لماذا الأمهات العاملات عرضة للاضطرابات النفسية؟

4 دقائق
الأمهات العاملات

تعاني الأمهات العاملات بطبيعة الحال، من حقيقة تعدد المسؤوليات خارج المنزل؛ ما يتطلب منهن الاهتمام والوقت والجهد الكبير.

في نفس الوقت؛ تتضاعف تلك المعاناة حتى تصل لمستويات مرتفعة من شأنها العبث بالاستقرار النفسي لهؤلاء الأمهات، وتصبح الاضطرابات النفسية والعقلية أمراً محتوماً في ظل وجود واجبات منزلية تتطلب نفس ذلك الحضور الذهني والتركيز والاهتمام والوقت والجهد.

بحسب دراسة علمية نُشرِت من جامعة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة؛ تستحوذ النساء على الكثير من الاهتمام في الأوساط العلمية، على اعتبار أنهن أكثر عرضةً للإصابة باضطرابات نفسية وعقلية مختلفة.

وتشير الباحثة والأستاذة المساعدة بجامعة الشارقة عائشة حمدان، في هذه الدراسة المنشورة بعنوان "احتياجات الصحة النفسية للمرأة العربية" (Mental Health Needs of Arab Women)، إلى أن انتشار الأمراض النفسية في المنطقة العربية، مماثل لتلك الموجودة في أجزاء أخرى من العالم؛ بما في ذلك الاكتئاب واضطرابات القلق واضطرابات الأكل.

دعونا نلقي معاً نظرة على المعاناة النفسية والعقلية للأمهات العربيات العاملات، ثم نتعرف إلى كيفية توفير الدعم المناسب واللازم لهن.

المعاناة النفسية والعقلية للأمهات العربيات العاملات

تبدأ المعاناة النفسية والعقلية للأمهات العربيات حتى قبل أن يصبحن أمهات عاملات؛ نظير انخفاض نسب مشاركتهن الملحوظة في القوى العاملة مقارنةً بأقرانهن في بقية دول العالم.

مشاركة الإناث في القوى العاملة في الدول العربية

عموماً؛ تشير أرقام البنك الدولي (The World Bank) إلى أن معدل مشاركة الإناث في الدول العربية بلغ نحو 20.6%، وهي نسبة منخفضة نسبياً عند مقارنتها بالمعدل العالمي الذي بلغ نحو 39.2%، حسب تقديرات عام 2020.

وعلى سبيل المثال؛ تحتل الجمهورية العربية اليمنية المركز الأخير من حيث معدل مشاركة الإناث على مستوى الدول العربية والعالم أجمع، بنسبة بلغت نحو 8.3%، أما المركز الأول بين الدولة العربية فهو لجزر القمر بنسبة بلغت نحو 36.9%.

وفي نفس السياق؛ سجلت دول الخليج وجمهورية مصر العربية مراكزَ متراجعةً مقارنةً ببقية الدول العربية وبعض دول العالم الأقل دخلاً منها.

فعلى سبيل المثال؛ بلغ معدل مشاركة الإناث في الإمارات العربية المتحدة نحو 16.7%، وفي مملكة البحرين 19.4%، وفي المملكة العربية السعودية نحو 20.9%، وفي مصر 18.7%، وفي الكويت 24.5%، وفي قطر 13.8%، أما في سلطنة عمان 12.3%.

في المقابل؛ يبدو الحال أفضل بشكل ملحوظ في بعض دول شمال إفريقيا العربية، فقد بلغ معدل مشاركة الإناث في المغرب مثلاً نحو 25.7%، وفي تونس نحو 28.3%، وفي موريتانيا نحو 30.8%، وفي ليبيا نحو 35.8%.

قلة الأبحاث العلمية المنشورة

قليلة هي الدراسات التي تحلل المعاناة النفسية للأمهات العربيات العاملات، وتكاد تنعدم في كثير من الدول العربية.

أوضحت دراسة منشورة بجامعة الأردن للعلوم والتكنولوجيا عام 2021، أن الأمهات العاملات -عموماً- قد يَحتجن إلى العودة لمنازلهن؛ حيث يجب عليهن إكمال الأعمال المنزلية مثل الطهو والتنظيف، وغيرهما من الأعمال المنزلية التي ترهقهن عقلياً وجسدياً.

وفي نفس الدراسة؛ تواجه الأمهات العاملات نسباً مرتفعة من عواقب كونهن مقدمات للرعاية، تتمثل في صعوبة التكيف واضطرابات التوتر والاكتئاب واليأس (hopelessness)، وإجمالاً تأثُّر جودة حياتهن.

المهام المنزلية الجندرية

بحسب رسالة ماجستير نشرها معهد دراسات المرأة في كلية الدراسات العليا بجامعة بيرزيت الفلسطينية، تحت عنوان "التوجهات حول تقسيم العمل المنزلي بين الأزواج: حالة الزوجات الفلسطينيات العاملات"؛ تشير سوسن كنعان إلى تُغيّر ملحوظ في زيادة مساهمة المرأة في سوق العمل؛ ما ساهم في إحداث خلل يتطلب تغيير التقسيم الجندري التقليدي للأدوار المنزلية.

وبطبيعة الحال، فحسب تعبير الباحثة؛ تنقسم هذه الأدوار المنزلية التقليدية إلى مهام أنثوية تكون روتينية متكررة ومستمرة كالطبخ وغسل الملابس والتنظيف وغيرها.

على النقيض، فالمهام الذكورية تكون متقطعةً وأكثر مرونةً وأقل استهلاكاً للوقت؛ حيث تضم تلك المهام تصليحات المنزل والسيارة وأعمال الحديقة ورمي النفايات وغيرهم.

وقد اعتادت النساء على تحمّل كل المهام الإنجابية، وجميع ما يتعلق بها، مع ترك المهام التي تدور حول الإنتاجية واقتصاد المنزل لأزواجهن؛ إلا أن ذلك -في المقابل- أدى إلى خلق نوع من التمايز السلبي عند انتقال النساء العاملات -وخصوصاً الأمهات- إلى سوق العمل، ومن الممكن وصف ذلك التمايز من خلال ظهور حالات من عدم توازن الجهد والإحباط وعدم الرضا.

إجمالاً؛ تعطي هذه الدراسة فكرة بسيطة من الممكن تعميمها بين الملايين من الأمهات العاملات العربيات.

كيف نوفر الدعم المناسب واللازم؟

تخبرنا كلير كَين ميلر؛ الكاتبة في صحيفة "ذا نيويورك تايمز"، في مقالتها "الأمهات العاملات يكافحن. إليك ما قد يساعد" (Working Moms Are Struggling. Here’s What Would Help)، عن كيفية توفير الدعم المناسب واللازم للأمهات العاملات.

قسّمت ميلر الدعم المطلوب منّا تقديمه إلى ثلاثة مستويات: دعم جهات العمل، ودعم الحكومات، ودعم الأفراد.

أولاً؛ تستطيع جهات العمل دعم الأمهات في سوق العمل من خلال:

  • الحرص على توفير جداول عمل مرنة تحتوي كُلاً من العمل الجزئي أو الإجازات غير المدفوعة.
  • العمل على تغطية تكاليف رعاية الأبناء.
  • الحرص على معاملة مقدمي الرعاية بكثير من التعاطف.
  • السماح للأمهات بالعمل بالطريقة الأنسب لهن.

ثانياً؛ تستطيع الحكومات دعم الأمهات في سوق العمل من خلال:

  • تقديم الدعم المادي اللازم في ظل استمرار جائحة كوفيد-19.
  • الحرص على دعم الأسر ذات الدخل المنخفض.
  • دعم جهات العمل التي تحافظ على موظفيها أو توظف الأمهات.
  • الحرص على فتح المدارس في أقرب وقت.
  • العمل على استدامة الحلول الإبداعية.

أخيراً؛ يستطيع الأفراد دعم الأمهات في سوق العمل من خلال:

  • مساهمة الرجال، الأزواج، في الأدوار المنزلية بشكل فعّال، فمن الممكن للآباء الاعتناء ببعض احتياجات أبنائهم؛ كتلك التي تتطلب حجز موعد مع طبيب الأسرة أو التواصل مع المدرسة.
  • مساهمة الصديقات بأي شيء يمكن فعله؛ كرعاية الأطفال والترفيه عنهم.
  • مساهمة المجتمع ككل. على سبيل المثال؛ توفير الرعاية الصحية أو الدعم التعليمي للأمهات وعوائلهن.

في الختام؛ لا يمكن في الحقيقة حصر جميع أنواع المعاناة التي تؤثر في الصحة النفسية والعقلية للأمهات العربيات العاملات. يجب علينا جميعاً أن نبادر لنفهم تلك المعاناة النفسية والعقلية من جميع النواحي حتى نستطيع تقديم الدعم الأنسب لمن هم حولنا.

فالمعاناة النفسية والعقلية للأمهات العربيات العاملات لا تتوقف عند الاضطرابات النفسية التي يمكن تقييمها من قبل مختصي الصحة النفسية؛ بل تشمل المحددات الاجتماعية كالمهام الجندرية المنزلية والمجتمعية، والحواجز الثقافية واللغوية، والتحديات المستقبلية؛ كنسب التوظيف، وغياب الممكنات الحقيقية، والحوافز الاقتصادية، للمساهمة بشكل فعّال في القوى العاملة.