هل عقلك تحجّر أم ما زال ينمو؟ إليك إرشادات لتطويره
هل عقلك تحجّر أم ما زال ينمو؟ إليك إرشادات لتطويره
يكتبها هذا الأسبوع: عبدالرحمن أبو الفتوح
مرحباً، كيف حالك اليوم؟
هل زرت حديقة الحيوان من قبل؟ إذاً، ربما يكون قد لفت انتباهك ذلك الفيل الضخم الذي يقبع في أحد الأقفاص وأرجله مربوطة بسلسلة حديدية هزيلة لا تتناسب مع قوته الحقيقية، وهذا بلا شك آثار في ذهنك تساؤلاً مفاده: ما الذي جعل الفيل مستسلماً -على الرغم من أنه من الحيوانات غير المستأنسة- لهذا القيد الضعيف؟ تعود القصة إلى الأيام الأولى لحياة هذا الفيل فبعد ولادته يُقيد بسلسلة تمنع حركته وفقاً لقوته الجسدية حينها، ومع تقدمه في العمر يترسخ بداخله الاعتقاد أن تلك السلسلة لا يستطيع كسرها حتى وإن كان لديه القوة اللازمة لفعل لذلك، وهذا يذكرني بعبارة أرددها إلى نفسي عندما تواجهني عوائق غير حقيقية: "الأمر يقع فقط داخل حدود دماغك". ويجعلني واثقاً أيضاً أن دماغنا أكثر الأعضاء حاجة للتطوير المستمر حتى لا نعيش حياة تُكبل فيها قدراتنا الفعلية نتيجة اعتقادات صدّرتها لنا محدودية دماغنا المتوقفة عن التطور، وفي سياق بحثي عن تصور علمي لهذه الظاهرة وجدت كتاباً ألّفَته عالمة النفس بجامعة ستانفورد الأميركية (Stanford University) كارول دويك (Carol Dweck) عنوانه "العقلية: علم النفس الجديد للنجاح" (Mindset: The New Psychology of Success)، وخصصته للحديث عن الفروق بين ما أطلقت عليه "العقلية الثابتة" و"عقلية النمو".
تعرّف دويك العقلية الثابتة في كتابها بأنها تلك العقلية التي تركز على فعل ما هو معتاد ومألوف إنطلاقاً من قناعاتها بأن القدرات لا يمكن أن تتغير فهي إما أن تولد بها أو لا تولد بها ليس هناك اختيار ثالث، فمثلاً إذا أصيب شخص لديه عقلية ثابتة بمشكلة صحية وطلب منه الطبيب من أجل علاجها السير كيلو متر يومياً فغالباً لن يعمل بهذه النصيحة حتى لو شجعه جميع المحيطين به، فهو يعتقد أن قدرة جسمه محدودة ولا يمكن أن تجعله يمشي كل هذه المسافة على الرغم من أن ذلك غير صحيح عملياً. من أجل تبسيط الصورة أكثر فالشخص ذو العقلية الثابتة لديه وجهة نظر مسبقة على اعتبار أنها تجاه نفسه بشكل أشبه إلى اعتبارها منحوتة على حجر، بينما على الناحية الأخرى يؤمن أصحاب عقليات النمو أن الأمر كله يتمثل في بذل الجهد والحرص على التطوير الستمر، لذا يعتقدون أنهم يمكن أن يصبحوا أكثر ذكاءً ومهارة في مختلف مناحي الحياة بمرور الوقت. وبنظرة علمية بحتة فرأي أصحاب عقليات النمو هو الأصح لأن الدماغ عضو لا تتوقف قابليته للتطور والتغير حتى بعد بلوغ سن الرشد، فبحسب دراسة علمية أجرتها جامعة بنسلفانيا الأميركية (University of Pennsylvania) يشبه دماغنا مادة البلاستيك من حيث إمكانية إعادة تشكيله، لذا تظل فرصة إضافة روابط جديدة بداخله وتقوية الروابط الموجودة قائمة، وهو ما يجعلنا نثق أن حرصنا على تحسين طريقة تفكيرنا والرفع من مهاراتنا وذكائنا سيجدي نفعاً لا محالة.
وحتى تعرف هل أنت من أصحاب العقليات الثابتة أم عقليات النمو، سأقدم لك بعض الفروق الأساسية بينهم: 1. يركز أصحاب عقلية النمو على الجهد، بينما يعتقد أصحاب العقلية الثابتة أن الجهد لا يجدي نفعاً لأن القدرات بالأساس غير قابلة للتطوير. 2. يفضل أصحاب العقليات الثابتة عدم المخاطرة وإن كلفهم ذلك عدم تقدمهم في حياتهم، بينما يعتقد أصحاب عقليات النمو أن قدر النجاح مرتبط بنسبة المخاطرة. 3. يرى أصحاب العقلية الثابتة الانتقاد بمثابة تهديد لوجودهم، بينما ينظر إليه أصحاب عقلية النمو على أنه فرصة للتطور والنمو. 4. يحب الأشخاص الذين يتميزون بعقلية نمو تجربة الأشياء الجديدة، بينما يتمسك أصحاب العقلية الثابتة بالأشياء المعروفة مسبقاً. 5. يستسلم أصحاب العقلية الثابتة من أول محاولة مؤكدين أن الأمر لن ينجح، بينما يعمل أصحاب عقلية النمو على الاستفادة من الدرس وإعادة المحاولة.
جميل، لعلك تتساءل قائلاً: كيف أصبح من أصحاب عقليات النمو؟ وهذا ما سأوضحه من خلال بعض الإرشادات أهمها: 1. مبدئياً لاحظ طريقة تفكيرك والتي يمكن أن تعرفها غالباً من روتينك اليومي فمنها ستحدد نوعية عقليتك لتقيس مقدار التغيير الذي تحتاج إليه. 2. احرص على تعلم الأشياء الجديدة وقبول التحديات التي تطور من مهاراتك وقدراتك، ولا تخف من خوض المغامرات على مختلف الأصعدة، ربما سيشكل ذلك عبئاً في البدايات لكنك ستجني ثماره لاحقاً. 3. حول أفكارك السلبية إلى أفكار إيجابية، مثلاً: إذا كان هناك صوت يدور في دماغك يخبرك أنك لن تستطيع فعل هذا الأمر، فرد عليه قائلاً: سأفعل ما بوسعي لأتمكن من إنجازه على أتم وجه. 4. غادر منطقة الراحة لأنها إن كانت مريحة لك اليوم فستضعك مستقبلاً في وضع سيئ نتيجة تأثيرها في تراجع مهاراتك. 5. تجنب القسوة على نفسك عندما تفشل واعتبرها فرصة لأخذ درس يفيدك في المحاولة القادمة. 6. تقبل آراء الآخرين وانتقاداتهم البناءة واستخلص منها ما يجعلك تطور مهاراتك.
في نهاية نشرتنا غالباً ما ستكون اقتنعت أن امتلاكك عقلية نمو هو الاختيار الأفضل، لكن الأهم من وجهة نظري معرفة القيود التي تضعك في نطاق العقلية الثابتة فحينها ستكون متنبهاً أكثر للتحرر منها، وستصبح نسخة أفضل منك أكثر تطوراً وقدرة على الابتكار ومن ثم تتمكن من تحقيق أحلامك.
ما رأيك أن تشاركنا بعد أسبوع من الآن الخطوات التي اتخذتها لتصبح من أصحاب عقليات النمو وانعكاس ذلك على حياتك؟ ننتظر رسالتك على البريد الإلكتروني لنشرتنا: [email protected]
نعلم جيداً ما يمكن أن يفعله الضغط المتواصل بصحتك النفسية، لذا نقدم لك من خلال نشرة "تأملات نفسية" اليومية مقالات متنوعة تجعلك أكثر فهماً لنفسيتك بشكل يزيد وعيك بما يحدث لها من تأثيرات، وتساعدك على التحكم في حياتك