لكل منا غرائبه الخاصة؛ تلك العادات الفريدة وأنماط التفكير التي تميزنا عن غيرنا؛ مثل الرغبة الجامحة في المشي تحت المطر، أو خوض الأحاديث الطويلة مع النفس، أو التحوّل المفاجئ من الحالة المزاجية السعيدة، إلى الانطوائية والكآبة الحادة.
محتويات المقال
بالنسبة إلى البعض، هذه الخصائص الغريبة هي مجرد جوانب من الشخصية؛ وبقدر ما يبدو تجاهلها مريحاً لصاحبها، فإن آخرين قد يجدونها إشارة إلى مشكلة نفسية، فأين هو الخط الفاصل؟ متى تتحول هذه السلوكيات من أنها سمات محببة إلى ما هو أكثر من ذلك؟ إن فهم هذا التمييز ضروري لكل من يشكّ في حقيقة غرابته؛ إذ يساعده على تحديد إذا كانت سمته الغريبة آمنة لا ضير منها أم تستدعي العلاج النفسي.
ما هي الاختلافات الرئيسية بين التصرفات الغريبة والاضطراب النفسي؟
على الرغم من ضبابية الحد الفاصل بين غرابة الشخصية واضطرابات الصحة النفسية، فإنه يمكن البدء بتوضيح الاختلاف بينهما من خلال النظر في انعكاس كل منهما على الحياة الشخصية. فالغرابة الشخصية هي السمات الفريدة التي تجعلك أنت؛ إنها مجرد جزء من شخصيتك ولا تسبب بالضرورة أي مشكلات في حياتك اليومية.
في المقابل، تعد الاضطرابات الصحية النفسية أكثر خطورة؛ فهي تؤثر في حالتك المزاجية وسلوكك وتفكيرك، وتسبب الضائقة لك، كما تؤثر في قدرتك على العمل والتعامل مع الضغوط والمشاكل الروتينية. ومنها اضطرابات القلق والاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، واضطراب الوسواس القهري.
وفقاً للطبيبة النفسية كارولين فينكل (Caroline Fenkel)، يحدد المعالجون والأطباء النفسيون الاختلاف بين الغرابة والاضطراب النفسي بالنظر في ثلاث نقاط؛ هي:
1. تأثير السلوكيات الغريبة في الحياة اليومية
عندما يتعارض السلوك الغريب مع قدرتك على العمل بصورة طبيعية في الحياة اليومية، فعليك رفع راية حمراء تحذيرية، لأن العادات مهما كانت غريبة لا تعطل حياتك اليومية، ولا تؤثر سلباً على الآخرين بأي أسلوب. على الجانب الآخر، تعيق اضطرابات الصحة النفسية القدرة على التعامل مع الآخرين وإنجاز المهام اليومية والعمل.
على سبيل المثال، لنفترض أنك تتجنب أي مكان يتجاوز عدد الأفراد فيه 4 أشخاص. باعتبارها عادة، فهي غير ضارة طالما أنك تستطيع التغاضي عنها في وسائل النقل العامة أو الاجتماعات، لكن إذا تفاقمت إلى حد لا يمكنك فيه التركيز على المهام أو تضطر إلى مغادرة الاجتماعات لأنك تخشى العدد الكبير من الحضور، فإنها تصبح عائقاً أمام الأداء اليومي، وتشير إلى حالة أكثر خطورة مثل اضطراب القلق الاجتماعي.
انطلاقاً من هذه النقطة، يميز المختصون النفسيون بين استجابة الجسم الطبيعية للإجهاد والضغوط، وحالات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، من خلال الأعراض التي تؤثر بأسلوب واضح في الأداء اليومي للفرد.
اقرأ أيضاً: كيف تعرف إن كنت شخصاً خجولاً أم مصاباً باضطراب القلق الاجتماعي؟
2. الخطورة: ما مدى شدة السلوكيات؟
في حين أن كل شخص لديه سمات وعادات فريدة، فإن الطبيعة المتطرفة أو الخطيرة لهذه السلوكيات يمكن أن تكون مثيرة للقلق. على سبيل المثال، تخيل أن لديك عادة غريبة تتمثل في جمع الصحف القديمة؛ إذا لم تعرقل حياتك ستظل مجرد عادة غريبة مثيرة للاهتمام، لكن إذا كان منزلك مليئاً بالصحف إلى الحد الذي لا يمكنك معه التحرك أو دعوة الضيوف، فإنها تصبح مشكلة خطيرة تؤثر في حياتك اليومية وعلاقاتك.
بعبارة أخرى، إن شدة رد الفعل أو السلوك، وليس السلوك ذاته، يمكن أن يكون مؤشراً مهماً لمشكلات الصحة النفسية.
3. تكرار حدوث السلوك
إذا كان حدوث السلوك الغريب نادراً، فربما ليس ثمة ما يثير القلق. ولكن إذا كان متكرراً أو قهرياً ولا يمكن السيطرة عليه، فقد يشير إلى ما هو أكثر خطورة. وتوضح المختصة النفسية، سناء درادكه، أن العادات والأفكار الشخصية تختلف عن الوسواس القهري، إذ بينما يمكن أن يمارس الفرد عاداته أو يعيد التفكير بأفكاره الخاصة عدة مرات في اليوم الواحد، فإنها تكون في الوسواس القهري خارجة عن إرادته، ويكررها على نحو يتداخل مع العمل أو نمط الحياة، ولا يتمكن من التوقف عن ممارستها.
على سبيل المثال، لدى البعض عادة غسل اليدين بانتظام، وهو مهم من حيث الحفاظ على النظافة الشخصية والحماية من الإصابة بالأمراض، ومع ذلك، بالنسبة لشخص مصاب باضطراب الوسواس القهري، يمكن أن يصبح هذا السلوك قهرياً إلى الحد الذي يجعله يغسل يديه على نحو مفرط؛ خوفاً من الجراثيم أو التلوث.
من الجدير ذكره، أن العادات بطبيعتها متكررة، ولكن عندما تأخذ في الاعتبار مدى تأثيرها في حياتك وشدتها، يصبح التكرار دليلاً حاسماً على أنك قد تتعامل مع أكثر من مجرد عادة غريبة.
كيف تقيّم خطورة سلوكياتك الغريبة وتتعامل معها؟
إن الأمر كله يبدأ بالوعي الذاتي، فللحصول على صورة أوضح عن سلوكياتك الغريبة، ومدى تأثيرها في صحتك النفسية، كن صريحاً مع ذاتك، واطرح عليها الأسئلة التالية:
- هل يؤثر سلوكي وأسلوب إدارة عواطفي في حياتي إيجاباً أم سلباً؟ فكر بتمعن في كيفية تأثير أفعالك وآليات التأقلم في سعادتك ومهامك وعلاقاتك. هل تعيق تقدمك وتطورك؟ هل تؤثر في تعاملك مع الآخرين أو تنعكس سلباً عليهم بما يُلحق الضرر بعلاقاتك مع المقربين منك؟
- هل تظهر السلوكيات الغريبة في نمط يمكن التنبؤ به؟ دقق في مدى تكرار سلوكك، ثم حاول البحث عن محفزات له، أو أوقات معينة تشعر فيها بمزيد من التوتر أو الانزعاج والحاجة لمثل سلوكك الغريب. يمكن أن يساعدك فهم هذه الأنماط على الاستعداد وإنشاء استراتيجيات لإدارة هذه السلوكيات وآثارها.
- هل لدي خطة روتينية للحفاظ على الصحة النفسية؟ يعدّ وجود خطة ثابتة لإدارة التوتر والقلق والتعامل مع الصعوبات ومحفزات السلوك الغريب ضرورياً للحد من الآثار السلبية لهذا السلوك. قد يشمل هذا ممارسات مثل اليقظة الذهنية، وتدوين اليوميات، أو طلب المساعدة المختصة عند الحاجة.
اقرأ أيضاً: 3 خطوات تساعدك على التخلُّص من السلوكيات الصبيانية