كيف يمكن لوضعيات الجسد السليمة أن تعزز الثقة بالنفس؟

وضعية الجسد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قف بشكل مستقيم وضع يديك على خاصريك، فهذه هي وضعية الوقوف التي يجب عليك اتخاذها لتأكيد ذاتك بثقة كما توضح مختصة علم النفس الأميركية آمي كادي؛ أما فرضيتها فتتمحور حول أن وضعية الجسد تؤثر في أفكار المرء وعواطفه.

حصدت محاضرة آمي كادي في مؤتمر تيد “لغة جسدك تشكل شخصيتك” أكثر من 64 مليون مشاهدة حتى اليوم، وأصبح كتابها “الحضور: استجماع شخصيتك الأكثر جرأة في مواجهة تحدياتك الكبرى” (Presence: Bringing Your Boldest Self to Your Biggest Challenges) دليلاً لكل شخص سئم تأدية الأدوار الثانوية في الحياة والعيش على هامشها.

قد يستنتج المرء من عناوين منتجاتها الجذابة إلى حد ما أن نجاح “ظاهرة كادي” يرجع إلى براعة عباقرة التسويق أكثر من أنه نتيجةً لجدية ما تقدمه وجودته. لكن في الحقيقة فقد تم قياس ما اكتشفته مختصة علم النفس والتحقق من صحته في المختبر، وأشارت النتائج إلى تأثير الوضعية الجسدية التي تعبر عن الثقة بالنفس في كيمياء الدماغ بصورة فعلية بعد دقيقتين من اتخاذها؛ إذ يحفز ذلك إنتاج هرموني التستوستيرون الذي يهيئ الجسم للقتال والكورتيزول الذي يعزز الرفاهية، وهما هرمونان لهما دور رئيسي في المواقف التي تتطلب التصرف بحزم.

شد كتفيك

توضح آمي كادي أن وضعية الجسد تعكس الحالة النفسية للمرء وتقول: “ترتبط وضعية الجسد بالحالة الداخلية للمرء ارتباطاً وثيقاً”. يعدل المرء وضعية جسده استجابةً منه لحالته العاطفية، وتتوافق أي عاطفة مهما كانت (الفرح، أو الارتياح، أو الخوف، أو الكرب، أو القلق، أو الغضب، إلخ) مع التوتر العضلي. عند مراقبة شخص مكتئب؛ سترى أن نظره يتجه نحو الأسفل، وأكتافه منحنية نحو الأمام، وستكون أنفاسه قصيرة. على العكس من ذلك، فإن الشخص الواثق الذي يشعر بالارتياح سوف يرفع رأسه عالياً، ويشد كتفيه للخلف ويتنفس تنفساً هادئاً؛ كما ستتسم نظراته بالحزم، ومن ثم فإن وضعية الجسد وتعابير الوجه تتوافق إلى حد ما مع الصحة الجسدية والعقلية للمرء”.

تقول آمي كادي: “إن تعلم كيفية تصحيح وضعية جسدك سيؤدي إلى تحسن حالتك النفسية وهو أمر يمكن لأي شخص أن يفعله. كما أن استقامة وضعية الجسد تؤدي إلى تقويم الحالة الذهنية أيضاً. وتوضح مختصة علم النفس أن الأمر لا ينطوي على سحر ما: “يسمح الوقوف بشكل مستقيم بتزويد الدماغ والجسم بالأكسجين بصورة أفضل ما يجعلك أكثر هدوءاً وتحكماً في نفسك. إن اتخاذ وضعية الوقوف السليمة هو أمر سهل للغاية ويمكن للجميع القيام به كما يلي: قف وباعد بين قدميك أكثر بقليل من عرض الفخذين، ارفع رأسك دون إمالته كثيراً إلى الخلف (تخيل سلكاً يربط أعلى رأسك بالسماء)، فيستقيم كتفاك ويتوسع قفصك الصدري ويكون حوضك دون تقوس، ومن ثم تحافظ على استقامة ظهرك، والآن انظر إلى الأمام وتنفس بهدوء مع رسم ابتسامة على وجهك.

تقول سميرة البالغة من العمر 32 عاماً، أنها لمست في وقت مبكر جداً الفائدة من نصيحة والدتها لها وهي الوقوف بشكل مستقيم وتوضح: “كانت المعلمة توجه أسئلةً لي وأنا أقف على السبورة، فوقفتُ بشكل مستقيم ورفعتُ ذقني كما نصحتني والدتي وكما نصحتها جدتي قبل ذلك. لم أشعر بمزيد من الثقة فحسب؛ بل أصبحت أفكاري أكثر وضوحاً وترتيباً أيضاً”.

خذ مكانك في الحياة

هل يمكننا القول إذاً إن وضعية الجسد السليمة هي طريقة لمكافحة الأفكار السلبية وتأكيد الذات والاستعداد “لكسب المعركة”؟ توضح الطبيبة النفسية جين ريكو فرانسوا قائلةً: “نعم هذا صحيح لكن وضعية الجسد السليمة لا تتمحور حول ذلك فقط فهي تُمثل مسألةً وجوديةً أيضاً، فأنت من خلال وقوفك بشكل مستقيم تمنح نفسك الحق في أخذ مكانك بين الآخرين في الحياة. ورغم أن هذا الأمر يبدو واضحاً بالنسبة لأولئك الذين يتمتعون بالثقة في النفس، فإنه أقل وضوحاً بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من التثبيط، ولديهم شكوك في ذواتهم وحتى في حقهم في الوجود. يسمح لك الوقوف بشكل مستقيم واتخاذ وضعية جسد منفتحة بإثبات حضورك بهدوء؛ لنفسك وللآخرين أيضاً”.

“بالنسبة لآمي كادي؛ يعتبر “الحضور” مفتاح الإنجاز الشخصي والنجاح الاجتماعي أيضاً وتقول: “ما أعنيه بالحضور هو الحالة التي ندرك فيها أفكارنا ومشاعرنا وقيمنا وإمكانياتنا الحقيقية، ويكون بمقدورنا التعبير عنها بسهولة وتتجلى حالة الحضور عندما يتمتع المرء بالقوة الشخصية التي تتيح له التآلف مع ذاته الحقيقية. ولا ينطوي الحضور على سعي المرء إلى التمتع بالكاريزما أو الانبساط النفسي أو انشغاله بالفكرة التي يكونها الآخرون عنه؛ بل هو سعي لخلق ارتباط صادق وقوي مع نفسه بهدف واضح وهو ليس ترويج الذات وإظهارها للآخرين على أنها مخيفة وخطيرة؛ بل التعبير الصادق عنها.

من جهتها تؤيد ميشيل فرويد؛ مختصة العلاج النفسي وعالمة السفرولوجيا ومؤلفة كتاب “التوفيق بين الروح والجسد، 40 تمريناً سهلاً من تمارين السفرولوجيا” (Réconcilier l’âme et le corps, quarante exercices faciles de sophrologie) نظرية وضعية الجسد السليمة دون أي تحفظات، وتقول: “إن وضعيات الجسد المنفتحة والتي تنطوي على تأكيد الذات تشعرنا بالراحة والسيطرة على الموقف، ومن ثم فهي تمنحنا الحرية في أن نكون ما نحن عليه وأن نعبر عن ذلك بصدق دون أن نشعر بحاجة لتبريره أو السعي إلى الحصول على اعتراف الآخرين به. بالنسبة لماجد؛ 26 عاماً وهو يعتبر نفسه شخصاً خجولاً جداً، فقد جرب حالة الحضور عندما فتح كتفيه ورفع ذقنه قليلاً وجعل نظراته ثابتة وشعر نتيجةً لذلك بأنه اكتسب مزيداً من الاحترام وقوة الحضور بين الآخرين، ومن ثم فقد أصبح يميل أكثر إلى التحدث ضمن المجموعات.

تسمي آمي كادي ومعاونتاها، دانا كارني وآندي ياب التعبيرات الجسدية التي تدل على انفتاح المرء وشغله لأكبر مساحة ممكنة من محيطه “بوضعيات القوة” ولعل أحد أكثر الوضعيات التي ترمز لذلك هي وضعية النجمة التي يتخذها أبطال الرياضة عند الانتصار والتي تنطوي على مد الذراعين فوق الرأس. على العكس من ذلك، فإن وضعيات الانسحاب التي تشير إلى تراجع المساحة التي يحتلها الشخص من محيطه إلى حدها الأدنى تسمى وضعيات العجز.

ضاعف الباحثون التجارب والاختبارات الهرمونية الداعمة، وخلصوا إلى استنتاج يُعتبر اكتشافاً ثورياً؛ مفاده أن تبني وضعيات الثقة في النفس لا يؤدي فقط إلى تعزيز هذه الثقة، فإضافةً إلى قدرتها على رسم مشاعرنا، تشكل هذه الوضعية أفكارنا حول ذواتنا بما في ذلك صورتنا الذاتية الداخلية ومدى ثقتنا بهذه الصورة ومشاعر الراحة أو عدم الراحة التي تمنحنا إياها. وتؤدي هذه الأفكار التي نمتلكها عن أنفسنا دوراً في تسهيل إنشاء اتصال مع الآخرين أو منعنا من ذلك خلال سعينا لأداء دورنا وفرض حضورنا في الحياة. لذلك، فإن تغيير وضعية الجسد يعني تغيير نظرتنا إلى أنفسنا، لأنه وكما توضح آمي كادي، تنشط “وضعيات القوة” نظام النهج السلوكي، وهو النظام الذي يجعلنا أكثر قابلية لأن نكون حازمين، وأن نتلقى الفرص ونغتنمها، ونثابر ونخوض المخاطر”.

بعد مشاهدة محاضرة آمي كادي في مؤتمر تيد قررت كوثر، 38 عاماً، وهي المديرة التجارية لإحدى شركات التأمين؛ أن تجرب وضعية “المرأة الخارقة” (الوقوف مع وضع اليدين على الوركين، و رفع الذقن والمباعدة بين القدمين) خلال تقديم برنامج عملها الجديد لفريق العمل “المتحفظ للغاية”. تقول كوثر: “أديت الوضعية بمفردي في مكتبي لمدة خمس دقائق، وأديتها بعد ذلك أمام فريق العمل على طريقة هيلاري كلينتون، واقفةً مع المباعدة بين القدمين وإراحة أصابعي على المكتب وإمالة جذعي نحو الأمام، وفي أثناء العرض التقديمي عدت إلى وضعية المرأة الخارقة واضعةً يديّ على الوركين؛ لقد جعلني ذلك أشعر بالقوة والثقة بالنفس كما شعرت بأن طاقتي كانت تشع في الغرفة، وتكللت مداخلتي في ذلك اليوم بالنجاح”.

تخيل نفسك في الموقف

بالنسبة إلى ميشيل فرويد؛ يعتمد النجاح الدائم على نوعية المشاعر. “عندما تتبنى وضعية القوة” عليك أن تشعر بها بكل كيانك، ولا تتردد في تخيل نفسك في موقف معين، كأن تتخيل نفسك رياضياً مثلاً. لا يمكنكِ الاكتفاء بتقليد “المرأة الخارقة” فقط بل عليكِ أن تعيشي حالتها أيضاً هذه النصيحة موجهة بشكل خاص إلى النساء، لأن الغالبية منهن -حتى لو كان ذلك بنسبة أقل بين النساء الأصغر سناً -لا يجرؤن على شغل المساحة الكافية من محيطهن. وتقدم ميشيل فرويد نصيحةً بسيطةً للغاية للأشخاص المقتنعين بأنهم لن ينجحوا أبداً وهي اتخاذ وضعية الجسد السليمة مع تذكر انتصار شخصي مهما كان بسيطاً، ثم استرجاع هذه اللحظة في المواقف القادمة. “سوف يسجل الدماغ المشاعر الإيجابية ويربطها بوضعية الجسم وسيحدث هذا الارتباط بصورة عفوية في المرة القادمة”.

تدعو آمي كادي كل شخص إلى إدراك “كل ما هو رائع وجميل وقوي” في نفسه، وإذا كان هدفك يبدو طموحاً للغاية، على الأقل على المدى القصير، فيمكنك البدء بالوقوف بشكل مستقيم والنظر إلى الأمام ورؤية ما سيحدث بعد ذلك.

المحتوى محمي !!