هل يستعيد الدماغ عافيته بعد التوقف عن الإدمان؟ دراسة تكشف نتائج مبشرة

5 دقائق
التوقف عن الإدمان
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: شاهدت مسلسل "تحت السيطرة" الذي عُرض خلال شهر رمضان عام 2015، وكانت فكرة المسلسل تدور حول متعافية من الإدمان عادت إليه مرة أخرى. وطوال مدة مشاهدة المسلسل، تغلغلت في دماغي فكرة أن التوقف عن الإدمان غير ممكن، وأن الشخص المدمن سوف يعود إلى تناول المواد الإدمانية مرة أخرى لأن تلك المواد تظل مترسبة في الدماغ. لكن دراسة علمية حديثة توصلت إلى نتيجة مختلفة وباعثة على الأمل؛ حيث أثبتت أن التوقف عن تناول الكحول لمدة 3-7 أشهر يؤدي إلى تحسينات كبيرة في بنية الدماغ، وإليكم في هذا المقال تأثير الإدمان في الدماغ وكيف يستعيد الأخير عافيته بعد ذلك.

يمكن أن يؤثر الإدمان في مناحي الحياة كافة، فمن ناحية، يدمر صحة الجسم، ومن ناحية أخرى، يؤثر في العلاقات الاجتماعية ويغير الطريقة التي ينظر بها الأفراد إلى العالم الخارجي، لكن أكثر آثار الإدمان ضرراً هو تلف الدماغ؛ حيث تؤدي إساءة استخدام العقاقير الطبية أو الهيروين أو الكحول أو الكوكايين وغيرها إلى تعرض الدماغ إلى قدر كبير من الضرر.

لكن الخبر السار هو أن الدماغ يمكن أن يستعيد عافيته بعد الإدمان، فقد توصلت دراسة علمية حديثة نشرتها مجلة الكحول الدولية (Alcohol journal) في أغسطس/آب 2023 إلى أن أدمغة الأشخاص الذين امتنعوا عن تناول الكحول لمدة 7-3 أشهر تقريباً أظهرت تحسينات كبيرة في بنية الدماغ؛ وهو الأمر الذي يبعث على الأمل للأشخاص الذين يعانون الإدمان، وإليكم في هذا المقال كيف يتأثر الدماغ بالإدمان وكيف يمكن أن يستعيد عافيته مرة أخرى.

كيف يعمل دماغك؟

دماغك عضو شديد التعقيد يحتوي على مليارات الخلايا العصبية المرتبة في أنماط تنسق الفكر والعاطفة والسلوك والحركة والإحساس، ويربط نظام الأعصاب المعقد دماغك ببقية جسمك، ويدير دماغك وظائفك الجسدية كلها باستخدام نظام رسائل كيميائي. وفي حين أن أجزاء دماغك كافة تعمل معاً فإن كل جزء مسؤول عن وظيفة محددة؛ وهي التحكم في كل شيء بدءاً من معدل ضربات القلب وحتى حالتك المزاجية، وينقسم الدماغ إلى الكثير من المناطق مثل:

  1. المخ: هو الجزء الأكبر من الدماغ المسؤول عن معظم العمل، وينقسم المخ إلى نصفين: الأيمن والأيسر، ويحتوي كل منهما بعض التقسيمات الفرعية.
  2. الفص الجبهي للدماغ: يمتد الفص الجبهي على الجزء الأمامي من الرأس، وهو مسؤول عن السلوك والفكر الإبداعي وحل المشكلات والانتباه، والتحكم في حركات العضلات والتفكير المجرد والحكم.
  3. الفص الجداري الدماغي: يقع الفص الجداري مباشرة خلف الفص الجبهي، وينقسم إلى القشرة الحسية والحركية. تتلقى القشرة الحسية معلومات حول تحديد موقع الألم في الجسم، والقشرة الحركية تراقب الحركة وتتحكم بها.
  4. الفص الصدغي الدماغي: يقع الفص الصدغي بالقرب من الصدغين على جانبَيّ الرأس، ويرتبط بجانب اللغة؛ بما فيه الكلام والسمع.
  5. الفص القذالي الدماغي: تعالَج الرؤية في الفص القذالي الموجود في الجزء الخلفي من الرأس، وتوجد داخل الفص القذالي منطقة صغيرة متخصصة بتعابير الوجه وفهم اللغة.
  6. نظام الدماغ الحوفي: سلسلة من الغدد تقع في مركز الدماغ؛ حيث إن العواطف والاستجابات الهرمونية تأتي من هذا الجزء من الدماغ. ويشتمل الجهاز الحوفي على 4 غدد أولية: المهاد، ومنطقة ما تحت المهاد، واللوزة الدماغية، والحصين.

 اقرأ أيضاً: مراحل علاج الإدمان على المخدرات أربعة: تعرف إليها

ماذا يحدث للدماغ عند الإدمان؟

يغير الإدمان وظائف الدماغ الطبيعية؛ حيث يؤثر بشدة في المسارات والاتصالات المعقدة التي تحكم أفكارنا وعواطفنا وسلوكياتنا، وعادة ما يؤثر الإدمان في الدماغ على النحو الآتي:

  1. نظام المكافأة في الدماغ: فكرة نظام المكافأة هي توفير حافز للتكرار. عندما تفعل شيئاً جيداً، فإن الدماغ يكافئك ويجعلك تشعر بالمتعة؛ ولكن المواد الإدمانية تختطف نظام المكافأة هذا وتستخدمه ضدك، فحين يتعاطى أحد الأشخاص المخدرات أو يتناول أي مواد تسبب الإدمان، فإن نظام الدماغ الحوفي يُطلق الدوبامين؛ وهو مادة تسبب مشاعر السعادة أو النشوة. ومع التعود على الإدمان لفترة طويلة، يتكيف الدماغ مع هذه الزيادات في الدوبامين عن طريق تقليل عدد المستقبلات التي تعالجه. وتجدر الإشارة إلى أن الدوبامين يسبب تغيرات في دورة المكافأة الدماغية والوصلات العصبية؛ ما يسهل تكرار العادات بطريقة مستمرة من خلال التعزيز، وإذا حاولت التوقف عن تناول المادة التي سببت لك الإدمان، سوف تشعر باكتئاب حاد لأن مستويات الدوبامين لديك اعتادت على تلك المواد الإدمانية. لهذا السبب؛ يبدو العديد من متعاطي المخدرات والكحول مكتئبين ويفقدون الاهتمام بالأشياء التي كانت تمنحهم السعادة في السابق.
  1. التغيرات في كيمياء الدماغ: يمكن للمواد المسببة للإدمان أن تغير كيمياء الدماغ، وخاصة الناقلات العصبية؛ حيث يمكن للمواد الإدمانية أن تجعل الخلايا العصبية تطلق كميات كبيرة على نحو غير طبيعي من الناقلات العصبية الطبيعية أو تمنع إعادة التدوير الطبيعي لهذه المواد الكيميائية في الدماغ عن طريق التدخل في الناقلات. وهذا أيضاً يؤدي إلى تضخيم الاتصال الطبيعي بين الخلايا العصبية أو تعطيله.
  2. تضرر مناطق مهمة في الدماغ: يؤدي تعاطي المواد الإدمانية إلى حدوث تضرر في مناطق معينة في الدماغ؛ مثل:
  • العقد القاعدية: التي تؤدي دوراً مهماً في تكوين العادات والروتين وتحفيز الأنشطة الصحية مثل الأكل والتواصل الاجتماعي وممارسة الجنس. ويسبب الإدمان تنشيط تلك العقد على نحو مفرط؛ ما يؤدي إلى نشوة المخدر. ومع التعرض المتكرر، تتكيف العقد القاعدية مع وجود المخدر؛ ما يقلل حساسيتها ويصعّب الشعور بالمتعة من أي شيء غير المخدر.
  • الفص الجبهي للدماغ: تعمل قشرة الفص الجبهي على تعزيز القدرة على التفكير والتخطيط وحل المشكلات واتخاذ القرارات وممارسة ضبط النفس على الدوافع؛ ولكن المواد الإدمانية تؤثر في هذا الجزء من الدماغ ومن ثَمّ يفقد الشخص القدرة على التحكم في تصرفاته، ويبحث عن المادة الإدمانية على نحو قهري.

كيف يصلح الدماغ نفسه في أثناء التعافي؟

غالباً ما يغير الإدمان بنية الدماغ ووظائفه؛ لكن على عكس الأعضاء الأخرى في الجسم، يتمتع الدماغ بقدرة رائعة على الشفاء وإعادة إصلاح نفسه، وذلك بفضل المرونة العصبية، ويشير هذا المفهوم إلى القدرة غير العادية للدماغ على إعادة تنظيم نفسه، سواء من حيث البنية أو الوظيفة.

وفي هذا السياق، يؤكد مختص الطب النفسي شون ليونارد (Sean Leonard) إن الدماغ يشبه غابة كثيفة بها عدد لا يُحصى من المسارات، وتشبه المرونة العصبية القدرة على إعادة توجيه هذه المسارات، وإنشاء مسارات جديدة أو تعزيز المسارات الحالية بناءً على الخبرة والتعلم، والحقيقة أن هناك نوعان من المرونة العصبية:

  1. المرونة العصبية الوظيفية: وهي تشبه الانعطاف في الطريق؛ إذا تلف طريق واحد بسبب الإصابة أو المرض، تُمكن للدماغ إعادة توجيه وظائفه من خلال مسارات عصبية أخرى؛ ما يضمن وصول المعلومات إلى وجهتها، وهذه القدرة على التكيف هي أمر بالغ الأهمية للتعافي من إصابات الدماغ.
  2. المرونة العصبية الهيكلية: وهي تتعلق بالتغيرات الجسدية داخل الدماغ، فتماماً كما تتطور المدينة بمرور الوقت وتضيف مباني وطرقاً جديدة؛ يمكن للدماغ أن يغير بنيته، ويحدث هذا النمو بصفة رئيسة من خلال تكوين نقاط الاشتباك العصبي الجديدة أو تقوية النقاط الموجودة.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى أهم 6 أنواع من الإدمان السلوكي وكيفية التخلص منها

ما الفرق بين التعافي الوظيفي والتعافي الهيكلي من الإدمان؟

أكدت الدراسة الطبية الحديثة التي أجرتها مجلة الكحول الدولية (Alcohol journal) خلال هذا العام إن الامتناع عن شرب الكحول يؤدي إلى تعافي بنية الدماغ، وللتأكد من أثر الامتناع عن تناول الكحول في بنية الدماغ، استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لتحليل أدمغة الأفراد الذين سعوا إلى العلاج من اضطرابات تعاطي الكحول وذلك على مدار 3-7 أشهر من الامتناع. وبعد ذلك، فحص الباحثون التغيرات في سمك القشرة الدماغية من كثب، وتلعب الأخيرة دوراً حاسماً في الوظائف المعرفية المختلفة.

وأوضح مؤلف الدراسة وأستاذ علم النفس العصبي، تيموثي دورازو (Timothy Durazzo)، إن هذه الدراسة أثبتت التعافي الذي يحدث للدماغ بعد الإدمان على الكحول، هذا إلى جانب الإصلاح الكبير للأنسجة العصبية وغير العصبية التي تسهم في سمك القشرة الدماغية.

وفي سياق متصل، نشرت المكتبة الوطنية للطب (The National Library of Medicine. NLM) مراجعة بحثية لدراسات التصوير العصبي الطولية من أجل استكشاف التغيرات المفترضة في الدماغ المرتبطة بالامتناع عن المخدرات لدى الأفراد الباحثين عن العلاج، وقد استكشفت هذه المراجعة 45 دراسة طبية استخدمت تقنية التصوير العصبي.

وتوصلت أغلبية تلك الدراسات إلى نتيجة مفادها أن الامتناع عن تناول المخدرات يؤدي إلى التعافي الهيكلي الذي يحدث في مناطق القشرة الأمامية والحصين والمخيخ. ولوحظ بالمثل التعافي الوظيفي والكيميائي العصبي في المناطق القشرية قبل الجبهية، ونتيجة ذلك؛ استخلصت الدراسة نتيجة بأن التعافي الهيكلي يسبق التعافي العصبي الوظيفي الذي يحتاج إلى فترات أطول من أجل تحسن كامل في الوظائف الإدراكية والعقلية. هذا ويوضح المختص النفسي حميد العبسي إن هذه الدراسات تشجع على إمكانية التوقف عن الإدمان وذلك بشرط الامتناع عن تناول المواد الإدمانية حتى يتحقق التعافي.