كيف تجعل اختلاف الأجيال في العمل ميزة لا مشكلة؟

4 دقيقة
اختلاف الأجيال
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

لوالدي ذي السبعين عاماً أسلوب متأن في سرد القصص؛ يتحدث بهدوء ويغوص في التفاصيل، ويترك بين الجمل فواصل زمنية تمنح حديثه وقاراً خاصاً. وعلى الرغم من أنني أستمتع كثيراً بالإنصات إليه، فإن ضغوط العمل وضيق الوقت يدفعانني أحياناً إلى استعجاله، فيبتسم بتفهم، ثم يصر على أن "الشرح المتقن هو ما يمنح الحديث نكهته". والدي هو الأقرب إلى قلبي، لكنني كثيراً ما أتساءل: ماذا لو كان زميلي في العمل؟

وفقاً للمختص في الطب النفسي محمد اليوسف، ‏سابقاً كانت الفجوة بين الأجيال صغيرة لمحدودية مصادر المعلومات وضيق وسائل التواصل المختلفة التي تحمل معها رسائل المعرفة. أما اليوم، فقد اتسعت تلك الفجوة وأصبح اختلاف الأجيال أوسع. ومع تحفظ الشركات على إحالة خبرائها للتقاعد، وتمديد فترة أعمال الجيل الأقدم، بات من الشائع أن تعمل أربعة أو حتى خمسة أجيال جنباً إلى جنب في بيئة واحدة. لكل جيل منهم منظوره الخاص وأسلوب عمله وتفضيلاته في التواصل. هذا التنوع، على الرغم من غناه، قد يتحول إلى مصدر للتوتر وسوء الفهم، لا سيما بين الجيل زد والأجيال الأكبر سناً، وهو ما يعرف بالفجوة بين الأجيال. فكيف يمكن سد هذه الفجوة؟ وكيف نبني بيئة عمل تتسع للجميع، وتمنح كل جيل فرصة للنجاح والمساهمة؟

فهم جذور فجوة الأجيال: إنها أكثر من مجرد عمر

أولاً، يجب أن نفهم أن الفجوة بين الأجيال ليست مسألة عمر فحسب، بل يتعلق الأمر بمجموعة من العوامل التي رافقت كل جيل وشكلت نظرته للعالم:

  • جيل طفرة المواليد (مواليد 1946-1964): يطلق على الأشخاص الذين ولدوا خلال فترة طفرة المواليد التي حدثت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحديداً بين عامي 1946 و1964، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، حيث شهدت هذه الدول زيادة كبيرة في عدد المواليد نتيجة الاستقرار النسبي والرغبة في تعويض الخسائر البشرية. وقد أسهموا على نحو كبير في تشكيل السياسات والاقتصاد والثقافة في النصف الثاني من القرن العشرين، وينظر إليهم أحياناً على أنهم أكثر تحفظاً مقارنة بالأجيال اللاحقة مثل جيل الألفية أو جيل زد.
  • جيل إكس (مواليد 1965-1980): يعرف جيل إكس بجيل "مفتاح المنزل"، في إشارة إلى الأطفال الذين كانوا يعودون من المدرسة إلى منازل فارغة بسبب عمل الوالدين. هو جيل مستقل وذكي، لأنه نشأ غالباً في بيئة تتطلب الاعتماد على النفس. يقدر التوازن الجيد بين العمل والحياة. وعلى الرغم من أنهم لم يولدوا في عصر الإنترنت، فإنهم تبنوا التكنولوجيا بسرعة وأصبحوا مستخدمين نشطين لها.
  • الجيل واي (مواليد 1981-1996): جيل الألفية، أول جيل رقمي نشأ بوجود الإنترنت والهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، ما جعله أكثر انفتاحاً وتقبلاً للتنوع الثقافي والجندري، ويميل إلى الحوار. غالباً ما يبحثون عن عمل يحمل قيمة ورسالة، ويفضلون البيئة المرنة والعمل عن بعد، ويقدرون التغذية الراجعة المستمرة وفرص التطوير الشخصي.
  • جيل زد (مواليد 1997-2012): الجيل الرقمي الأصلي، لم يعرف عالماً من دون الإنترنت، حيث نشأ في عالم فيه الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي جزء أساسي من الحياة اليومية. إنهم عمليون ورياديون، ويهتمون بالقضايا المجتمعية والصحة النفسية. على عكس الأجيال الأكبر سناً التي غالباً ما تتبنى الولاء للمؤسسة والهياكل الهرمية. علاوة على ذلك، يفضلون التواصل الفوري ووسائل التواصل مثل تيك توك وإنستغرام، والمحتوى القصير والسريع، مثل الفيديوهات القصيرة والميمات.

عدل أسلوب تواصلك: راع التفضيلات

غالباً ما تحدث الفجوة بين الأجيال في بيئة العمل بسبب اختلاف طرق التواصل، فقد يرى جيل طفرة المواليد رغبة موظف جيل زد في الحصول على ردود فورية على أنها نفاد صبر، بينما قد يفسر جيل زد تحفظ جيل طفرة المواليد في التواصل على أنه نقص في التفاعل.

إليك كيفية التوفيق بين الاثنين:

  • اتبع أسلوب التواصل ذاته: سواء كنت من الأجيال الرقمية أو الأكبر سناً، حاول مراعاة التفضيلات الشخصية من خلال اتباع أسلوب التواصل ذاته، فإذا أرسل أحدهم رسالة عبر تطبيق رسائل فوري مثل سلاك فأجب عبر التطبيق ذاته، وإذا كان بريداً إلكترونياً فليكن وسيلتك في الرد أيضاً، ولكن فكر في تبسيط الشرح أو إضافة ملخص مختصر للإيجاز.
  • استخدم لغة واضحة وبسيطة: تجنب المصطلحات التقنية أو العامية التي قد لا يفهمها الجميع، وحاول استخدام لغة بسيطة وواضحة تحافظ على الدقة والموضوعية.
  • استمع بفعالية: امنح الآخرين فرصة للتعبير دون مقاطعة، وأنصت لما يقولونه، وكن حاضراً ذهنياً، وتجنب التسرع في الاستنتاجات أو الافتراضات.

تبادل المعرفة والخبرة: الإرشاد العكسي

من مهام المدير الذي يرأس فريقاً متعدد الأجيال تشجيع تبادل الخبرات بين الموظفين من خلال جمع الموظفين الأصغر سناً (مثل جيل زد أو جيل الألفية) مع الموظفين الأكبر سناً (جيل إكس أو جيل طفرة المواليد)، في فرق أو أنشطة تشجع على الحوار والتعاون، ليتمكن كلاهما من تبادل الخبرات والتعلم.

على سبيل المثال، يمكن للأجيال الأكبر سنأً أن تتعلم من مهارات الأجيال الشابة في التكنولوجيا والبرمجيات الحديثة، بينما يوفرون بخبرتهم الطويلة في سوق العمل دروساً للأجيال الصغيرة في التواصل الفعال، وإدارة العلاقات، وحل النزاعات.

كما يمكن تنظيم اجتماعات دورية بين الأجيال، حيث يتشارك الموظفون وجهات نظرهم حول العمل والقيم والتحديات، أو استخدام منصات لتبادل المعرفة حيث يمكن للموظفين الإسهام بأفكارهم، مثل مواقع ويكي داخلية (ويكبيبديا خاصة بالشركة ومخصصة فقط للموظفين أو فرق العمل ذات الصلاحية)، أو قنوات سلاك.

توفير التدريب

إحدى خطوات سد الفجوة بين الأجيال هي إقامة دورات تدريبية مصممة خصيصاً لمساعدة الأجيال المختلفة على فهم وجهات نظر بعضهم بعضاً وأساليب عملهم. بما في ذلك الندوات التعريفية بالأحداث والسياقات التاريخية والثقافية التي كونت كل جيل، أو ورش عمل تفاعلية، ينخرط فيها المشاركون في نقاشات وحوارات، ويتبادلون الأدوار، وتحفزهم على تبادل المعرفة والخبرات، ما يخلق بيئة عمل أكثر تكاملاً.

تجنب الصور النمطية في بيئة العمل

ينبغي تجنب الصور النمطية وإطلاق أحكام مسبقة أو تعميمات غير دقيقة على الزملاء بناء على عمرهم أو جيلهم أو خلفيتهم، مثل "جيل طفرة المواليد يكره التكنولوجيا" أو "جيل زد كسول". تغذي مثل هذه الأفكار ما يعرف في علم النفس باسم "تحيز السن"، وهو نوع من التحيز أو التمييز ضد الأفراد بسبب الصورة النمطية لعمرهم. يحد هذا التحيز من التفاهم والتعاون بين الأجيال، ويخلق حواجز نفسية بين الموظفين، ما يضعف الروح الجماعية ويزيد التوترات.

أما عندما ينظر إلى كل موظف على حدة، بصفاته ومهاراته ومؤهلاته، وليس باعتباره "ممثلاً لجيله"، يصبح التنوع العمري قيمة مضافة وليس عائقاً، تصبح الفرق أكثر إبداعاً وقدرة على حل المشكلات من زوايا متعددة.

المحتوى محمي