ماذا تفعلين إذا كنتِ تخشين أن ترثي أسوأ صفات أمك عندما تكبرين؟

وراثة أسوأ صفات الأم
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: نرى في أمهاتنا فزّاعات لا نريد أن نكون مثلها أو حتى نشبهها يوماً ما؛ وبالتالي نعبّر عن حاجتنا إلى الاعتراض لكن بطريقة لا واعية. يوضّح المعالج النفسي بيير لاسس (Pierre Lassus) هذه النظرية قائلاً: “عندما لا يكون المرء منقاداً لوالديه، فإنه يحاول التمرُّد على النموذج الأبوي”. فما الذي تخفيه المخاوف التي تراود النساء من أن يصبحن مثل أمهاتهن المُسِّنات؟ كيف تتعامل المرأة مع الشعور بالخوف من وراثة أسوأ صفات الأم؟

هل هناك امرأة على وجه الأرض لم تتخيل نفسها بعد 30 عاماً وقد صارت مثل أمها بالضبط بعد أن ورثت عنها سماتها الجسمانية والشخصية؟ فما الذي تخفيه هذه المخاوف التي تراود النساء من أن يصبحن مثل أمهاتهن المُسِّنات؟

لا تريد نهى البالغة من العمر 31 عاماً أن تصبح مثل أمها، وتعبّر عن مخاوفها تلك قائلة: “عندما أنظر إليها، أرى امرأة عنيفة السلوك، متعبة وعدوانية، تستخدم الأساليب الدفاعية طوال الوقت وتلحّ في طلب الاهتمام. وأخشى ما أخشاه أن أصير مثلها لأنني أجد نفسي أحياناً أتبنى نمطاً سلوكياً مماثلاً، وبخاصة فيما يتعلق بطريقتي في التعامل مع أطفالي”. فهل تتكرّر أنماطنا السلوكية كما لو كنا ندور في حلقة مفرغة؟ وهل بات محكوماً علينا أن نعيد إنتاج الأنماط السلوكية نفسها، وأن نلقى المصير ذاته في أخريات حياتنا؟ وإذا كانت البنية النفسية للمرء تتأثّر بالنموذج الأبوي، فإن البعض يرى أنه سيؤثر فيه سلباً ومن ثم يخاف على مستقبله.

لماذا؟

أتخيَّل نفسي امرأة “عجوزاً”

ترى المحللة النفسية بريجيت آلان دوبريه (Brigitte Allain-Dupré) أن: “هذا الخوف يشير بالدرجة الأولى إلى الخوف من الشيخوخة”. فقد باتت الشيخوخة موضع استخفاف الكثيرين في مجتمعاتنا الحديثة، لذا تشعر المرأة بالانزعاج كلمّا طرأت على مخيلتها فكرة أنها ستكون يوماً ما في مثل عمر أمها؛ لكن سماتنا المشتركة وأوجه التشابه الملموسة بيننا تفرض علينا مواجهة واقعنا القاسي. وكلمّا فكرنا فيه، نتخيَّل أنفسنا نساءً “عجائز” وربما ضعيفات. ويعكس وجود الأم العجوز في حياتنا صورة المرأة التي تذكّرنا مُخيِّلتنا دائماً بأننا سنكون مثلها يوماً ما، وبعد أن كنا نتخيل في طفولتنا أنها امرأة لا تُقهر، تبدو لنا الآن غير معصومة من الخطأ. ونتساءل عندئذٍ: هل ستكون حالنا أفضل من حالها أم ستكون أسوأ؟ وهل سنشهد أيضاً مثل هذا التدهور؟

ما زلتُ بحاجة إلى الاعتراض

نرى في أمهاتنا فزّاعات لا نريد أن نكون مثلها أو حتى نشبهها يوماً ما؛ وبالتالي نعبّر عن حاجتنا إلى الاعتراض لكن بطريقة لا واعية. ويوضّح المعالج النفسي بيير لاسس (Pierre Lassus) هذه النظرية قائلاً: “عندما لا يكون المرء منقاداً لوالديه، فإنه يحاول التمرُّد على النموذج الأبوي”. لكن لماذا يظل مصراً على التمرُّد بعد بلوغه سن الرشد؟ لكي يثبت وجوده! تستطرد بريجيت آلان دوبريه: “نتعرّض جميعاً لمواقف نضطر خلالها إلى الدخول في مواجهات مع آبائنا وأمهاتنا، وتؤثّر هذه الصراعات في البنية النفسية للفرد الذي يحتاج إلى الاعتراض لكي يثبت وجوده. وعندما لا تتوافر الظروف المناسبة لحدوث المواجهة، لا سيما في مرحلة المراهقة بسبب هشاشة المراهق أو تسلط الوالدين، فإن الظروف قد تتهيأ لاحقاً لحدوثها عندما يشتد عوده، وإلا فإن هذه المواجهة قد تظل كامنة ولكنها موجودة تحت السطح”.

أفتقر إلى الاستقلالية

يرى بيير لاسس أن: “الخوف من التشبُّه بأحد والدينا أو ارتكاب الأخطاء نفسها يُعزى في المقام الأول إلى عدم وجود مسافة بيننا وبينه”. لكن لماذا نرتبط به في هذه المرحلة العمرية؟ يجيب المعالج النفسي عن هذا السؤال قائلاً: “لا شك في أن هذا الوالد قد وجد صعوبة في النظر إلينا باعتبارنا كائنات مستقلة لأنه كان بحاجة إلى أن يعلق آماله علينا، ونتيجةً لذلك نجد نحن أيضاً صعوبة في تأكيد استقلاليتنا”. ويؤدي الخوف الشديد في مرحلة الطفولة المبكرة إلى عجزنا عن فصل أنفسنا رمزياً عن والدينا، لذا ما زلنا نعيش تحت سيطرة أمهاتنا. علاوة على ذلك، فإن بريجيت آلان دوبريه تضيف إن: “المرأة تشعر بأنها مصيرها مُقدَّر له أن يكون كمصير أمها منذ اللحظة التي تترسّخ في ذهنها فكرة أنها ستصبح بدورها أماً، وذلك في مرحلة مبكرة جداً من عمرها”. ومن هنا ينشأ صراع نفسي بين “شبهنا” بأمهاتنا ورغبتنا في تكوين شخصياتنا المستقلة؛ كما نريد أن نكون “أنفسنا” دون التأثُّر بالشخصية الطاغية لأمهاتنا.

كيف تتخلَّصين من هذا الشعور؟

1. تقبَّليها كإنسان

والدتكِ ليست معصومة من الخطأ ولا يستطيع أحد أن يدّعي أنه كذلك، ولا شك في أنه يمكنك قبولها كما هي كإنسان من خلال التفكير في مواهبها كما تفكرين في نقاط ضعفها. وتضيف المحللة النفسية بريجيت آلان دوبريه: “حاولي أيضاً أن تحبي الشخص الذي أصبحتِ عليه بفضلها أو بسببها. على سبيل المثال؛ هل أنتِ أكثر حساسية أو أكثر سخاءً أو أكثر اهتماماً بالآخرين؟ إذا كان الأمر كذلك، فلا تُعطي النموذج الأبوي أكثر من حجمه لأنه لا يوجَد نموذج أسود بالكامل أو أبيض بالكامل”.

2. ميّزي بين الغث والسمين فيما تأخذينه منها

يرى المعالج النفسي بيير لاسس أنه من الضروري أن يتحرر المرء من فكرة الإخلاص اللاواعي والمضرّ أحياناً: “لسنا مُطالبين بأن نرث قروناً من الاضطرابات النفسية أو نقيّد أنفسنا بها! اكتبي قائمة بالصفات التي ورثتِها عن والدتكِ ولا تأخذي منها إلا ما ترينه مناسباً. ولا نعني هنا أن ترفضي كل شيء بصورة قطعية؛ بل نعني ضرورة التمييز بين الغث والسمين فيما ترثينه عن والديكِ حتى تعيشي حياة أفضل كراشدة سوية.

3. حللي تاريخ والديكِ

ترى بريجيت آلان دوبريه أنه يجدر بالمرأة أن تصوّب وجهة نظرها في والديها، لذا تنصح بما يلي: “إذا شعرتِ بأن شخصيتك قد تأثّرت سلباً بقصة والدتكِ أو شخصيتها، فعليكِ أن تعاودي التفكير في الأمر برويّة، فمثلاً إذا قلتِ لنفسك: “أمي امرأة عدوانية”، فعليكِ أن تبحثي عن أي شيء يتعارض مع هذه الفكرة كأن تقولي لنفسك مثلاً: “لقد وُلدت في أثناء الحرب وعانَت ويلاتها”، أو “لقد كانت والدتها تعاني الاكتئاب”. ولا تتمثّل الفكرة هنا في إيجاد مبرّر لسلوكها؛ بل في تصويب وجهة النظر المجتزَأة التي ترسّخت في ذهنك عنها.

قصة معبّرة

إيمان، معلمة في الخامسة والعشرين من العمر

“لطالما شعرتُ بالانزعاج الشديد بسبب حدة الشبه بيني وبين أمي، فقد ورثتُ عنها مظهرها الجسماني بل وصوتها أيضاً، وكلما نظرتُ إليها اعتراني خوف شديد أن أصبح مثلها عندما أكبُر. ولكن نظرتي تلك تغيّرت بعد أن استمعت إلى رأي زوجي وصديقاتي، فقد عارضوني الرأي وقالوا لي: “إن أمك امرأة رائعة!”، وفي كثيرٍ من الأحيان تتغير نظرتنا إلى الأمور حينما نعرضها على أشخاص آخرين حتى إذا لم نكن مقتنعين بها، لأننا نركز على العيوب فقط. فقد أدركتُ أن لديها أيضاً صفات حميدة؛ مثل تحليها باللطف وروح الدعابة ما جعلني أغير رأيي فيها، وهكذا لم أعد أخاف أن أرث عيوبها، وصرتُ أتمنى التحلي بخصالها الحميدة”.

المحتوى محمي !!