تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً أخبار انفصال العديد من صناع المحتوى؛ مثل ريم الطويل ومحمد البربري المصريين اللذين اشتهرا بمقاطعهما الكوميدية على منصة تيك توك، وقبلهما صانع المحتوى اللبناني المُلقَّب بالدكتور فود وزوجته وغيرهم الكثير.
محتويات المقال
وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل تكون الحياة الزوجية للمؤثرين أو صنّاع المحتوى أكثر عرضة للانهيار مقارنة بعامة الناس؟ في الواقع، الإجابة معقدة بعض الشيء؛ إذ ثمة ضغوط نفسية واجتماعية عديدة قد تؤثّر في حياة المؤثرين وقد تزيد الضغط على علاقاتهم الزوجية، وإليك كيف.
اقرأ أيضاً: الصورة ليست كما تبدو في الشاشة: معاناة المؤثرين على السوشال ميديا نفسياً
ضغط المحافظة على "الصورة المثالية"
كثيراً ما نتحدث عن تأثير المؤثرين في صحتنا النفسية وعلاقاتنا وحيواتنا بصورة عامة؛ لكن لكل قصة وجهين؛ إذ وعلى الرغم من أن حياة المؤثرون قد تبدو جميلة وممتعة من خلف الشاشات، فإنها تنطوي على العديد من المشكلات والضغوط الحقيقية.
حيث أشارت دراسة منشورة في مجلة الصحة المهنية (Journal of Occupational Health) عام 2024، أن المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يواجهون العديد من التحديات النفسية المتعلقة بمهنتهم، مثل القلق والاكتئاب على سبيل المثال، وقد يعزى ذلك إلى الحاجة إلى الاتصال المستمر مع الجمهور والضغوط الناجمة عن توقعاته.
إذ يشعر المؤثر بضغط كبير لكي يظهِر نفسه وحياته بمظهر جيد دائماً في عيون متابعيه، وذلك حتى لو لم تتطابق صورته المثالية مع ما يشعر به، وهو ما قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى التوتر وعدم الرضا، خصوصاً أنه يعلم أن كل ما يفعله أو يقوله خاضع للمراقبة والانتقاد.
وما ينطبق على الفرد قد ينطبق على العلاقة الزوجية في كثير من الأحيان، فالمؤثرون معظمهم يعرضون علاقاتهم الزوجية بأفضل ما يمكن، وربما يؤدي هذا الضغط المتعلق بتقديم نسخة مثالية من العلاقة إلى الشعور بعدم الرضا والاستياء بين الشريكين بمرور الوقت، خصوصاً في حال كانا يحاولان الحفاظ على العلاقة من أجل العلامة التجارية التي يروّجان لها فقط.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يدمر المؤثرون حياتك؟ وماذا تفعل لتحد من ذلك؟
مشكلة الخصوصية
يؤكد الطبيب النفسي، طارق الحبيب، على أهمية الحفاظ على خصوصية العلاقة الزوجية وأسرارها وعدم مشاركة تفاصيلها مع العائلة والأصدقاء، لأن الزوجين كثيراً ما ينسيان خلافاتهما أو ما يقولانه لبعضهما في أثناء الخلافات، لكن الأطراف الخارجية لا تنسى إن علمت بتلك التفاصيل، وقد تستخدَم هذه المعلومات لاحقاً على نحو يضر بالعلاقة الزوجية.
فهل يستطيع المؤثرون الحفاظ على خصوصية حياتهما؟ في الواقع، كثيراً ما يكون الحفاظ على الخصوصية صعباً؛ إذ إن الروتين اليومي والمساحات الشخصية والتفاعلات العائلية تصبح مرئية لجمهور كبير، هذا وقد يتعرف الغرباء على أفراد الأسرة في الأماكن العامة أو حتى يلمّون بتفاصيلهم الشخصية معظمها، وهو ما قد يكون مزعجاً للعديد من الأزواج أو أفراد العائلة.
فضلاً عن ذلك ونتيجة مشاركة الكثير من المعلومات الشخصية، فإن المؤثرين يدخلون آلاف الأشخاص في علاقتهما الزوجية، وهو ما يسمح للمتابعين بالتعبير عن آرائهم التي قد تكون سلبية أو سامة في بعض الأحيان، وإطلاق الأحكام، والانحياز تجاه أحد الأطراف دون الآخر، والتعليق على قضايا عائلية، وتقديم نصائح غير مرغوب فيها بشأن مسائل الزواج.
وقد تؤثّر هذه الضغوط الخارجية سلباً في الصحة النفسية للمؤثرين، وقد تعطّل قدراتهما على حل نزاعاتهما، وتصعِّب عليهما التركيز على احتياجاتهما وأولوياتهما دون تدخل خارجي.
اقرأ أيضاً: لماذا يكشف المؤثرون أسرار حيواتهم الشخصية أمام ملايين المتابعين؟ العلم يجيب
التعرض للانتقاد اللاذع والتنمر الإلكتروني
كل ما يفعله المؤثرون أو يقولونه خاضع للمراقبة والانتقاد، ليس ذلك فقط، بل قد يضخّم الجمهور أخطاءهم البسيطة أو آراءهم الخاصة على نحو يثير ردود أفعال عنيفة وانتقادات عامة أو دعوات للمقاطعة.
وقد تطال هذه الانتقادات العلاقة الزوجية أو خيارات الأبوة أو حتى الصفات الشخصية، وهو ما قد يكون مؤلماً ومجهداً للغاية؛ كما قد تجذب شهرتهم المتصيدين والكارهين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لمضايقتهم أو التشهير بهم أو التنمر عليهم. من ثم وعندما يكون كل جدال أو خلاف هو "فضيحة" محتملة أو موضوع تكهنات عامة، فقد يجد الأزواج صعوبة في تطوير الثقة والمرونة في علاقتهما.
تحديات الفصل بين العمل والحياة الشخصية
على عكس أغلب المهن، تطمس مهنة المؤثر الخط الفاصل بين العمل والحياة الشخصية، فعمله أساساً هو مشاركة حياته مع الآخرين! لذلك، قد يؤثّر الوجود المستمر لفرق إنتاج المحتوى، من مختصي التصوير والإضاءة والتجميل وغير ذلك، داخل المنزل وتحويله إلى ساحة عمل في الحياة اليومية، ويقلل الوقت الشخصي الذي يحتاجه أفراد الأسرة. كما أن اللحظات المشتركة والرحلات العائلية وحتى أعياد الميلاد قد تصبح محتوى محتملاً.
ومن المعلوم أن انخفاض التوازن بين العمل والحياة الشخصية يرتبط بتردي الصحة النفسية وانخفاض الإنتاجية وزيادة الأمراض المرتبطة بالتوتر، علاوة على تأثيره السلبي في العلاقة الزوجية وزيادة الخلافات والتوتر وعدم الرضا.
النتيجة: هل زواج المؤثرين أكثر عرضة للخطر؟
في حين أن كل زواج فريد من نوعه، فقد تمثِّل الضغوط الخاصة التي تفرضها أنماط حياة المؤثرين تحديات إضافية؛ فالسعي المضني للحفاظ على صورة علنية محددة، وفقدان الخصوصية، والتعرض للانتقاد والتنمر والتدخل في تفاصيل الحياة الزوجية، تسهم كلها في تقويض أساس العلاقة. بكلمات أُخرى، ليس بالضرورة أن تكون زيجات المؤثرين أضعف بطبيعتها، ولكن المطالب الفريدة لمهنة المؤثرين تخلق بيئة قد يصعب فيها الحفاظ على زواج مستقر.
لكن من الضروري أن ندرك أن المؤثرين، مثلهم مثل أي شخص آخر، يمكنهم الاستفادة من استراتيجيات الاعتناء بالنفس والحصول على الدعم الاجتماعي والعلاج ووضع الحدود الصحية؛ إذ يمكنهم من خلال الاستراتيجيات الصحية مواجهة الضغوط وتعزيز المرونة والتواصل الحقيقي داخل علاقاتهم.