هل الشتائم جيدة لصحتك النفسية؟

الشتائم
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كم مرة تشتم في اليوم؟ هل أنت من الأشخاص الذين يستخدمون الشتائم في أثناء قيادة السيارة في الزحام الشديد؟ أم تبدأ في السباب عند مشاهدتك لمباراة كرة قدم لفريقك المفضل؟

ماذا تفعل إذا انقطع التيار الكهربائي وأنت بداخل المصعد في منزلك متجه إلى عملك؟ لا شيء سوى التنفيس عن نفسك عن طريق الشتائم حتى أخرج من المصعد بسلام.

حاولت التفكير في عدد الشتائم التي يستخدمها الأشخاص في اليوم؛ لكن تبادر إلى ذهني سؤال جعلني أتعمق في الأمر أكثر.

ما المقصود بالشتائم؟

حسب معجم المعاني فإن:

  • شَتْم: قبيح الكلام وليس فيه قَذْفٌ، والشَّتْم هو السَّبُّ، والتَّشاتُم هو التَّسابُّ.
  • سبَّ المقصِّرَ في عمله: شتمه وعابه، أهانه بكلام جارح.

باختصار، الشتيمة لغوياً هي كلمة أو عبارة تُعد فاحشة أو مبتذلة أو مسيئة بأي شكل من الأشكال. وتسمى أيضاً بالكلمات البذيئة أو الألفاظ النابية.

تشير جانيت هولمز عالمة الاجتماع واللغات إلى أن “الكلمات البذيئة تخدم العديد من الوظائف المختلفة في سياقات اجتماعية مختلفة”. “قد تعبر عن الانزعاج والعدوان والإهانة، على سبيل المثال، أو عن التضامن والود”. لكن لماذا نشتم؟

يخبرنا ستيفن بينكر في كتابه “مادة التفكير: اللغة كنافذة للطبيعة البشرية” (The Stuff of Thought: Language As a Window into Human Nature) أن اللغز حول الشتائم يتمركز في الظروف المجنونة التي نعيش فيها. هناك شتائم مطمْئِنة بعض الشيء، كما هو الحال عندما نضرب إبهامنا بمطرقة، وهناك إهانات ومصطلحات مبتذلة للأشياء والأنشطة اليومية.

في المجتمعات التي تستخدم اللغة المنطوقة مثل المجتمع البشري، يتم استخدام العدوان الجسدي بشكل أقل في كثير من الأحيان لتسوية القضايا العالقة؛ والتي تُحسم في الغالب عبر التواصل والتفاعل اللفظية.

إذا كان هذا المنطق صحيحاً، فيمكننا افتراض أن الإهانات غالباً ما تكون مدفوعة بالغضب المحيط. العديد من الإهانات تفاعلية؛ إنها ردود فعل على إهانات حقيقية أو متخيلة من الآخرين.

لكن ليست كل الشتائم ردود فعل للغضب، فقد تكون تعبيراً عن الحميمية بين الأشخاص. وبحسب إحصائية منشورة في موقع بزنس إنسايدر (Business Insider)، فإن الأميركيين يشتمون اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ حيث ينطق الأميركي العادي ما بين 80 إلى 90 شتيمة كل يوم، بمعدل خمس كلمات لكل ساعة. وقد اتضح أن الشتائم قد تجعلك تعيش حياة أكثر سعادة وصحة على المدى الطويل.

فعندما يرتطم إصبع قدمك بالطاولة وتصرخ بكلمتك القذرة المفضلة المكونة من ثلاثة أحرف، فأنت في الواقع تقدم لنفسك معروفاً.

أنواع الشتائم

يخبرنا ستيفن بينكر في الكتاب ذاته أن الشتائم يمكن حصرها في خمس قوائم في العالم كله. وعلى الرغم من اختلافها من منطقة لأخرى ومن زمن لآخر؛ إلا أنها تدور في نفس القوائم الخمس منذ بدايتها حتى يومنا وهي:

  1. الشتائم المرتبطة بالأديان والآلهة والجحيم.
  2. الشتائم المرتبطة بعملية الإخراج (البراز أو البول).
  3. الشتائم المرتبطة بالمرض أو الموت والإيذاء.
  4. الشتائم ذات الطابع الجنسي.
  5. الشتائم العنصرية التحقيرية.

الاستجابة للشتائم: ما الذي يحدث بداخلنا؟

يمكن أن يكون للشتائم تأثير محرّر حقاً عندما نشعر بالإحباط. يقول رافايللو أنتونينو؛ مختص علم النفس الاستشاري ومؤسس شركة “ثيرابي سنترال” (Therapy Central) لموقع “هيلث لاين” (Healthline): “إن التلفظ بشتيمة يمكن أن يكون له تأثير مهدئ و فوري على المشاعر الصعبة التي قد نمر بها”.

في مراجعة بحثية لمجموعة من الباحثين في جامعة كيلي وجامعة أوكسفورد حول قياس تأثير السباب على الألم، أظهرت الأبحاث أن السب يخفف الألم، ويمتد لمعالجة الاستثارة العاطفية والإلهاء كآليات ممكنة، حيث قام الباحثون بتقييم تأثيرات كلمة الشتائم التقليدية، مثل “اللعنة” ومجموعة من الشتائم المصطنعة مثل الشتيمة الإنجليزية “fouch”. وأُجريت التحليلات لتصنيفات العاطفة والفكاهة والإلهاء. بالنسبة إلى الشتائم التقليدية، وجدت التحليلات التأكيدية زيادة بنسبة 32% في عتبة الألم وزيادة بنسبة 33% في تحمل الألم، مصحوبة بزيادة معدلات العاطفة والفكاهة والإلهاء، مقارنة بحالة استخدام كلمة محايدة. تم تصنيف الكلمات الجديدة “fouch” على أنها أكثر عاطفية، وروح الدعابة بها أعلى من الكلمة المحايدة؛ ولكنها لم تؤثر على عتبة الألم أو التسامح. كانت التغييرات في معدل ضربات القلب وإدراك الألم غائبة. تؤكد نتائج المراجعة بأن تكرار كلمة بذيئة بوتيرة ثابتة تزيد من القدرة على تحمل الألم.

وفقاً لدراسة أجراها باحثون في جامعة كين بولاية نيو جيرسي في الولايات المتحدة، فإن السب يمكن أن يمنع الناس من الاستسلام عاجلاً في المواقف الصعبة من خلال السماح للناس بالتنفيس عن إحباطهم، حيث قاموا بإجراء تجربة تتطلب من المشاركين في الدراسة إبقاء أيديهم مغمورة في الماء المثلج. وتمكن الأفراد الذين شتموا ولعنوا أثناء التجربة من إبقاء أيديهم مغمورة لفترة أطول مقارنة بمن لم يفعلوا ذلك.

في عالمنا اليوم لا يمكن اعتبار الشتائم علامة على افتقار الأشخاص إلى المفردات للتعبير عن مشاعرهم؛ إنها طريقة أكثر دقة للتعبير عنها، وخاصة في السياق الثقافي والمجتمعي، فالشتائم تحمل قيمة عاطفية كبيرة في كل مجتمع، ولا يوجد تعبير لغوي آخر ينافسها في القيمة العاطفية.

وبالنسبة لعلم الأعصاب، فالشتائم تشغل كلا جانبي الدماغ، مركز اللغة الواقع في الدماغ الأيسر والمركز العاطفي في الدماغ الأيمن، والتأثير الإيجابي لذلك بعيد المدى.

وبحسب حديث تيموثي جاي؛ الأستاذ الفخري في كلية ماساتشوستس للفنون الليبرالية لصحيفة نيويورك تايمز، أنه: “مع ارتفاع طلاقة الشخص اللغوية، تزداد قدرته على نطق الكلمات البذيئة، وليس العكس”.

تخدم الشتائم الغرض من التنفيس العاطفي؛ تمكننا من التعبير عن مشاعرنا، وخاصة الغضب والإحباط، تجاه الآخرين بشكل رمزي، وليس من خلال قضم الأسنان والأظافر وتعبيرات الجسد الأخرى. في حالات الإحباط الشديد؛ توفر الشتائم للأشخاص بديلاً عن مهاجمة مصدر إحباطهم جسدياً، سواء كان ذلك شيئاً أو شخصاً؛ ما يمنع رد الفعل العنيف.

يظل استخدام الشتائم موضوعاً مثيراً للجدل لأننا نعيش في عالم معقد تم بناؤه قبل وقت طويل من ولادتنا، ولأن الشتائم قديمة مثل ذلك العالم، وتحمل موروثاً ثقافياً في كل مجتمع؛ لكن الأبحاث تخبرنا اليوم أن الشتائم مفيدة وليست وصمة عار.

المحتوى محمي !!