ما الذي يجعلك تنغمس في أحلام اليقظة؟ وكيف تتخلص منها؟

4 دقائق
عالم الأحلام
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: قد يكون ممتعاً ولطيفاً أن تسمح لنفسك بالانغماس في عالم الأحلام بين الحين والآخر؛ لكن عندما تتداخل تلك الأحلام مع حياتك اليومية فقد تحتاج إلى مساعدة في التخلص منها.

هل تحب تخيُّل السيناريو الذي تقابل فيه مَن تحب على متن رحلة جوية، أو تبدي فيه رأيك بمديرك في العمل بكل صدق مع سماع هتافات زملائك وثنائهم على جرأتك دون أن تخشى طردك من العمل؟

لا بد أن معظمنا انغمس في عالم أحلام اليقظة هذا، وهو نشاط طبيعي وصحي للدماغ؛ إذ يمكن لهذه الخيالات والأحلام أن تساعدك على الهروب من الحياة الواقعية للحظة، أو حتى تدريب دماغك على إيجاد حلول إبداعية، وربما وضع الخطط المستقبلية.

لكن ماذا يحدث عندما لا تجد طريقك للخروج من عالم الأحلام، وتتحول أحلام اليقظة من تسلية لطيفة إلى إدمان قوي؟ إن هذا ما يُعرف بـ "أحلام اليقظة المفرطة"، ولحسن الحظ يمكنك استعادة نفسك من عالم الأحلام وإعادة السيطرة على حياتك باتباع أساليب محددة.

ما أسباب أحلام اليقظة المفرطة؟

صادف عالم النفس السريري إيلي سومر (Eli Somer) 6 مرضى يلجؤون إلى التخيلات بوصفها وسيلة لتهدئة آلامهم النفسية. على سبيل المثال؛ كان أحد المرضى قد انفصل مؤخراً عن شريكته إلا أنه واصل علاقته بها في خياله تجنُّباً للوحدة الشديدة. أما المريض الآخر، فقد كان يتخيل المحادثات التي تمنى لو كان قادراً على إجرائها في الواقع.

وثّق سومر ذلك الأسلوب تحت مسمى "أحلام اليقظة المفرطة" لأول مرة في دراسته التي نُشرت عام 2002 في "مجلة العلاج النفسي المعاصر" (Journal of Contemporary Psychotherapy)، وميزه عن الشرود الذهني الذي قد يختبره الشخص العادي في أفكار عابرة.

من جانبه، يشير المختص النفسي السعودي أسامة الجامع إلى أن أحلام اليقظة المفرطة هي وسيلة للهروب من الواقع أو التعامل مع الصدمة أو سوء المعاملة، ومحاولة لخلق عالم افتراضي يفعل فيه المصاب ما لم يستطع فعله في الواقع، فيسمح له بتجنُّب التفاعلات الحقيقية مع العائلة والأصدقاء واستبدال أوهامه الخاصة بهم، والانخراط بأحلام اليقظة أو التخيلات المنظّمة لفترات طويلة، حتى يجد صعوبة في التوقف أو حتى تقليل مقدار الوقت الذي يقضيه في أحلام اليقظة.

ووفقاً لدراسة نُشرت في دورية الوعي والإدراك (Consciousness and Cognition)؛ يقضي الذين يعانون أحلام اليقظة المفرطة ما لا يقل عن نصف ساعات استيقاظهم غارقين في عالم الأحلام، وغالباً ما تكون هذه العوالم مبنية وفقاً لحبكات معقدة تتطور على مدار السنين. وكذلك، يمكن لإعطاء الأولوية لقضاء الوقت في عالم متخيَّل على حساب العالم المادي، أن يخلق مشكلات في العمل والمدرسة وفي الحفاظ على علاقات وثيقة مع المحيط.

على الرغم من أن أحلام اليقظة المفرطة لم تُصنَّف ضمن الدليل التشخيصي الإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (DSM-5)، فإنها رُبطت بالوسواس القهري، واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، والإدمان السلوكي الذي ينطوي على الانخراط في الأنشطة ذات التأثير السلبي في الصحة النفسية والجسدية للفرد أو سلوكه.

ما أعراض أحلام اليقظة المفرطة؟

يعاني المصاب بفرط أحلام اليقظة واحداً أو أكثر من الأعراض التالية:

  • أحلام اليقظة الواضحة المعالم والتفاصيل والشخصيات ومسار الأحداث؛ مثل قصة تستمد أحداثها من الحياة اليومية، وتعكس عالماً داخلياً معقداً.
  • صعوبة إنجاز المهمات اليومية.
  • صعوبة النوم ليلاً.
  • الرغبة الملحّة في مواصلة أحلام اليقظة.
  • أداء الحركات والتحدث وارتسام التعابير على الوجه في أثناء أحلام اليقظة.
  • استمرار أحلام اليقظة لساعات.

تعرَّف إلى مقياس تشخيص الإفراط في أحلام اليقظة

لتحديد ما إذا كان الفرد مصاباً بأحلام اليقظة المفرطة، صمم عالم النفس السريري إيلي سومر مع فريق من الباحثين، استبيانةً بسيطةً لتقييم مستويات أحلام اليقظة غير القادرة على التكيف لدى المراهقين أو البالغين، وعلى الرغم من أنها لا تُعد أداة تشخيص طبية فإنها قد تساعد على تحديد شدة الأعراض، ويتضمن المقياس الأسئلة التالية:

  1. إلى أي مدى تُنشّط الموسيقا أحلام اليقظة؟
  2. عندما يقطع حدث من العالم الحقيقي أحد أحلام اليقظة لديك، ما مدى قوة حاجتك أو رغبتك في العودة إلى أحلام اليقظة في أقرب وقت ممكن؟
  3. كم مرة تكون أحلام اليقظة لديك مصحوبة بأصوات أو تعابير وجه مثل الضحك أو التحدث؟
  4. ما مدى حزنك بسبب عدم قدرتك على إيجاد وقت لأحلام اليقظة؟
  5. إلى أي مدىً تتعارض أحلام اليقظة مع قدرتك على إنجاز المهمات الأساسية؟
  6. ما مدى شعورك بالضيق حالياً بشأن مقدار الوقت الذي تقضيه في أحلام اليقظة؟
  7. ما مدى صعوبة الاستمرار في المهمة وإكمال الهدف دون أحلام اليقظة؟
  8. ما مدى شعورك بأن أنشطة أحلام اليقظة تتداخل مع تحقيق أهداف حياتك العامة؟
  9. ما مدى صعوبة تحكُّمك في أحلام اليقظة؟
  10. عندما يقاطع العالم الحقيقي أحد أحلام اليقظة لديك، في المتوسط​​، ما مدى شعورك بالانزعاج؟
  11. إلى أي مدىً تتعارض أحلام اليقظة مع نجاحك الأكاديمي المهني؟
  12. إلى أي مدىً تفضّل أحلام اليقظة على الانخراط مع أشخاص آخرين أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية أو الهوايات؟
  13. عندما تستيقظ في الصباح، ما مدى قوة دافعك لبدء أحلام اليقظة على الفور؟
  14. كم مرة تكون أحلام اليقظة لديك مصحوبة بنشاط بدني مثل السرعة أو التأرجح أو المصافحة؟
  15. إلى أي مدىً تجد أحلام اليقظة مريحة أو ممتعة؟
  16. إلى أي مدىً تعتمد أحلام اليقظة على الاستماع المستمر إلى الموسيقا؟ 

حدد نسبة الإجابة عن كل سؤال على مقياس من 0 إلى 100، ثم اجمع النتائج واقسمها على 16:

  • إذا كانت النتيجة أقل من 39 فأنت لا تعاني أحلام اليقظة المفرطة.
  • إذا كانت النتيجة 40 وما فوق فغالباً أنت تعاني فرط أحلام اليقظة.

وبالنسبة إلى الأطفال دون الـ 13 عاماً، فقد تكون النتائج أكثر أو أقل ويحتاجون إلى تشخيص سريري.

كيف تتخلص من الإفراط في أحلام اليقظة؟

نظراً لأنه لم يُعترف بأحلام اليقظة المفرطة بوصفها اضطراباً نفسياً مستقلاً فلا توجد علاجات محددة لها؛ لكن قد يلجأ مقدّمو الرعاية النفسية إلى العلاج بناءً على تشابهها مع الحالات ذات الصلة. وبصفة عامة، تُستخدم العلاجات التالية:

  • العلاج السلوكي المعرفي: هو أكثر أنواع العلاجات شيوعاً لبعض الحالات مثل الوسواس القهري والاكتئاب والقلق؛ إذ يمكن لهذا العلاج أن يساعد من يعاني أحلام اليقظة المفرطة على فهم أسباب هربه من الواقع وكيفية إدارته. وقد وجدت الدراسة المنشورة في "مجلة الصدمة والانفصام" (Journal of Trauma & Dissociation) أن العلاج السلوكي والمعرفي، إلى جانب التأمل الذهني لمدة 6 أشهر، قلل أحلام اليقظة بنسبة 50% لدى المشاركين في الدراسة.
  • العلاج الدوائي: يمكن لبعض العقاقير المستخدَمة لعلاج الوسواس القهري أن يخفف من أعراض أحلام اليقظة المفرطة.
  • تحديد المحفزات وتجنُّبها: لتحديد الأسباب الكامنة وراء فرط أحلام اليقظة والتخلص منها، يوصي سومر بتجربة الاستراتيجيات التالية:
  1. الحصول على قسطٍ كاف من النوم في الليل.
  2. ممارسة اليقظة والتأمل.
  3. تسجيل اليوميات، والاحتفاظ بمفكرة لتدوين الحالات التي تتسبب بأحلام اليقظة المفرطة، إلى جانب المشاعر والأفكار المرتبطة بها.
  4. منح نفسك المدح والثناء عندما تتمكن من إيقاف أحلام اليقظة والخروج منها.

إذا وجدت أحلام اليقظة تراودك على نحو متكرر، فمن الأفضل التحدث إلى معالج نفسي حول هذه المشكلة؛ لكن تذكَّر أن التغلب على أحلام اليقظة المفرطة يستغرق وقتاً وجهداً، فكُن صبوراً مع نفسك طوال هذه الرحلة واحتفل بالانتصارات الصغيرة على طول الطريق.