دراسة حديثة: الازدحام المروري قد يصيبك بالاكتئاب، فماذا تفعل لتخفيف تأثيره؟

5 دقيقة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هل سبق لك أن علقت في الازدحام المروري؟ ماذا كان شعورك وقتها؟ ربما شعرت بالتوتر في البداية خوفاً من التأخير ثم داهمك الإحساس بالغضب بعد ذلك. الحقيقة إن ثمة دراسة علمية حديثة أُجريت في كوريا الجنوبية أكدت أن الازدحام المروري قد يُصيبك بالاكتئاب، وحين اطلعت على هذه الدراسة لم أستغرب، فكوريا الجنوبية تُعد من أكثر البلدان التي يعلق سكانها في الزحام المروي، وإليك في هذا المقال تفاصيل الدراسة وتأثير الازدحام المروري في صحة الأفراد النفسية والجسدية.

باعتباري واحدة من سكان المناطق الحضرية، فإنني أستمتع بالعديد من الأنشطة المتعلقة بالحياة في المدينة؛ مثل الجلوس في المقاهي الكبرى وتناول الطعام في المطاعم المحلية الجذابة، وحضور الفعاليات الثقافية، ومقابلة أشخاص من خلفيات متنوعة؛ لكن على الرغم من أن العيش في مدينة كبيرة يمكن أن يوفر حياة ثرية مليئة بالصخب، فإن له بعض الجوانب السلبية؛ مثل الازدحام المروري الذي قد يجعلنا أيامنا صعبة ولا يمكن تحملها.

وعلى الرغم من أنه يبدو مشكلة صغيرة وسط المميزات السابقة، فإن ثمة دراسة علمية حديثة أُجريت في كوريا الجنوبية ونشرتها مجلة النقل والصحة (Journal of Transport & Health) في ديسمبر/كانون الأول 2023، أكدت أن الازدحام المروري يؤثر سلباً في الصحة النفسية، ويمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، وإليكم تفاصيل الدراسة في هذا المقال.

ما الذي توصلت إليه الدراسة حول الآثار النفسية للازدحام المروري؟

أُجريت الدراسة بكوريا الجنوبية التي من المعروف عنها أنها من الدول التي لديها أطول متوسط أوقات التنقل وأعلى معدلات الاكتئاب بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وحلل الباحثون بيانات 23,415 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 20 و59 عاماً.

وطلبوا منهم إجابة عدة أسئلة بناءً على مؤشر الرفاهية لمنظمة الصحة العالمية، وارتكزت الدراسة على فحص عدة عوامل مثل الجنس والعمر والتعليم والدخل والمنطقة والحالة الاجتماعية والمهنة وساعات العمل الأسبوعية.

ووفقاً للنتائج المنشورة؛ فإن الأشخاص الذين يقضون أكثر من 60 دقيقة في التنقل من العمل وإليه أكثر عرضة إلى الإصابة بالاكتئاب من الذين يقضون أقل من نصف ساعة.

وأكد الباحثون في الدراسة إن الازدحام المروري والبقاء لفترة طويلة في طرق التنقل يومياً يؤدي إلى قلة الوقت المتاح لدى الأفراد من أجل مكافحة التوتر اليومي ومقاومة التعب الجسدي وممارسة الهوايات والأنشطة الأخرى مثل التمارين الرياضية. وأشار الباحثون إلى أن الارتباط بين أوقات التنقل الطويلة وتفاقم أعراض الاكتئاب، أقوى بين العمال ذوي الدخل المنخفض.

اقرأ أيضاً: كيف أتغلب على الخوف من قيادة السيارة؟

كيف يؤثر الازدحام المروري في صحتك؟

يُعد الازدحام المروري مشكلة كبيرة في المناطق الحضرية، فهناك تختلط الضوضاء المرورية مع ملوثات الهواء المرتبطة بحركة المرور؛ حيث يسهم الهواء الملوث المنبعث من السيارات في تدني جودة الهواء على نحو كبير؛ ما يسبب تأثيرات مضرة بالصحة العامة؛ أهمها إلحاق الضرر بالجهاز العصبي المركزي.

وعلاوة على ذلك، تؤدي زيادة التعرض إلى أوكسيد النتروجين وأول أوكسيد الكربون والرصاص والجسيمات إلى ارتفاع احتمالية الإصابة بالأمراض النفسية، والجسيمات هي عبارة عن جزيئات صلبة صغيرة للغاية وقطرات سائلة معلقة في الهواء، وتأتي بصفة رئيسة من عوادم السيارات وحرائق الغابات.

وتؤكد ما سبق أستاذة علم النفس، هيلين فيشر (Helen Fisher)، بإشارتها إلى أن ارتفاع معدلات التعرض إلى ملوثات الهواء يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب والقلق، إلى جانب أن هناك بعض الآثار الصحية الخطِرة والطويلة الأمد لتلوث الهواء الناجم عن الازدحام المروري؛ مثل الإصابة بأمراض الرئة المزمنة والربو والسكتة الدماغية، بالإضافة إلى أن التعرض إلى ضوضاء المرور قد يزيد خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالقلب؛ مثل ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية.

ويمكن أن يسبب الازدحام المروري التوتر والقلق والغضب؛ إما نتيجة استخدام منبه السيارة على نحو مزعج، وإما لأن الأشخاص يشعرون بفقدان السيطرة على الموقف والعجز والإحساس بأنهم يعيشون تهديداً ما، فينشط لديهم الجهاز العصبي اللاإرادي (ANS)؛ وهو جزء من الدماغ مسؤول عن التحكم في وظائف الجسم التي لا توجَّه بوعي؛ مثل التنفس ونبضات القلب والهضم.

كما أن القلق قد ينتج أحياناً من جراء خوف الأفراد من الوصول إلى أعمالهم في وقت مبكر أو بسبب توجسهم من التعرض إلى التوبيخ من قبل مدرائهم. وفي حين أن الازدحام المروري في حد ذاته يمكن أن يسبب التوتر؛ إلا أن ثمة عوامل أخرى قد تزيد حدة التوتر والقلق مثل:

  1. المشاجرات التي تحدث على الطريق بين السائقين.
  2. الصراعات في المنزل أو العمل أو في أي مكان آخر؛ التي تنتقل إلى الطريق.
  3. السلوكيات المتهورة بسبب الازدحام المروري.

وقد يؤدي كل من الرحلات الطويلة والازدحام المروري إلى زيادة الشعور بالإرهاق؛ ويمكن أن يؤدي هذا الإرهاق إلى:

  1. ارتكاب الأخطاء.
  2. صعوبة التركيز.
  3. مشكلات التواصل مع الآخرين.
  4. صعوبة اتخاذ القرارات.
  5. سرعة الانفعال.
  6. نقص الطاقة.
  7. انخفاض الرضا الوظيفي.
  8. اضطرابات النوم.

وفي هذا السياق، يوضح مختص علم النفس السريري، صني جوزيف (Sunny Joseph)، إنه غالباً ما ينتقل التوتر الناجم عن الازدحام المروري إلى المنزل؛ حيث قد يوجه الشخص المتوتر غضبه نحو زوجته أو أطفاله، ويمكن أن يشكل هذا حلقة مفرغة ويؤدي بدوره إلى الغضب على الطريق أو القيادة المتهورة في المرة التالية التي يذهب فيها إلى العمل أو يعلق في ازدحام مروري.

وقد نشرت مجلة الاقتصاد العام (Journal of Public Economics) عام 2018، دراسة تحليلية أكدت من خلالها وجود صلة بين الازدحام المروري والعنف المنزلي؛ حيث أدى الازدحام المروري في مدينة لوس أنجلوس إلى زيادة حالات العنف المنزلي بنسبة 6%.

وأشار مؤلف الدراسة والخبير الاقتصادي في جامعة ولاية لويزيانا (Louisiana State University)، لويس فيليب (Louis-Philippe)، إلى أن ضغوط الحياة تعمل كمحفزات عاطفية، وفي بعض الحالات، يمكن أن تكون استجابات بعض الأشخاص إلى هذه المحفزات كبيرة جداً؛ ما يؤدي إلى وقوع العنف المنزلي.

مَن الأشخاص الأكثر تأثراً بزحمة المرور؟

إن سائقي السيارات والشاحنات وعربات الأجرة هم الأكثر تأثراً بالازدحام المروري؛ وذلك لأنهم يتعرضون كل يوم إلى قدر هائل من الضغط النفسي والعصبي، ولا يتلقون أي مساعدة حين يشعرون بالقلق والتوتر؛ ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تراكم تلك المشاعر السلبية التي تنطلق على هيئة غضب يُوجَّه على نحو خاطئ نحو الركاب والمشاة الآخرين.

وبالإضافة إلى هؤلاء، فإن الأشخاص الذين يعانون اضطرابات القلق واضطرابات الهلع هم الأكثر تأثراً أيضاً بالازدحام المروري؛ ويرجع ذلك إلى خوفهم الكامن في داخل كل منهم من عدم الحصول على المساعدة في حال حدثت مشكلة أو حادث مروري على الطريق.

اقرأ أيضاً: تقنية إعادة الهيكلة المعرفية: كيف تستمد الإيجابية من المواقف السلبية؟

6 نصائح لتتغلب على الآثار النفسية الناتجة من الازدحام المروري

نظراً إلى أنك لا تستطيع تجنب التنقل في الطرق؛ فأنت بحاجة إلى التغلب على آثار الازدحام المروري وجعل الرحلة ممتعة، أو على الأقل أقل إرهاقاً، ويمكنك تحقيق ذلك من خلال اتباع النصائح التالية:

  1. جرّب الابتعاد عن الخروج في أثناء ساعات الذروة: السبب الأكثر أهمية الذي يؤدي إلى الازدحام المروري هو أننا جميعاً نخشى التأخر عن العمل؛ ولهذا يخرج الملايين في الوقت نفسه كل يوم صباحاً. وحتى تتجنب الازدحام المروري، وفي الوقت نفسه لا تتأخر عن عملك، اخرج مبكراً قليلاً؛ لأن التأخر عن العمل سيزيد مستويَي التوتر والقلق لديك، وقد يُبقيك منزعجاً طوال اليوم ويُضعف إنتاجيتك.
  2. تعامل مع وقت الازدحام المروري على أنه وقتك الخاص: بدلاً من القلق والتوتر والغضب، تعامل مع وقت الازدحام المروري على أنه وقتك الثمين الخاص. على سبيل المثال؛ يمكنك تشغيل موسيقا هادئة أو قراءة كتاب أو الاستماع إلى بودكاست هادف. ستشتت هذه الأنشطة انتباهك عن الضوضاء الخارجية وتساعدك على البقاء هادئاً.
  3. تناول وجبة فطور صحية متكاملة: الشخص الجائع عادة ما يكون أكثر غضباً من غيره؛ لذلك احرص على تناول وجبة فطور متكاملة العناصر الغذائية قبل خروجك إلى العمل، وإذا كنت ستقود سيارتك إلى هناك، تجنب قدر الإمكان الجدال مع السائقين الآخرين، وتذكر أن هذه الإجراءات البسيطة الصغيرة ستساعدك كثيراً على التعامل مع الآثار السلبية الناجمة عن الازدحام المروري.
  4. اقضِ بعض الوقت في الهواء الطلق بعيداً عن أجواء المدينة: إذا كنت تقضي معظم أوقاتك بين المباني الخرسانية، فإنك ستشعر بالتوتر؛ ولهذا جرب قضاء بعض الوقت في الطبيعة بعيداً عن زحمة المدينة، واستنشق بعض الهواء المنعش.
  5. لا تلجأ إلى التسويف والمماطلة: إذا حدث ووجدت نفسك عالقاً في الازدحام وستتأخر، اتصل بالعمل وأخبرهم بأنك ستتأخر بعض الوقت. وفي هذا السياق، توضح مستشارة الصحة النفسية، لمى الصفدي، إن اتصالك سوف يخفف عنك عبء التوتر والقلق. وتضيف الصفدي إنك يجب ألا تخبرهم في العمل بأنك ستتأخر مدة 5 دقائق ثم تتصل مرة أخرى وتخبرهم بأنك ستصل بعد 10 دقائق؛ وضح موقفك من البداية حتى لا ينتابك القلق الشديد.
  6. توقف عن محاولة السيطرة على مجريات حياتك كلها: إذا فعلت جميع ما في وسعك لتجنب الازدحام المروري ولم تنجح، حاول التعامل مع هذا الوضع، وتذكر أنه لا يمكنك التحكم في مجريات الأمور كلها؛ ولكن يمكنك التحكم في رد فعلك تجاه تلك الأمور. لا تتوقع التخلص من كل شعور سلبي؛ إذا شعرت بالانزعاج فلا بأس بذلك، تقبَّل ما تشعر به في اللحظة الحالية ثم انتقل إلى اللحظة التالية.