كيف نواجه أبغض النزاعات بشكل بنّاء؟

3 دقائق
أبغض النزاعات
shutterstock.com/Sasin Paraksa

يبذل البعض قصارى جهدهم حتى لا ينبشوا في الخصومات القديمة أبداً؛ لكن رصانتهم الظاهرية قد تخفي أيضاً وراءها خللاً ما. لماذا يرعبهم ويشلّ حركتهم مجرد التفكير في مواجهة الغير، حتى وإن كانت هذه المواجهة عادلة ومبررة؟ كيف نجرؤ على المواجهة لحل النزاعات بشكل بنّاء؟

لماذا؟

يصف رامي؛ البالغ من العمر 45 عاماً، مدى مقته للنزاعات، كونها تُحدث له حالةً من عدم الاستقرار، نتيجة ما تسببه له من هلع، لأن الصراخ بين الأطراف يُسبب ألماً بالضرورة، فضلاً عن نتائجه العكسية. من نافلة القول أن الدخول في نزاع لأدنى حالة انزعاج ليس بالأمر البناء؛ لكن بالمقابل تحذر عالمة النفس دومينيك بيكار من أن: "الهروب من الحالات الخلافية لا يمنعها من التفاقم، أو حتى من التعفن".

تبنيتُ معتقدات خاطئة

بحسب عالمة النفس: "نربِط عادةً فكرة المواجهة، بالمشاعر والسلوكيات التي نعتقد أنها سلبية؛ كالعنف والغضب والانفصال. وسيراً وفق هذا المعتقد؛ يتحوّل النزاع نفسه في أذهاننا إلى شيء سلبي، ويرمز إلى فشل العلاقة". تذكر بيكار أن هذه الأفكار المسبقة أتتْ "من تعليمنا أساساً". نسمع منذ نعومة أظافرنا أنه "ليس من الجيد الدخول في نزاعات"؛ لكن سرعان ما تتحوّل هذه التعليمات التربوية إلى قيم اجتماعية حقيقية راسخة: هل سبق لأحد مثلاً أن رأى ترويجاً لقيم وأخلاقيات النزاع والدفاع عنها في أماكن العمل أو بين الأصدقاء؟ في مجتمعنا، يظل التفاهم الودي -حتى وإن كان ظاهرياً- القاعدة المتبعة، في حين تقتضي الحكمة أيضاً، المرور عبر التأكيد العادل على الذات، وعلى أهمية احتياجات الفرد بالإضافة إلى مكانته … كل ما يسمح به النزاع.

 يرعبني أن أُعرض نفسي للخطر

الخوف هو المسؤول الرئيسي الآخر عن تثبيطنا. توّضح دومينيك بيكار أن: "إلحاق الأذى بالآخر، والخطأ في التصرف، والخوف من الشعور بالألم، أو صدور أحكام بحقك، أو التعرض للرفض، أو مواجهة المجهول ... مثل هذه المخاوف التي تكون أحيانا عتيقةً جداً، هي التي تضفي الشرعية على تهربنا من المواجهة في النزاع. من خلال تجنب النزاع، فإننا نتفادى تعريض أمننا العاطفي للخطر". يتعلق الأمر هنا بآلية دفاع غريزية؛ وهي نمط من ردود الفعل التي تضمن نجاتنا. إن الهروب من المواجهة يعني تفادي مؤقت للخطر الذي قد يولده هذا الوضع. وتؤكد عالمة النفس أنه "من الناحية النفسية؛ كل شيء في الحياة يحثنا على تجنب النزاع".

أشعر بالدونية

بالنسبة لعالمة النفس والمحللة النفسية آن ماري مورمين: "إن سلوك تجنب مواجهة الغير والخلاف معه، يعود أيضاً للشعور بعدم احترام الذات. تَهَرُب الشخص من الخلافات مع الآخر، معناه تجنب الشعور بالدونية والحفاظ، بطريقة وهمية ولفترة وجيزة، على قيمة الذات. يفتقر هذا الشخص الصلابة الداخلية التي تُمكنه من مواجهة موقف ما، إما لأنه لم يحظَ في صغره برعاية جدية أو كافية (طفل في وضع هش، يعاني من نقص عاطفي أو تربوي)، أو لأنه مرّ بتجارب حياة سلبية دفعته إلى الشعور بالدونية، وأثارت فيه عملية رد الفعل هذه"، فيكون النزاع بالنسبة إليه محفوفاً بالمخاطر، يُهدد توازنه الداخلي الهش.

ما العمل؟

  • الإقرار بوجود خلاف

توّضح دومينيك بيكار؛ عالمة النفس، أنه "قبل الجرأة على المواجهة، لا مناص من الاعتراف أولاً بوجود خلاف، والاعتراف بأننا نعاني من وضعية ما مثيرة للقلق، وضرورة إقناع النفس بأن تجنب النزاع المفتوح لا يمنع استمرار النزاع الكامن، لذا من الضروري عندئذ تحديد موضع الخلاف الذي يجعلنا في مواجهة بعضنا البعض، وتحديد ما نتوقعه، وما نحتاجه، فذلك شكل من أشكال التحلي بالصدق مع النفس قبل أن نَصْدُق الآخر".

  • تعلم كيفية التواصل

تُذكِر دومينيك بيكار أنه: "توجد طرق للتواصل وحل النزاعات كفيلة بالتحديد الدقيق لمكمن الأذى"، فالتواصل اللاعنفي (NVC) -على سبيل المثال- أو طريقة غوردون، كلاهما يستند إلى مبادئ بسيطة: التحدث بضمير المتكلم "أنا" (التحدث عن النفس بصيغة المتكلم: "أشعر ..."، "أحتاج ...") والإصغاء الفعال (الاستماع للآخر باهتمام، وإعادة صياغة أقواله للتأكد من أنك فهمتها فهماً صحيحاً؛ من خلال طرح الأسئلة…)".

  •  حدد الأعراض

تقول آن ماري مورمين؛ عالمة النفس والمحللة النفسية: "إن خطر سلوك التجنب يكمن في طابعه المتكرر: لم يَعُد بإمكان الفرد سلك طريق النجاة سوى بالفرار من المواجهة"، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى ظهور أحد الأعراض: آلام نفسية جسدية، حالة قلق منتشر، ومخاوف حادة تشل حركة الفرد؛ لكن هذا يظل في اللاوعي عند الإنسان وفي شكل معقد، ولهذا السبب؛ من الضروري السعي إلى طلب مساعدة خبير مختص لتحديد الأعراض واقتراح مجموعة تقييم أخرى".

المحتوى محمي