأخذ المال منهم، ولا سيما المسنين، وقد قبلنا وجودها ضمن العائلة رغم ذلك لأننا نحب أخي ولا نريد استبعاده. ذات مرة تحايلت زوجته على عمتي وأخذت منها مبلغاً بسيطاً من المال فتغاضينا عن الأمر لكنها كررت فعلتها مجدداً مع جدي ما أثار غضبي، فذهبت إليها لأستعيد ملابس أطفالٍ ولوازمهم كنت قد أعرتها لها لكنها قالت إنها تركتها في السيارة وكان أخي قد غادر بها، وعندما سألتها عن المبلغ الذي تدين به لعمتي أجابت إنه ليس في حوزتها أي نقود كما أنها لا تمتلك دفتر شيكات وادعت المرض فجأة لكيلا تخرج وتسحب المبلغ من الصراف الآلي. كان ذلك بالنسبة إليّ الشعرة التي قصمت ظهر البعير فحذرتها من أن تطأ قدمها منزلي مجدداً، أما أخي فقد انحاز إلى زوجته ومنذ ذلك الحين لم يأتيا إلى منزلي ولم أذهب إلى منزلهما مطلقاً.

في صغرنا، كان أخي طفلاً صعب المراس في حين أنني كنت نموذجاً للطفلة التي عُقدت عليها الآمال كلها، ولأننا كنا حريصين على مشاعره فقد تقبلناه كما هو وتركناه على حريته حتى أنني تجنبت النجاح في حياتي الشخصية والمهنية كي لا يشعر بأنني متفوقة عليه، ولا أعرف لمَ فعلت هذا! قررتُ ذات مرة وضع حد لكل ذلك وأدركتُ أن لديّ الحق في عيش حياتي، فتوقفت عن إعداد الوجبات العائلية وبدأت بممارسة الأنشطة التي أحبها ومن هنا بدأ الصدام مع أخي إذ يبدو أن ذلك أثار في نفسه شعوراً بالغيرة وخوفاً من المنافسة.

تعاني أمي منذ ذلك الحين بسبب صداماتي مع أخي، وأنا أتساءل إذا كان رد فعلي تجاهه مقبولاً لكن حياتي تحسنت منذ قطعت علاقتي به. لا أرفض رؤيته في منزل والديّ لكن لا يوجد حديث مشترك بيننا كما أن حياته لا تهمني فنحن مختلفان تماماً، قد أتقبل الوضع الحالي لكنني لا أريد استعادة أي علاقات معه فهل هذا طبيعي؟

رد جاك سالوم

بحسب كلامك؛ يبدو أنه ثمة عدة مشكلات وينبغي عدم الخلط بينها.

دفعك سلوك زوجة أخيك الذي يتعارض مع قيمك الشخصية إلى الابتعاد عنهما واتخاذ موقف واضح بعدم الرغبة في الاجتماع مع هذه المرأة، أما علاقة أخيك بزوجته فهي لا تعنيك في شيء فالأمر يرجع إليه لتحديد مدى تقبله لسلوكياتها الملتوية المتمثلة بسرقة الآخرين والاحتيال عليهم.

ولكنك وجدت رغم ذلك أن استمرار علاقة أخيك وزوجته بعائلتك في ظل هذا الوضع يسبب لك مشكلات ومنها مثلاً حرمانك من رؤية والديك خلال وجود هذه المرأة في منزلهما، ويمكن القول إن هذا ثمن الالتزام بقيمك ومبادئك وشعورك بالتآلف مع نفسك.

من جهة أخرى، تعكس طبيعة علاقتكِ بأخيكِ شعورك بالذنب تجاهه وهذا سبب سلوكيات حرمان الذات التي تبنَّيتِها في الطفولة؛ ولكنني لم أفهم تماماً كيف أدى ذلك إلى فشلك في حياتك المهنية.

ذكرتِ في رسالتك شعور أخيك بالغيرة والخوف من المنافسة وهنا أيضاً لم أفهم السبب وعليكِ أن تحدديه بنفسك، فلمَ كان يغار منك؟ وعلامَ يخاف أن تنافسيه؟ على حب والدتك أو والدك مثلاً؟

أتفهم أن والدتك تعاني بسبب هذا الوضع فهي كحال الأمهات جميعهنّ تتمنى أن يجمع بين أولادها التفاهم والمحبة وما فعلتيه خيَّب أملها من هذه الناحية؛ لكنكِ اليوم لستِ طفلة الأمس التي كانت تلبّي كل توقعات والديها ورغباتهما فأنت إنسانة راشدة ذات استقلالية.

ولكنني أقول لكِ ما يلي: رغم القطيعة بينكِ وبين أخيكِ فأنا أرى أن روابط الدم التي تجمع الأشقاء لا يمكن أن تنقطع، فإخوة المرء جزء من مكونات نفسه ولهم فيها تأثير وصدى وحتى عند التباعد أو انعدام التواصل تبقى العلاقة بينهم كخيط غير مرئي لكنه لا ينقطع أبداً.

لذلك فكري في ما تمثله علاقتكِ بأخيكِ بالنسبة إليكِ والمكان الذي يمكنكِ منحه إياه في حياتك، وعندما تضعين الحدود الملائمة للعلاقة ومساحة التواصل والتلاقي بينكما سيساعدك ذلك على تحقيق التناغم في علاقاتك الأخرى جميعها.