تتعدد أسباب الاستشارة التي يمكن أن تقود الطفل ووالديه إلى عيادة الطبيب، سواء تعلق الأمر بتأخر في النمو أو صعوبات أسرية أو مشكلات دراسية. متى يكون يجب عليك استشارة المعالج النفسي وكيف تعرف إن كان عليك استشارة الطبيب؟ وإلى من تلجأ؟ وما الذي تتوقعه من الرعاية النفسية؟ فيما يلي خمسة أسئلة يتعيّن طرحها قبل القيام بهذه الخطوة أو الإحجام عنها.
- ما الداعي إلى استشارة المعالج النفسي؟
- متى تتم استشارة الطبيب النفسي؟
- من هو الأخصّائي الذي يجب اللجوء إليه؟
- ما هي مقومات الرعاية النفسية؟
- ما الذي يجب توقعه من العلاج النفسي للطفل؟
منذ عشر سنوات أصبح الطب النفسي للأطفال في فرنسا متاحاً للجميع، وأصبحت أعداد الأسر التي تأخذ أبناءها إلى عيادات الأطباء النفسيين تتزايد كل عام. وإذا كان أحد أسباب هذا التزايد هو دور دكاترة الطب العامّ وأطباء الأطفال، المعروفين بإحالتهم للمرضى إلى الأخصائيين وخبرتهم في ميدان التشخيص المبكر للأمراض، فإن ذلك ليس هو السبب الوحيد. تقول أنييس باغكاد؛ أخصّائية الطب والتحليل النفسي للأطفال: "إن التغيّرات التي يعرفها المجتمع على الخصوص، هي التي تؤدي إلى طرح مشكلات جديدة"، مضيفةً: "لقد رأينا مع ارتفاع أعداد حالات الطلاق- على سبيل المثال- إقبالاً متزايداً على الاستشارة النفسية من الأسر ذات الوليّ الواحد وأُسر الرّبائب. كما أن هناك حالات الإدمان على المخدرات والكحول، وأيضاً حالات الاكتئاب التي تصيب عدداً متزايداً من صغار المراهقين؛ بل والأطفال أحياناً. ناهيك عن الوالدين اللذين يشعران بالقلق لأنهما يعتقدان أن طفلهما قد يكون مصاباً بالتوحد، أو يمتلك ذكاءً مبكراً فائقاً". وتقول باغكاد: "إذا حاولنا توصيف الظاهرة بالنِسب، فإنني أعتقد أن تلميذاً واحداً على الأقل في كل فصل يخضع اليوم للعلاج النفسي".
ما الداعي إلى استشارة المعالج النفسي؟
من المستحيل حصر جميع أسباب الاستشارة هنا، لأنها يمكن أن تكون عديدةً ومتنوعة، خصوصاً أن الأعراض (اضطرابات النوم أو الأكل، الحزن، إلخ) هي أوّل ما يقلق الوالدين وينبّههما في كثير من الحالات، فبمجرد أن يشعر الطفل أو والداه أو هما معاً بانزعاج ما، أو صعوبة معينة، فكلّ شيء يمكن أن يصبح حينها سبباً لطلب الاستشارة النفسية. تروي أنييس باغكاد في هذا السياق حالة إحدى الأمهات قائلةً: "قبل فترة زارتني أمّ وأخبرتني أن ابنتها مصابة بالإمساك. ومن المعروف أنني لست أخصّائية في أمراض الجهاز الهضمي؛ ولكن مع تقدّمنا في الحديث اتّضح لي أن المشكلة التي تعاني منها البنت تتعلق بمسألة تعلّم عادات النظافة. لم تكن هذه الأم ترغب في التخلص من الحفاضات وتعليم طفلتها قضاء الحاجة في القعادة؛ إذ لم يكن لديها- كما تقول- وقت كافٍ. ووراء عُذر قد يكون تافهاً، تختفي في كثير من الأحيان مشكلة حقيقية يجب حلّها، وبمجرد أن تلجأ إليّ أسرة ما طلباً للعلاج، يصبح واجباً عليّ مساعدتها".
- اقرأ أيضا: ما هي أعراض داء باركنسون؟
ومع ذلك، فمن الممكن تحديد الأسباب الأكثر شيوعاً لطلب الاستشارة حسب الفئات العمرية المختلفة من الأطفال كما يلي:
- قبل بلوغ الأطفال سن 3 سنوات تهمّ الاستشارات أساساً أشكال التأخر في النمو (اكتساب المشي أو التكلّم...) واضطرابات النوم والشك في وجود حالة توحد؛ وهي حالات تولّد خوفاً كبيراً لدى الوالدين.
- بعد تجاوز الأطفال سن 3 سنوات، ومع التحاقهم برياض الأطفال، تهمّ الاستشارات حالات الأطفال الذين يجدون صعوبةً في الانفصال عن والديهم، وأولئك الذين لا يستطيعون التركيز في المدرسة أو الذين يعانون من مشكلات التكيّف الاجتماعي (يعضّون أو يضربون الأطفال الآخرين على سبيل المثال).
- اقرأ أيضا: 10 أسئلة وأجوبة عن العلاج بالتنويم المغناطيسي.
- في مستوى الصف الأول من التعليم الابتدائي؛ الذي يمثل سنةً مفصليةً، تظهر المشكلات المدرسية بشكل خاص (عسر القراءة، النضج المبكر، فرط النشاط...).
- بين الصف الثالث والسادس تظهر عموماً مشكلات عدم النضج، خاصةً عند الأطفال الذين لا يستطيعون أداء واجباتهم المدرسية بمفردهم أو الذين يجدون صعوبةً في التكيّف في المدرسة الإعدادية. كما ترِدنا طلبات استشارة أيضاً بخصوص الأطفال الذين يتعرّضون لأي سبب من الأسباب لسخرية الآخرين ويعانون منها.
- في السنة الرابعة والثالثة من المستوى الإعدادي ننتقل مباشرة إلى المشكلات المرتبطة بالمراهقة (إيذاء النفس، فقدان الشهية، الشّره المرضي، إدمان الكحول، إدمان المخدرات...).
- تهم الفترة المفصلية الأخيرة ولوج المرحلة الثانوية؛ حيث تبرز الصعوبات المتعلقة بالتوجيه ومعارضة الوالدين ومشكلات الجنس.
متى تتم استشارة الطبيب النفسي؟
تكشف أنييس باغكاد أن: "الأسرة تدرك عموماً أنه يتعين عليها التصرف عندما تستنفذ كل ما في وسعها. عندما تبدأ المشكلة والمعاناة المصاحبة لها في ترك آثار حقيقية على الأسرة بأكملها، يتوجب حينها طلب الاستشارة"، مضيفةً أن "اللجوء للطب النفسي مسألة نسبية، فيمكن أن يعاني جميع الناس من تقلبات المزاج. يمكنهم أن يمروا بأيام على ما يرام، وأيام أخرى أقل راحةً؛ ولكن عندما يصبح هذا الوضع غير محتمل بالنسبة لفرد واحد أو أكثر من أفراد الأسرة، يصبح ذلك بمثابة إشارة إلى ضرورة طلب الاستشارة"، وتؤكد أنييس باغكاد هنا أيضاً أنه من المستحيل تقديم إحصائيات حول هذه الحالات أو قياسها؛ ولكن إذا كانت لدى الأسرة أيّة شكوك، فيمكن أن يكون رأي ونصيحة دكتور الطب العام أو طبيب الأطفال الخاص بالعائلة مفيدَين، خاصةً أنه يستطيع إحالة الوالدين لزملائه الأخصّائيين.
من هو الأخصّائي الذي يجب اللجوء إليه؟
هل يجب اللجوء إلى طبيب نفسي أم أخصائي الطب النفسي للأطفال؟ هل نلجأ إلى عيادة طبيب حر أم إلى مراكز الطب النفسي التربوي؟ ليس من السهل دائماً على الآباء معرفة الجهة التي سيطلبون منها المساعدة. تقول أنييس باغكاد بهذا الخصوص: "إذا كانت الأسر ترغب في استشارة أخصّائي مرخص له بتقديم وصفات الأدوية والفحوصات الإضافية (المهارات النفسية، علاج النطق...)، ويتم تعويض استشاراته عن طريق التأمين الصحي، فالأنسب هو اللجوء لأخصّائي الطبّ النفسي للأطفال.
اقرأ أيضا: طفلي يضربني عمره سنة ونصف.
وليس من الضروري في هذه الحالة أن يكون الطبيب العام وراء ذلك؛ بل يمكن اللجوء مباشرةً للطبيب النفسي للأطفال. لكن بالمقابل إذا كانت الأسرة ترغب في التعامل مع المشكلة عبر الحوار والمحادثة، فقد يكون الطبيب النفسي العام مناسباً تماماً لذلك. وعلى الرغم من أن إخضاع الأطفال للتحليل النفسي يبقى أمراً نادراً، فإن اللجوء للمحلّل النّفسي (بصفته محللاً نفسياً فقط، أو محللاً وطبيباً نفسياً، أو محللاً وطبيباً نفسياً للأطفال) يمكن أن يتيح علاجاً مختلفاً؛ خصوصاً من خلال تحليل الرسومات أو أحلام الطفل- وهو أمر يمكن أن يكون مهمّاً للغاية في إطار علاج طويل الأمد". كلّ شيء يتوقف إذاً على نوعية المشكلة التي تواجهها الأسرة.
ما هي مقومات الرعاية النفسية؟
تنبه أنييس باغكاد بدايةً إلى أنه: "من المستحيل رعاية طفل دون رعاية أسرته". هذه هي النقطة الأولى التي تُبرز الفرق بين العلاج النفسي لدى الأطفال والعلاج النفسي لدى البالغين. إن المقابلات التي تُجرى مع الوالدين وموقفهم خلال عملية الاستشارة، تُعتبر كلّها معلومات ضروريةً للمُعالج لفهم حالة صغيرهم المريض بشكل أفضل. وهكذا فحتى إذا لم يحضر الوالدان الجلسة العلاجية بأكملها، فإن حضورهما بانتظام قدر الإمكان أمر ضروري. وعلاوةً على ذلك، فإن تقنيات المقاربة العلاجية للأطفال والمراهقين ليست هي نفسها التي تُعتمد مع البالغين؛ إذ كثيراً ما يتم استخدام أدوات وسيطة؛ مثل الرسومات أو الألعاب أو الموسيقى.
أما بالنسبة لمدة العلاج فيمكن أن تختلف تماماً حسب المشكلة المطروحة. وتوضح الأخصّائية أنييس باغكاد بهذا الخصوص أنه: "قد يحدث أحياناً أن ينطلق الطفل في الكلام من الجلسة الأولى ويكون ذلك كافياً لحل المشكلة"، مضيفةً أن: "الأسرة قد لا تدرك ذلك على الفور؛ ولكن بعد رجوعها لحضور الجلسة التالية غالباً ما تتفاجأ بأن الحالة قد بدأت تتحسن بالفعل". وعندما تكون هناك حاجة إلى جلسات أخرى يمكن أن يستمر العلاج لمدة تصل إلى عام أو أكثر أحياناً. وتكشف باغكاد أنها تعمل وفقاً لتوزيع السنة الدراسية؛ حيث "تستمر جلسات العلاج حتى الإجازة الطويلة الموالية، ما لم يكن العلاج قد بدأ في وقت متأخر جداً من السنة. لكن عموماً بمجرد التحاق الأطفال بالمدرسة، تبدأ جلسات العلاج بعد إجازة شهر أكتوبر/ تشرين الأول- وهذه هي الفترة التي غالباً ما تبدأ فيها المشكلات الأولى، سواء أكانت مدرسيةً أم غير ذلك، في التأثير على الحياة اليومية".
ما الذي يجب توقعه من العلاج النفسي للطفل؟
تستغرب أنييس باغكاد من "توقعات الوالدين التي غالباً ما تكون أعلى بكثير من كفاءاتنا؛ إذ يرغب معظمهم في حدوث معجزة، ويودّون إيجاد حل فوري لمشكلاتهم. إنهم يريدون منّا باختصار تغيير الطفل تقريباً ليصبح كما يتمنونه؛ لكن الأمر ليس بهذه البساطة؛ بل إن ذلك ليس دورنا". ولتقييم توقعات كل أسرة على حدة يراجع المعالجون الوضع بانتظام مع الوالدين، حتّى يتمكنوا من التعبير عن مشاعرهم وانطباعاتهم. وعندما يعبر هؤلاء- على سبيل المثال- عن خيبة أمل كبيرة بسبب عدم نجاح العلاج، يمكن للأطباء النفسيين تذكيرهم بأن تطور اضطراب نفسي يستغرق وقتاً، وقد يكون من الصعب أحياناً تقييمه. وبناءً على ذلك، فإن موافقة الطفل على العودة إلى المدرسة التي كان يرفض الذهاب إليها، لا تعني بالضرورة دائماً أنه أصبح على ما يرام، والعكس صحيح.
وتستنتج أنييس باغكاد أنه: "قبل البدء في العلاج النفسي للأطفال، يجب أن يكون الوالدان مستعدَين لسماع ما في جعبة المعالج"، مؤكدةً أن: "الطفل ليس وحده هو المعنيّ بالموضوع، فبعض الناس يشعرون أننا نتدخل في حياتهم، وهم يكرهون حقاً التّطفل؛ بل أحياناً يكرهون حتى النصائح البسيطة التي يمكننا تقديمها لهم. ومع ذلك، فإن تهيؤ الوالدين أيضاً لمراجعة أنفسهم هو مفتاح العلاج الناجح بالإضافة إلى استشارة المعالج النفسي".