كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة سيدني (University of Sydney) ونشرتها المجلة الطبية البريطانية (British Medical journal- BMJ) في أبريل/نيسان 2025 أن الشعور بالوحدة المستمر لفترات طويلة لدى النساء يُضاعف خطر الوفاة المبكرة 3 مرات، كما توصلت الدراسة أيضاً إلى أن الوحدة لا ترتبط بالمشاكل الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم فحسب، بل يمكن أن تسبب الكثير من المشاكل التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الوفاة. فما هي أهم تفاصيل الدراسة؟ وكيف تحمين نفسك من الإحساس بالوحدة؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
"الوحدة قاتلة" ليس تعبيراً مجازياً!
ارتكزت الدراسة البحثية السابق ذكرها على تحليل بيانات الدراسة الاستقصائية الاسترالية السكانية، وهي دراسة بدأت عام 1996 واستمرت حتى عام 2011، وكانت تهدف بالأساس إلى استكشاف العوامل التي تسهم في صحة ورفاهية أكثر من 57,000 امرأة في أستراليا، وركز الباحثون المشاركون في الدراسة على تتبع بيانات نساء تتراوح أعمارهن بين 48 و55 عاماً على مدار 15 عاماً.
وبناءً على ذلك، اكتشف الباحثون أن النساء اللواتي لم يُبلغن عن شعورهن بالوحدة في أي وقت خلال فترة 15 عاماً كان خطر الوفاة لديهم بنسبة 5%، وعلى الجانب الآخر تضاعف خطر الوفاة لدى النساء اللاتي أبلغن عن شعورهن بالوحدة طوال فترة الدراسة 3 مرات ليصل إلى 15%.
وأوضحت الباحثة الرئيسة للدراسة، ميلودي دينغ (Melody Ding) أن الوحدة تجربة شائعة في أنحاء العالم، وهي منتشرة في أستراليا حيث يشعر واحد من كل 3 بالغين أستراليين بالوحدة خلال حياته. ولكن عندما يصبح الشعور بالوحدة مزمناً أو يستمر طويلاً، فقد يؤثر في صحة الإنسان سلباً.
وتضيف دينغ أن النساء أكثر عرضة للوفاة من الرجال خلال فترة منتصف العمر، لأن هذه الفترة الانتقالية تؤثر في النساء سلباً؛ فخلالها تكون المرأة المسؤولة الرئيسة عن رعاية الأطفال الصغار والآباء المسنين، بالإضافة إلى مرورها بتغيرات جسدية ونفسية واجتماعية كبيرة، مثل انقطاع الطمث والتقاعد ومغادرة الأبناء المنزل، كل ذلك يسهم على نحو مباشر في شعور المرأة بالوحدة والعزلة عن الآخرين.
اقرأ أيضاً: لماذا أشعر بالوحدة في الكثير من الأحيان؟
كيف تختلف مشاعر الوحدة بين النساء والرجال؟
يتعامل الرجل والمرأة مع مشاعر الوحدة على نحو مختلف، وعموماً، تشعر النساء في جميع الأعمار ومراحل الحياة بمستويات أعلى من الوحدة مقارنةً بالرجال. لكن المرأة تميل عادة إلى الاعتراف بشعور الوحدة، على عكس الرجل الذي غالباً ما يتردد في الاعتراف بهذه المشاعر. ويرتبط هذا الأمر ارتباطاً وثيقاً بالأعراف المجتمعية؛ فكلما زادت ذكورية المجتمع انخفض قابلية الرجال للاعتراف بأي مشكلة اجتماعية من أي نوع.
ويمكن القول إن التكيف مع الوحدة يختلف أيضاً بين الرجل والمرأة؛ فالرجل عادة ما يميل إلى تكوين مجموعة كبيرة من الأصدقاء، ويقل شعوره بالوحدة عندما تكون لديه شبكة علاقات قوية تضم زوجته وأصدقاءه وأفراد عائلته ومعارفه، في حين تسعى المرأة إلى العلاقات الفردية الوثيقة.
اقرأ أيضاً: هل الوحدة تدل على الذكاء؟ إليك ما يقوله العلم
7 نصائح يمكن أن تساعدكِ في التغلب على الشعور بالوحدة؟
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ولذلك فقلة التواصل مع الآخرين تؤثر في حياته سلباً. وبالنسبة للمرأة فهي تشعر بوحدة أكبر. إذا كنتِ تعانين الوحدة، فإليكِ أهم النصائح التي قد تساعدكِ في التغلب عليها:
1. اعترفي بمشاعرك
للتغلب على مشاعر الوحدة، عليكِ أولاً أن تعترفي بها ولا تنكريها، وعليكِ أيضاً أن تدركي أثرها فيكِ. وخلال هذه المرحلة حاولي التحدث إلى أحد أفراد أسرتك أو أصدقائك القدامى، وإذا كنتِ تواجهين أي نوع من أنواع المشاكل سواء في عملك أو في علاقاتك، فأخبريهم عن أفضل الطرق لمساعدتكِ على تخطي تلك المشكلات.
وفي الواقع فإن وجودكِ بمفردكِ يمكن أن يساعدكِ على التأمل الذاتي، الذي يعد أداة فعّالة للنمو وحب النفس، ولذلك استثمري هذا الوقت لتعميق فهمك لنفسك ورغباتك وشغفك.
2. اخرجي إلى الهواء الطلق
إذا كنتِ تعملين مثلي من المنزل فقد يداهمكِ الشعور بالوحدة بسبب مكوثكِ الدائم بين الجدران الأربعة نفسها كل يوم. وحتى لو كنتِ تخرجين إلى العمل يومياً، فقد تقعين في فخ روتين يقتصر على الذهاب إلى العمل والعودة منه. لذلك حاولي تخصيص بعض الوقت للاستمتاع بالهواء الطلق في الخارج، وتأكدي أن الأماكن المفتوحة لن تحسّن حالتكِ المزاجية فحسب، بل ستوفر لكِ فرصة التعرف إلى أشخاص جدد.
اقرأ أيضاً: ما هي أفضل الاستراتيجيات للتغلب على شعورك بالوحدة؟
3. دوّني يومياتك
من خلال تجربتي الخاصة، يمكنني أن أخبركِ أن الكتابة هي وسيلة رائعة من أجل تتبع أفكارك وفهم مشاعركِ الخاصة. لذلك خصّصي وقتاً يومياً من أجل الكتابة، ومع مرور الوقت قد تتمكنين من استكشاف أنماط سلوككِ. على سبيل المثال، ماذا لو كانت وحدتكِ تنبع من تدني احترامك لذاتك، وكنتِ تشعرينن بأنكِ لا تستحقين حب الآخرين واحترامهم؟ في هذه الحالة تكون الكتابة قد كشفت لكِ مشكلة تحتاج إلى حل، وهنا سيكون لزاماً عليكِ أن تركزي على تعزيز ثقتك بنفسك.
4. مارسي اللطف مع ذاتك
يوضح المختص النفسي، سامي الزهراني أننا غالباً ما نلوم أنفسنا حين نشعر بالوحدة ونظن أن المشكلة فينا، ويضيف أن الوحدة تعد أرضاً خصبة للأفكار السلبية والنقد الذاتي، فهي تشكل صوت النقد الداخلي الذي يؤدي إلى سلوكيات مدمرة للذات ويُعزز مشاعر العزلة. لهذا حاولي قدر الإمكان أن تكوني لطيفة مع نفسك وتأكدي أن الوحدة ليست ذنباً، وحين تداهمك الأفكار السلبية استبدليها بأخرى إيجابية.
5. احرصي على التواصل مع العائلة والأصدقاء باستمرار
التواصل مع الأصدقاء المقربين والعائلة باستمرار بالغ الأهمية، وحتى إذا كنتِ عالقة في روتين عمَلِك والانشغال بمسؤوليات البيت، فحاولي قدر الإمكان إعداد قائمة بالأشخاص الذين يُساندونكِ، يمكنكِ أن تتحدثي إليهم على نحو منتظم على الهاتف أو من خلال مكالمة فيديو. وفي العطلات والمناسبات الرسمية حددي معهم موعداً قريباً للقاء، وتأكدي أن من يُحبونكِ سيفرحون بدعمك وتذكيرك بمدى أهميتكِ لديهم.
6. فكري في الانضمام إلى نادي اجتماعي
في فترة محورية من فترات حياتي كنت أعاني وحدة شديدة، والمشكلة أن جميع أفراد عائلتي يعيشون بعيد جداً، خلال هذه الفترة انضممت إلى نادي الكتاب لأني أحب القراءة بشدة، وحتى يومنا هذا ما زلت أتواصل مع أصدقائي، نجتمع في لقاءات متقاربة، ونتحدث عن الكتب والروايات. ولهذا إذا كنتِ تشعرين بالوحدة فجربي الانضمام إلى نادي اجتماعي مرتبط بهوايتكِ المفضلة.
7. اطلبي المساعدة المتخصصة
إذا شعرتِ أنكِ بذلتِ جهداً كبيراً للتخلص من الشعور بالوحدة، ولكنكِ لا تزالين تعانينه، فقد يكون من الجيد طلب الدعم والمساعدة من الطبيب النفسي المتخصص، خاصة إذا كان ذلك شعورك مصحوباً بنوبات البكاء أو الرغبة في البقاء في السرير طوال اليوم، أو فقدان الاهتمام والدافعية، ففي هذه الحالة قد تكونين مُصابة بالاكتئاب