استمتع بالملذات الصغيرة لتعيش حياة سعيدة

ملذات الحياة الصغيرة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمكن لـ “ملذات الحياة الصغيرة” أن تخفف من توترنا، وتحسّن مزاجنا، وتجعلنا أقوى في مواجهة الشدائد. لكننا لسنا متساوين في قدرتنا على الاستمتاع بها، وهو ما سنتعلمه في السطور التالية.

لدى بعض الأشخاص قدرة هائلة على انتزاع ملذات الحياة الصغيرة من خضم ضغوطهم اليومية، وذلك بغض النظر عن المشكلات التي يواجهونها. تقول سلوى؛ 45 عاماً: “أتذكر حماتي؛ التي كانت تعاني من صعوبات مالية، ومشكلات في حياتها الزوجية؛ لكنها لم تفوّت أبداً الفرصة لتمنح نفسها القليل من المتعة. حتى أنها كانت مريضةً للغاية في إحدى المرات، وطلبت منا أن نُخرجها إلى الحديقة، وعندما جلست بمواجهة ورودها؛ تنهدت بارتياح. لقد أعطتني آنذاك درساً لطيفاً؛ إذ دائماً ما كنت أرى والديّ يشتكيان رغم أنهما كانا ينعمان بمستوىً معيشي أفضل”.

يخفف الشعور بالمتعة من توترنا، ويحسن مزاجنا، ويجعلنا أقوى في مواجهة الشدائد. يوضح الطبيب النفسي؛ فرانسوا ليلورد: “في كل مرة نشعر فيها بمتعة ما؛ يتم تفعيل نظام المكافأة في دماغنا الذي يطلق هرمون الدوبامين، وتسبب هذه المادة أحاسيس ممتعة تدفعنا لتجديد التجربة”.

إن تعاقب ملذات الحياة الصغيرة يضفي بالطبع نكهةً على الحياة؛ لكن هل تجعلنا هذه الملذات سعداء بالفعل؟ يجيب الطبيب النفسي: “نعم إلى حد كبير، وذلك رغم صعوبة تحديد الصلة السببية بالضبط، فهل مجموع هذه الملذات الصغيرة هو ما يجعلنا سعداء، أم أن الأشخاص السعداء أصلاً يميلون أكثر إلى الاستمتاع بها؟ ربما كلاهما. إن الاستمتاع بهذه اللحظات ليس حاجةً حيويةً؛ إذ يمكننا أن نقضي حياتنا عابسين؛ لكنها بلا شك ستكون أقل ثراءً، لأن فن إرضاء الذات بمُتع الحياة البسيطة لا يدل فقط على الطبيعة الطيبة للمرء؛ إنما أيضاً على تمتعه في المقام الأول بالحرية الكافية ليتجرأ على الاستمتاع بها.

أحبَّ نفسك كما يجب

نعرف جميعاً بعضاً من أولئك الأشخاص الذين لا يطيقون قضاء ولو قليل من الوقت الممتع، فما سبب ذلك؟ تؤكد مختصة التحليل النفسي؛ إلسا كايات، قائلةً: “في الحقيقة؛ دائماً ما يكون هؤلاء الأشخاص في عجلة من أمرهم لمحاولة الهروب من معاناتهم، فبدلاً عن إرضاء أنفسهم؛ تراهم يسعون إلى إرضاء الآخرين على أمل أن يحظوا بحبهم في المقابل”. وتتابع: “ما لم يبحث هؤلاء الأشخاص عن سبب عدم جعل سعادتهم الشخصية أولويةً بالنسبة إليهم والعمل على حل هذه المشكلة، فسيكون من الصعب عليهم الاستمتاع بأي ملذات صغيرة”.

تضيف المحللة النفسية ماريز فيلان: “وبصرف النظر عن رغبتهم في أن يكونوا خيّرين مع الآخرين، فإن سلوك هؤلاء الأشخاص ينبع من جروح الطفولة والجروح النرجسية التي تدفعهم إلى معاقبة أنفسهم؛ تماماً كما كان الحال عندما كانوا أطفالاً. عليك أن تحب نفسك بما يكفي لتكون سعيداً”.

العلاقة بين مرحلة الطفولة وقدرتنا على الاستمتاع بالحياة

من المعروف أن لدى بعض الأطفال الرضع القدرة على هز أنفسهم (تعبيراً عن شعورهم بالسعادة)؛ إذ يتميزون بأن لديهم مستويات أعلى من هرمون السيروتونين مقارنةً بأقرانهم. إضافةً إلى ذلك؛ تؤدي البيئة دوراً مهماً في تعزيز سلوكهم هذا أو كبحه.

إن استمتاع المرء بالأوقات السعيدة يكون أسهل عندما يكبر في بيئة تقدرها؛ حيث نشأ على رؤية والديه يستمتعان بالحياة. ولكن ومن ناحية أخرى؛ يمكن أن يكون الاستمتاع بهذه اللحظات تعويضاً عن نقص عانى منه في الطفولة: “لقد جئت من خلفية متواضعة؛ حيث كانت الملذات المتاحة محدودةً للغاية. لذا؛ أنا أقدّر اليوم قدرتي على السفر أو تناول الطعام في مطعم رائع”.

ارتباط ملذات الحياة بذكريات معينة

عندما ننظر إلى الأمور التي نستمتع بها، فلا شك في أننا سنجد أصولها في ذكريات طفولتنا، فكل هذه المُتع الشخصية يمكن مقارنتها بحدث ما من تلك المرحلة من حياتنا. تحدثنا مختصة علم الجنس؛ كاثرين بلانك، عن إحدى ذكريات طفولتها قائلةً: “في طفولتي؛ غالباً ما كنت أسافر إلى إفريقيا مع والديّ، وحتى اليوم؛ أتذكر رائحة السمك الفاسد في الأسواق هناك، وبينما يمسك البعض أنوفهم في حالة رعب عند شم هذه الرائحة، فإنني أقدرها لأنها تعود بي إلى سحر تلك العطلات السعيدة”.

توضح المحللة النفسية صوفي كادالين: “ينظر كل شخص إلى ذكريات الطفولة بطريقته، ويحولها إلى قصته الخاصة”. وكمثال على ذلك؛ يمكنك ملاحظة أن تأثير الذكريات نفسها يختلف بالنسبة لشقيقك؛ إذ لا يُستمد أي منها من المصادر ذاتها. سوف يسيل لعاب أحدهم فوق شريحة الزبدة من وجبة طفله الخفيفة؛ في حين أن الآخر لن يرى فيها سوى تجربة اقتصادية سيئة، وسيفضل رائحة الكعك الذي تخبزه الجدة المحبوبة. لكن الحياة تتطور، وكذلك متعنا التي تنشأ أصلاً عبر المشاركة والتعلم، فبينما كنا نتردد في التنزه في الحديقة برفقة الأجداد أيام الجمعة، فقد أصبحنا كبالغين نرغب في القيام بهذه النزهة بصحبة صديق حميم.

أطلق العنان لنفسك

في الواقع؛ إن الاستسلام للاستمتاع بملذات الحياة ليس دلالةً على أننا نعيش حياتنا بصورة سيئة، وهو أيضاً العنصر الرئيسي في واحدة من أكثر الملذات التي قد يصعب علينا أن نطلق العنان لأنفسنا خلالها؛ وهي الحياة الجنسية. على عكس المُتع الحسية اللطيفة غير المؤذية، فإن العلاقة الجنسية تتطلب أن يكون المرء على سجيته تماماً؛ الأمر الذي قد يكون مقلقاً بالنسبة لبعض الأشخاص؛ إذ يثير خوفهم من استغلال الآخر لعيوبهم بصورة خاصة عند وصولهم لذروة المتعة خلال العلاقة واقترابهم من النشوة الجنسية. وتكمن الصعوبة هنا في رغبة المرء بالسيطرة على نفسه؛ حيث يتشتت بين الرغبة في الحصول على المتعة من جهة، والخوف من الاستسلام لها والوقوع تحت سلطة الآخر من جهة أخرى. لذا فإن الأمر يتطلب نوعاً من التوازن؛ بحيث نعثر على المتعة ولكن دون أن نتعلق بها.

استمتع بالقليل

بالنسبة لماريز فيلانت؛ نحن نعيش في عصر يدفعنا إلى الخلط بين المتعة واستهلاك الرفاهية. ومع ذلك، فإن فن إرضاء الذات ينطوي على معرفة كيفية الاستمتاع بالأحداث الصغيرة التي في متناول أيدينا، والنظر إلى الحياة كهدية. تقول إلسا كايات: “تجتذبنا الإغراءات، ولا سيما التفكير في أن امتلاك الثروة يتيح لنا الحصول على كل الملذات؛ وهو ما يبرر تأجيل بعض الأشخاص التمتع بالرفاهية إلى “الغد”. يقول فرانسوا لورد: “لأولئك الذين يعتقدون أن الاستمتاع بالحياة أمر لا طائل من ورائه؛ بل وحتى أناني، فقد لاحظ الباحثون خلال إحدى التجارب أن الأشخاص الذين منحوا أنفسهم للتو وقتاً ممتعاً كانوا أكثر عطاءً لمتسول (ممثل مشارك في التجربة) وُضع في طريقهم – باختصار؛ لقد كانوا أكثر كرماً.

هل ممارسة الجنس أمر حيوي؟

ليس هناك ما هو أكثر إلحاحاً وتكراراً من الرغبة الجنسية، فهي يمكن أن تعترينا في الشارع، أو المقهى، أو المترو؛ لكننا نقمعها، ونتراجع، بدافع الخوف، والتربية والأخلاق. أوضح فرويد أننا نتسامى أيضاً عندما نحب شخصاً ما دون أن نكون قادرين على ممارسة الحب معه؛ مؤكدين على قدرة البشر على استخدام دوافعهم للارتقاء بأنفسهم فكرياً وفنياً.

ومع ذلك، فإن الجنس هو حاجة حيوية، وعندما يتدخل الشعور بالحب، فإن الرغبة والمتعة تتجاوزان مجرد الإشباع السطحي للحاجة العضوية. يدرك جميع المحللين النفسيين وعلماء الأعصاب أنه يتم تحفيز المتعة وإفراز الهرمونات في الدماغ خلال العلاقة الحميمة، عندما تربطنا مشاعر الحب بشريكنا الجنسي. يقول المعالج النفسي والجنسي آلان هيريل: “يشعر المرء بأن الحدود قد ذابت، ويبتكر حركات وأفكار متجددة خلال ممارسة العلاقة الحميمة. إن العلاقة الحميمة القائمة على الحب تتميز برحابتها ورغبة الطرفين التي تفوق المعتاد”.

تضاف إلى هذه الملذات فوائد أخرى؛ إذ توضح المختصة النفسية نيكول بريور أن الرغبة والشعور المشتركَين يسمحان لنا “بإدراك وجودنا وكسب الثقة في أنفسنا”. ويوضح مختص التحليل النفسي مونيك ديفيد مينارد: “عندما تختلط الإثارة الجنسية بالحاجة إلى اكتمال الذات، فإن ذلك يُترجم خلال العلاقة إلى قول الشريك: أخبرني أنك تحبني؛ أي أنك تحبني كما أنا”.

أخيراً؛ ذكر مختص التحليل النفسي بول لوران أسون قبل بضع سنوات، أهمية العلاقة الجنسية في الحياة الزوجية فقال: “الحب الذي لا يُشبع بالتواصل الحميمي يُفرغ من مضمونه؛ إن ممارسة العلاقة الحميمة أمر حيوي للحب”.

المحتوى محمي !!