قلق النوم: اضطراب نفسي أم مجرد أفكار مزعجة؟

11 دقيقة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

بعد أن أطفأت أنوار البيت جميعها، وأخذت حماماً دافئاً، استلقت ليلى على سريرها محاولة الخلود إلى النوم، الساعة تشير إلى الواحدة صباحاً، ثم الثانية ومن بعدها الثالثة، والنوم لم يأتِ بعد، كلما أغلقت عينيها داهمتها الأفكار المتسارعة مثل مهام العمل غير المكتملة، والفواتير التي يجب دفعها، والعلاقات التي تحتاج إلى إصلاح، وهناك أيضاً المستقبل المجهول الذي يلوح بعيداً في الأفق، وفجأة تذكرت ليلى أن عدم نومها سيجعلها تستيقظ غداً في وقت متأخر وهي تحس بالتعب ولن تتمكن من إنجاز عملها، وبعد أن كانت تحاول النوم تحوّل عقل ليلى إلى ساحة معركة مانعاً إياها من الاستسلام للنوم.

والحقيقة هي أن ليلى ليست وحدها؛ هناك الكثير من الأشخاص الذين يواجهون قلق النوم (Sleep Anxiety) ومن خلال هذا المقال سوف نتعرف معاً إلى علامات هذا القلق، وتأثيره في الصحة النفسية والجسدية وكذلك طرائق التعامل معه.

ما هو قلق النوم (Sleep Anxiety)؟

قلق النوم شعور مستمر بالقلق والتوتر لا يمكن السيطرة عليه فور الذهاب إلى الفراش، وغالباً ما يواجه الأشخاص الذين يعانونه مخاوف بشأن مقدار النوم وجودته، حيث يتساءلون باستمرار بشأن إذا ما كانوا يحصلون على قسط كافٍ من النوم، وفي بعض الأحيان يرتبط قلق النوم بالذعر من أن يمنعك قلقك من النوم، ويمكن أن تتفاقم هذه المخاوف مسببةً توتراً جسدياً يجعل النوم أكثر صعوبة.

وإذا كنت تعاني قلق النوم، فقد تستلقي في السرير وتفكر على نحو قهري في النوم أو تشعر بالذعر عند النظر إلى الساعة، إنها حلقة مفرغة؛ حيث يُولّد القلق حالة من التوتر بشأن عدم النوم، ما يجعل النوم أكثر صعوبة ويؤدي إلى ارتفاع مستوى القلق، ومن ثم يفرز جسمك هرمونات التوتر ويمنعك من النوم بهدوء، وإذا كنت تواجه قلق النوم فغالباً ستداهمك الأفكار التالية فور ذهابك إلى الفراش:

  • لن أستطيع النوم الليلة.
  • سأبقى مستيقظاً ساعات طويلة قبل أن أغفو.
  • سأتقلب في الفراش طوال الليل.
  • لن أنام إلا بضع ساعات.
  • سأكون متعباً جداً غداً ولن أتمكن من العمل.
  • أنا أنام نوماً سيئاً وأواجه مشكلة كبرى.
  • لا أستطيع فعل شيء حيال مشاكل النوم التي أعانيها.

اقرأ أيضاً: لماذا يداهمك النوم في ساعات الصباح؟ وكيف تعالج هذه المشكلة؟

10 علامات تخبرك بأنك تعاني قلق النوم

عندما لا تستطيع النوم ليلاً بسبب القلق، فقد تُعاني أعراضاً جسدية أو نفسية، تشمل:

  1. الشعور بالإرهاق.
  2. عدم القدرة على التركيز.
  3. تسارع ضربات القلب.
  4. ضيق التنفس أو ألم الصدر.
  5. توتر العضلات.
  6. فرط التعرق.
  7. الإحساس بالغثيان.
  8. اضطراب المعدة ومشكلات الجهاز الهضمي.
  9. أفكار ومخاوف متسارعة حول العمل والعلاقات والصحة والعائلة تعوق الشعور بالراحة.
  10. الشعور بالانفعال والعصبية.

ما هي العوامل التي تسهم في تفاقم قلق النوم؟

القلق جزء طبيعي من التكوين البشري، فحين تتعرض إلى المواقف الخطرة يحميك القلق ويساعد جسمك على إفراز هرمونات التوتر التي تساعدك على الاستجابة للموقف، ولكن إذا زاد هذا القلق عن حده يمكن أن يؤثر بالسلب في صحتك النفسية والجسدية، ويمكن القول إن هناك الكثير من العوامل التي تسهم في تفاقم قلق النوم، منها على سبيل المثال:

1. الإصابة باضطراب القلق العام

يتسم هذا النوع من القلق بمخاوف مستمرة بشأن الكثير من الأنشطة أو المواضيع، وغالباً ما تكون هذه المخاوف زائدة عن حدها ومستمرة وتؤثر في قدرتك على العيش بصورة طبيعية، وأحياناً قد تمتد تلك المخاوف إلى النوم، ما يعني مستويات مرتفعة من هرمونات التوتر تمنعك من القدرة على الاسترخاء.

2. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

يمكن أن تُسهم الصدمة إسهاماً محورياً في حدوث قلق النوم، وذلك لأن الأشخاص الذين يعانون اضطراب ما بعد الصدمة أكثر عرضة للكوابيس المتكررة التي تُعوق قدرتهم على النوم، إضافة إلى أن الخوف من رؤية الأحلام المزعجة في أثناء النوم يُسهم في تنامي قلق النوم.

اقرأ أيضاً: رهاب النوم: لماذا قد يصبح الذهاب إلى الفراش مخيفاً للبعض؟

3. فرط نشاط الغدة الدرقية

قد يُسبب فرط نشاط الغدة الدرقية مزيجاً من قلق النوم والأرق، وهي حالةٌ تُفرط فيها الغدة الدرقية في نشاطها، ويرتفع مستوى هرموناتها في الدم ما يسبب اضطرابات النوم.

4. نمط الحياة غير الصحي

يمكن أن تعوق عاداتك اليومية أو روتينك النوم الهادئ ليلاً إما بسبب نمط الحياة غير الصحي وإما مشاهدة الشاشات باستمرار قبل الذهاب إلى الفراش، وهو الأمر الذي يزيد احتمالية استيقاظك ليلاً ويمكن أن يفاقم شعورك بالقلق، وفي هذا السياق يشرح المختص النفسي، معتز العتيبي، أن القلق لا ينبع فقط من صدمات الحياة الكبرى ولكنه قد يحدث بسبب اضطراب الجدول اليومي واتباع روتين حياة غير صحي يتضمن تقلّب أوقات النوم والاستيقاظ، أو عدم انتظام أوقات الطعام، أو العزلة الاجتماعية، أو الإفراط في شرب القهوة.

5. المشكلات العالقة

في كثير من الأحيان تتفاقم مسببات التوتر التي تواجهها يومياً عند وقت النوم؛ فالتوتر المُتعلق بأدائك في العمل، واضطراب أمورك المالية، واختلال حياتك الأسرية جميعها جوانب مؤثرة إذا لم تعمل على حلها ستلاحقك تحت الأغطية عندما تكون بمفردك، ولن تسمح لك بالخلود إلى النوم.

كيف يُشخّص قلق النوم؟

إذا كنت تشعر بأنك تعاني قلق النوم عليك الذهاب إلى الطبيب المتخصص الذي بدوره سيُجري فحصاً بدنياً، ويُراجع تاريخك الطبي، ويُناقش أعراضك، ثم يطرح عليك أسئلة مثل:

  • هل تأكل أو تشرب أي شيء قبل النوم؟
  • هل تشعر بالقلق دائماً قبل النوم؟
  • كم من الوقت تستغرق للنوم؟
  • كم مرة تستيقظ في أثناء الليل؟
  • ما هي الأنشطة التي تُمارسها قبل النوم؟

وفي بعض الحالات، قد يجري الطبيب المعالج اختباراً من أجل تقييم كيفية عمل جسمك في أثناء النوم، وذلك من خلال فحص:

  • مستويات الأوكسجين في الدم.
  • وضعية الجسم.
  • معدل التنفس.
  • النشاط الكهربائي في الدماغ.
  • حركات العين.
  • معدل ضربات القلب.
  • حركات الساقين.
  • مراحل النوم.
  • الشخير أو أي أصوات أخرى تصدرها في أثناء النوم.

تعرف إلى المضاعفات والآثار الطويلة المدى لقلق النوم

قد يُؤثّر الحرمان من النوم فترة طويلة سلباً في صحتك الجسدية والنفسية والعاطفية، وعادة ما يظهر ذلك بعدة أشكال، منها:

  • الأرق المُزمن.
  • داء السكري.
  • ضعف جهاز المناعة.
  • مشكلات القلب والأوعية الدموية.
  • زيادة الوزن والسمنة.
  • الإصابة باضطرابات المزاج مثل الاكتئاب.
  • تدهور القدرات الإدراكية.
  • انخفاض الرغبة الجنسية.
  • اضطرابات الغدد الصماء.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • زيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
  • تسريع الشيخوخة.

7 إرشادات تساعدك على التعامل مع قلق النوم

عندما تكون في أمسّ الحاجة إلى النوم وينتابك القلق الشديد، قد تحس بالإحباط، ولهذا إليك بعض الإرشادات التي يمكنك استخدامها من أجل التعامل مع قلق النوم بفعالية وتعزيز حالة ذهنية مريحة:

1. توقف عن إجبار نفسك على النوم

لا يمكنك أن تجبر نفسك على النوم؛ إذ عليك أن تتقبل فكرة أنك إما أن تنام وإما لا تنام؛ وأنك عندما تشعر بالنعاس الكافي ستنام، ولكن كلما استلقيت على سريرك وأجبرت نفسك، ازداد الأمر سوءاً، ولهذا انهض من السرير، وافعل شيئاً بسيطاً مثل طيّ الملابس، أو القراءة، أو الاستماع إلى حلقة بودكاست، وحين تحس بالنعاس، عد إلى السرير.

اقرأ أيضاً: ما هي أسباب القلق الصباحي؟ وكيف يمكن علاجه؟

2. ضع الأمور في حجمها الطبيعي

تؤكد المعالجة النفسية، آني ميلر (Annie Miller)، أن جسمك يمكن أن يتحمّل ليلة نوم سيئة، بالطبع ستشعر ببعض التعب ولكن لن يحدث شيء سيئ، قد تداهمك الأفكار القلقة وتخبرك أن هذا أمر فظيع، ولكن الواقع ليس كذلك، ولهذا توصي ميلر بتدوين ما يحدث في اليوم التالي لتذكير نفسك في المستقبل بأن كل شيء عادةً ما يكون على ما يرام.

3. خصص وقتاً ومكاناً للقلق

ينصح الطبيب النفسي، مايكل غراندنر (Michael Grandner)، بمحاولة جعل غرفة نومك منطقة خالية من القلق، وإذا كنت ستشعر بالقلق على أي حال، ولا يمكنك التحكم في مشاعرك، فلا تفعل ذلك في السرير، وعوضاً عن ذلك خصص بعض الوقت من أجل القلق والتعامل مع المخاوف التي تواجهك؛ قد يبدو هذا الأمر أشبه بالتنفيس عن مشاعرك لصديق أو كتابة مذكرات.

4. ابتعد عن ارتداء أجهزة تتبع النوم

توضح مختصة طب النوم، كيلي بارون (Kelly Baron)، أن الاهتمام الإعلامي الذي أضحى متزايداً بأهمية النوم قد يسهم في تفاقم قلق النوم، لأن تركيزك المبالغ فيه على الحصول على جودة نوم عالية قد يفاقم مشاعر القلق، ولهذا توقف عن استخدام أجهزة تتبع النوم، وتأكد أنك ستعاني من حين لآخر مثل الجميع من ليالي نوم سيئة.

5. دوّن أفكار القلق

 إذا كان القلق يُبقيك مُستيقظاً ليلاً، أحضر ورقة وقلماً ثم دوّن أفكارك المُقلقة قبل الذهاب إلى الفراش، ومع مرور الوقت سيُتيح لك هذا التدوين تخفيف الشعور بالقلق والتخلص منه، وقد يُفضّل بعض الأشخاص القيام بخطوة إضافية، مثل تجعيد الورقة ورمي مخاوفهم على نحو رمزي في سلة المهملات.

6. تحكّم في بيئة نومك

تأكد من أن سريرك نظيف ومريح، وحافظ على برودة غرفة نومك، أطفئ التلفزيون وابتعد عن هاتفك لأن الشاشات الرقمية تُنتج ضوءاً أزرق يُبطئ إنتاج الميلاتونين ويعوق إيقاعات نومك الطبيعية، استمع إلى الموسيقا إذا كنت بحاجة إلى تحفيز استرخائك، وذلك حتى تهيئ بيئة هادئة ومريحة لمساعدة عقلك على ربط غرفة نومك بالنوم.

7. اطلب المساعدة من المعالج النفسي

إذا استمر قلق النوم على الرغم من محاولاتك جميعها، فعليك أن تطلب المساعدة من المعالج النفسي، والذي بدوره قد يستعين بالعلاج السلوكي المعرفي للأرق (CBT-I)، وهو نوع خاص من العلاج يحاول تعليمك كيفية إدارة أفكارك وسلوكياتك المتعلقة بالنوم، وعادة ما يستخدم لمساعدتك على:

  • السيطرة على قلق النوم.
  • تعزيز العلاقة بين البقاء في السرير والنوم.
  • التحكم في الأفكار المقلقة أو المتسارعة ليلاً.
  • تحسين دورة النوم والاستيقاظ في جسمك.
  • تعلم كيفية تطبيق ممارسات نظافة النوم في حياتك اليومية.
  • التفكير في نفسك وأنماط نومك بطريقة أكثر إيجابية.

المحتوى محمي