هل يُصاب الأطفال بالاحتراق النفسي أيضاً؟

4 دقائق
الاحتراق النفسي

في البداية؛ كان هناك الاحتراق الوظيفي، ثم ظهر احتراق الأمهات، والآن؛ أتى دور الأطفال ليعانوا من الاحتراق النفسي أو العصبي الذي يمكن أن يؤدي بهم إلى انهيار حقيقي، وحتى الاكتئاب. تؤكد عالمة النفس ومؤلفة كتاب "الاحتراق العصبي لدى الأطفال" (Le Burn-out des enfantsبياتريس ميليتر، أنها تستقبل أسبوعياً أكثر من خمسة أطفال يعانون من الاحتراق العصبي في عيادتها، وتحذّر من هذا "الوباء" المقلق.

الاحتراق مصطلحٌ قاسٍ على الأطفال. هل يمكن حقاً أن يُصاب الأطفال بالاحتراق تماماً مثل البالغين الذين يُصابون به نتيجة العمل؟

تقول بياتريس ميليتر: "أدرك أن هذا مصطلح قاسٍ ومخيف؛ لكن أطفالنا -وأنا لست أول من قال ذلك ونشر حول هذا الموضوع- يتعرضون للضغط لسنواتٍ طويلة، وهي ضغوطٌ قاسية أيضاً. أستطيع القول الآن إن الأطفال باتوا يصابون أيضاً بالاحتراق، لأنني أرى الأطفال يصلون إلى عيادتي وهم ليسوا مجهدين وحسب؛ بل وحتى مرهقين. تشبه حالتهم حالة البالغين الذين يعانون من الاحتراق الوظيفي تماماً. كانوا يعانون من الإرهاق العصبي؛ والذي يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب إذا لم يتم علاجه. كما في حالات الاحتراق الوظيفي لدى البالغين؛ أرى لدى الأطفال نفس العلامات التحذيرية، ونفس الأعراض وأنماط الشخصية الأكثر ضعفاً".

ما هي الأعراض؟ ما هي العلامات التي يجب أن ينتبه إليها الوالدان؟

هناك مرحلتان متمايزتان في الاحتراق؛ أولاً الإرهاق، ثم الانهيار. هناك حدٌ فاصل بين الاثنين، وبمجرد تجاوز هذا الحد، يصبح الموقف مقلقاً للغاية، وترتفع مخاطر الإصابة بالاكتئاب ومحاولة الانتحار أو الميل إلى السلوك الانتحاري. العلامات التي يجب الانتباه إليها قبل تجاوز هذا الحد هي:

- التعب: الأطفال يعانون من الإرهاق المستمر من الصباح إلى الليل وحتى بعد العودة من الإجازة.

- اضطرابات النوم: والتي يمكن ربطها بالإرهاق الشديد، فالأطفال مثلنا؛ كلما زاد إرهاقهم، قلت قدرتهم على النوم.

- التهيج الشديد للغاية، وفرط الحساسية: يبكي الطفل بسهولة، ويُصاب بنوبات غضبٍ متكررة غير مبررة بالضرورة أحياناً، وفي المراحل المتقدمة من الإرهاق، غيابٌ تام للمنطق على الصعيدين الفكري والسلوكي (غالباً ما يتم التعبير عن ذلك من خلال تفكير أو سلوك الطفل الذي يتعارض تماماً مع ما يقوله أو يفعله للتو؛ والذي يعتبره البالغون مجرد تقلّبٍ للمزاج).

- صعوبات مفاجئة في المدرسة: مشاكل التركيز والتحفيز والفهم وفقدان الثقة... إلخ.

ماذا تفعل في هذه المرحلة؟

دع الطفل يأخذ استراحةً أو فترة نقاهة فوراً، كما لو كان يأخذ استراحةً في حال كانت رجله مكسورة؛ لكن لم يفت الأوان في هذه المرحلة، وقد تكون الراحة القسرية كافية حينها. من المهم للغاية عدم الانتظار حتى يصل الطفل إلى مرحلة الإرهاق الكامل، وضع في اعتبارك التوقف عن إرسال طفلك إلى المدرسة لبعض الوقت كي ينال قسطاً كافياً من الراحة. ولتجنب حدوث ذلك مرةً أخرى؛ من الأفضل أيضاً مراجعة طبيبٍ نفسي أو طبيب أطفال.

ماذا لو فات الأوان؟ وأصيب الطفل بـ "الاحتراق النفسي"؟

حينئذٍ، تصبح المساعدة المهنية أمراً لا بدّ منه. يجب أخذ الطفل إلى المستشفى أو على الأقل إلى عيادة طبيبٍ مختص ليحصل على المساعدة النفسية. يكون الطفل المصاب بالإرهاق مشوشاً تماماً، ويعاني من اضطراب مؤقت في الهوية، وتتطلب حالته إعادة بناء كل شيء شيئاً فشيئاً من جديد.

كيف يمكن أن يصل الطفل إلى هذه الحالة؟

هناك عدة عوامل؛ ولكن غالباً ما يكون سببها نفس الأمر، سواء كان من يقف وراءه الأسرة أو المدرسة أو المجتمع: النجاح. في الواقع؛ يُدفع الطفل إلى كماليةٍ لا يستطيع تحقيقها، يريدون منه أن تكون درجاته عاليةً في المدرسة، وأن يكون متميزاً في العديد من الأنشطة التي يقوم بها في أوقات فراغه، وأن يتعلم كيفية التصرف كالبالغين، أن يكون مستقلاً ومسؤولاً في سن مبكرة... لديهم جدول زمني ممتلئ ويتحملون الكثير من الضغوط في كل ما يفعلونه. وفي الوقت نفسه؛ يعملون في بيئةٍ تشوبها الكثير من الأشياء المتناقضة. لماذا يُطلب منه ألا يرتكب أي أخطاء في الإملاء مثلاً بينما المعلم نفسه قد يرتكبها، ولماذا يجب عليه الذهاب إلى المدرسة إذا كان مريضاً أو كان المعلم غائباً ولا يوجد بديل عنه. يريدون منه أن يكون بلا أخطاء في عالمٍ لا يوجد فيه أحد بلا أخطاء، وأن يفعل المزيد دائماً. ومهما فعل، فإنه يشعر أنه لا يكفي أبداً. وبالتالي، فإن جميع الظروف التي تهيئ الطفل للإصابة بالاحتراق العصبي موجودةٌ بالفعل.

لماذا قد تعتبر أن الضغط على الطفل في المدرسة مفيد؟

وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة حول هذا الموضوع، فإن واحداً من كل شخصين بالغين يشعر بعدم اليقين. مع أخذ ذلك بعين الاعتبار؛ من المرجح أن يفعل الآباء كل شيء لدفع أطفالهم للنجاح في الحياة بهدف حمايتهم في المستقبل؛ لكن الخطورة تكمن في ممارسة ضغوطٍ كبيرةٍ عليهم، بالإضافة إلى نقل مخاوفنا تلك إليهم. وهنا مرة أخرى؛ نواجه الإرشادات المتناقضة التي يفرضها علينا مجتمعنا؛ ما زلنا نعتقد أن النجاح يعتمد على التعليم رغم أننا نرى أعداداً متزايدة من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل.

كيف نقي أطفالنا من الإصابة بالاحتراق؟

بالنسبة للمدرسة؛ علينا أن نبدأ بطرح سؤالٍ على أنفسنا: لماذا نريد من أطفالنا أن يحققوا درجاتٍ كاملةً في المدرسة؟ في النهاية؛ لا أحد لديه إجابةٌ على هذا السؤال. أقترح على أولياء الأمور التفكير بالأمر بطريقةٍ أخرى؛ وهي أن الطفل يذهب إلى المدرسة ليتعلم، وإذا انتقل من فصل إلى آخر بمعدل متوسط، فذلك يعني أن الطفل يبذل ما بوسعه، كتلميذٍ وكطفل. أي معدلٍ أعلى من المتوسط هو أمر جيد، ومن الضروري أن نتبنى هذا المنظور كذلك كي يتعلم الطفل بهدوء.

بعد ذلك؛ من الضروري مشاركة الوقت مع أطفالك: قضاء وقت ممتع معهم، ببساطة ودون ضغوط. وتوقفوا عن قول "يجب أن يشعر الأطفال بالملل!". في الواقع؛ يجب أن يتعلم الطفل كيفية العناية بنفسه، والاستفادة من الوقت الذي يمر، واللعب وقراءة الكتب والرسم، والنظر إلى الغيوم في السماء، والاستمتاع باكتشاف الأشكال فيها، وأن ينظروا إلى المناظر الطبيعية عبر النافذة، وأن يطرحوا علينا ما يحلو لهم من الأسئلة. لذلك علينا كآباء أن نتعلّم الكثير من الأشياء لمساعدة أطفالنا في الابتعاد عن الاحتراق النفسي أو العصبي، وخصوصاً ترك هواتفنا التي تأخذ كل وقتنا لقضاء بعض الوقت مع أطفالنا. قد يبدو هذا تافهاً؛ لكنه ليس كذلك. في الحقيقة؛ للهواتف الذكية تأثير كبير على علاقتنا بمن حولنا، وعلى طريقة عيشنا للحظة الحالية، إنها تمنعنا من التركيز على ما نقوم به. يجب علينا نحن الكبار أيضاً أن نتعلم الاعتناء بأنفسنا بطريقةٍ مختلفة، وأن نكون قدوةً حسنةً لأطفالنا.