نشأة الطفل دون أب: كيف نملأ الغياب؟

نشأة الطفل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُعد نشأة الطفل دون أحد الوالدين أمراً صعباً؛ إذ لكل منهما دوره في توفير ما يحتاجه ليكبر ويتطور ضمن أفضل الظروف. وقد تحمل نشأة الطفل في ظل غياب الأب عواقب وخيمة عليه؛ مثل نقص أو انعدام الثقة، وفقدان احترام الذات. فيما يلي توضيحات ونصائح تعينكم على إيجاد توازن في حياة الطفل عند غياب الأب.

  • دور الأب في حياة الطفل جوهري تماماً كدور الأم
  • تعويض الأب الغائب بشخص ذكر آخر
  • الخوف من الهجر ونقص الثقة والمبالغة في البحث عن هوية الأب الغائب
  • “حداد” الطفولة المفتقدة للأب

وفقاً لدراسة أجراها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في فرنسا (INSEE) في عام 2018؛ كان 21% من الأطفال يعيشون في أسرة دون وجود الأب أو الأم، بينما يعيش أكثر من 85% منهم مع الأم وحدها. يمكن أن تكون نشأة الطفل دون وجود والده على وجه الخصوص، أمراً معقداً؛ إذ تخلق لديه نقصاً في احترام الذات أو حتى مشاكل في علاقاته لاحقاً.

دور الأب في حياة الطفل جوهري تماماً كدور الأم

كأهمية دور الأم تماماً؛ يؤدي الأب دوراً رئيسياً في توازن حياة الطفل، ويسمح له وجود الأب والأم معاً بإيجاد توازن ورؤى مختلفة للحياة. تؤكد نيكول بريور؛ المعالجة النفسية ومؤلفة كتاب “التنويم المغناطيسي لتبسيط العلاقات الأسرية” (L’hypnose pour simplifier les relations familiales): “إن وجود الأب في حياة الطفل يعادل وجود الأم ويشكل مكملاً له، كما أن نشأة الطفل مع والديه تسمح له بألا يكون تحت تأثير أحد الوالدين فقط وتعزز قيمه الحياتية”.

وتُعد الطريقة التي ينظر بها الأب إلى أطفاله ضرورية لبناء هويتهم واحترامهم لذاتهم. بالنسبة للفتاة؛ يسهم سماعها لعبارات مثل: “أنتِ لطيفة، وأنتِ جميلة” في اكتسابها ثقة بنفسها وبناء علاقتها مع الرجل، بينما قد تؤدي نشأة الفتاة دون والدها إلى عدم ثقتها بالرجال. أما بالنسبة للصِبية، فهم يتخذون من والدهم قدوة، وهذه هي الطريقة التي يتطورون بها حتى مرحلة البلوغ. ودون وجود هذا النموذج في حياة الصبية، فقد يطورون سلوك حماية مفرطة تجاه الأم أو الأخوات أو الشريكة.

تعويض الأب الغائب بشخص آخر

نسمع في كثير من الأحيان عبارة “إن من يطول غيابه يصبح وكأنه في عداد المفقودين” ولكن هذا المثل غير صحيح عندما يتعلق الأمر بغياب الأب. تؤكد المعالجة النفسية: “سيكون هناك نقص دائم لدى الطفل”. ومع ذلك؛ من الممكن جزئياً تعويض غياب الأب بشخص آخر؛ مثل الجد، أو العم، أو زوج الأم”. ويمكن لهؤلاء خلق توازنٍ مع وجود الأم وتوفير تواجد الذكور الذي يحتاجه الطفل خلال نشأته.

وعلى الرغم من وجود هذه الشخصية الجديدة لـ “الأب”؛ تحذر نيكول بريور من “تشويه سمعة الأب الغائب أمام الطفل، لأنه يمكن أن يفسر ذلك كما يلي: ” أنا ابن أو ابنة هذا الأب الذي يتعرض للانتقاد، لذا فأنا منفتح أيضاً على النقد” وهو الأمر الذي لن يساعده في بناء نرجسيته الصحية. وبدلاً عن انتقاد الأب؛ يمكن للقائمين على رعاية الطفل أن يشرحوا له أن والده لم يكن باستطاعته فعل غير ذلك. وغالباً ما يكون الآباء الغائبون بدروهم ضحية غياب آبائهم، وبالتالي فإن تاريخهم الأسري ينعكس على سلوكهم. إن “الاعتداء” على أحد الوالدين -أياً كان- أمام الطفل، يهاجم بشكل رمزي جزءاً منه لأنه في النهاية ثمرة التقاء هذين الشخصين”.

الخوف من الهجر ونقص الثقة والمبالغة في البحث عن هوية الأب الغائب

بالإضافة إلى الشعور بالنقص؛ يعاني الطفل من عواقب أخرى عندما يكبر دون والده؛ إذ يتسبب غياب الأب في نقص ثقته بنفسه وعدم احترامه لذاته تبعاً لذلك. يتساءل الطفل عن سبب عدم اهتمام والده به، ويظن “أنه لا يساوي الكثير وأنه ليس مثيراً للاهتمام، لأنه لولا ذلك لما تخلى والده عنه”. كما أنه ينشأ مع خوف من الهجر يلاحقه في جميع أنواع العلاقات، فيما يواجه من حوله عبء تحمل الآثار الناجمة عن هذا القلق المستمر لديه.

توضح نيكول بريور: “عندما يصبح الطفل الذي عانى من غياب الأب شخصاً بالغاً، يميل في علاقاته إلى مطالبة الآخرين بتعويض هذا الغياب الذي لا يد لهم فيه؛ لكن من حوله لن يتمكنوا أبداً من ملء هذه الفجوة بالكامل، الأمر الذي سيتركه في حالة أبدية من عدم الرضا. فالشخص الذي نشأ دون أب سيطالب الشريك بأن يحبه لنفسه من جهة، ويعوض الأب الذي افتقده في طفولته من جهة أخرى؛ إلا أن هذا الأمر غير ممكن”.

وتتابع المعالجة النفسية: “أما النتيجة الأخرى هي أن الطفل سيبالغ في البحث عن هوية هذا الأب الغائب”. كلما كان حضور أبيه في حياته أقل، زاد افتقاده له وزاد احتمال محاولته تكوين روابط غير موجودة، أو ابتكار خصائص مشتركة مع هوية أبيه.

“حداد” الطفولة المفتقدة للأب

تقول نيكول بريور: “نحن لسنا أسرى إخفاقات طفولتنا”. فحتى لو كان لما نختبره في الطفولة عواقب وخيمة على حياتنا كراشدين، فليس من المستحيل تغيير هذا الأثر السلبي”. وتتابع: “هنالك حلول لبناء توازن في الحياة، وأؤكد مجدداً على ضرورة وجود قدوة للطفل أو المراهق لمساعدته في بناء ذاته بشكل أفضل، وليس بالضرورة أن تكون هذه القدوة من أحد أفراد الأسرة؛ بل يمكن أن يكون مدرساً أو مدرباً، على سبيل المثال. ويجب على الشخص الراشد الذي نشأ دون أب، أن يقيس توقعاته ويحاول تعديلها عند الدخول في علاقة، لأن الشريك لا يحل محل الأب الغائب. أخيراً؛ من المهم أن نقبل هذا النقص الذي اعترى حياتنا، وأن نعطي أنفسنا الفرصة لكي نحزن”.

المحتوى محمي !!