لماذا بدأنا نفقد قدرتنا على الصبر؟

قلة الصبر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل قلة الصبر هي مصدر الشر الجديد في هذا القرن؟ وفقاً لمسح حديث؛ يقول 82% من المواطنين الفرنسيين إنهم أصبحوا يعانون من قلة الصبر اليوم أكثر مما كانوا عليه من قبل. ما تفسير قلة الصبر هذه؟ وهل تتعلق بانتشار التكنولوجيات الجديدة؟
من منا لا يتذمّر أو يشعر بالانزعاج عندما يجد نفسه في طابور طويل؟ من منا لم يلاحظ أنه بدأ يصرخ في أثناء الحديث مع موظف خدمة الزبائن بسبب بطئه وعدم انتباهه له؟ أو من منا لم يطلق زمّور السيارة في الازدحام المروري خلال الصباح؟ اليوم، يبدو أن هناك تصرفاً خطيراً ينتشر بشكل واسع في مجتمعنا، وهو قلة الصبر.

في وسط العقد الأول من القرن الجاري، كانت عملية إقلاع الحاسوب المحمول تستغرق أكثر من دقيقتين؛ لكن اليوم إذا استغرق تحميل صفحة على الإنترنت وقتاً أطول من اللازم سنغلق هذه الصفحة.

نادراً ما نأخذ وقتنا في انتظار شيء ما نريده. بيّن مسح أُجري في إدارة موقع صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية في 2018 أنه بعد 5 ثوانٍ من الانتظار، يتخلّى 3 من أصل كل 10 قرّاء محتملين للموقع عن التصفّح.

وفقاً لدراسة أجراها معهد “أوبينيون واي” (Opinion Way) الفرنسي لصالح شركة “آي إن جي دايركت” (ING direct)؛ يقول 82% من المواطنين الفرنسيين إنهم يعانون من قلة الصبر أكثر مما سبق. واتضح أن أكثر المواقف التي يُظهر الأشخاص فيها قلة الصبر هي في أثناء التواصل مع موظفي خدمات الزبائن ما بعد البيع (61% من المواطنين) وموظفي الخدمات الإدارية (59%) وفي مواعيد الأطباء (48%) والانتظار في طوابير المتاجر (28%). يزداد نفاد الصبر نتيجة للنظام الذي نعيش ضمنه، فمثلاً يحفّز بطء موظفي خدمة العملاء شعورنا بالعجلة. جدير بالذكر أنه وفقاً للدراسة السابقة؛ يقضي الفرنسيون ما متوسطه 28 ساعة سنوياً في محاولة التواصل مع هؤلاء الموظفين. يعتقد 61% من الفرنسيين الذين شاركوا في المسح الذي أجراه معهد “أوبينيون واي” أن استخدام الخدمات على الإنترنت قد يقلل من وقت الانتظار.

العالم الرقمي، هل هو مصدر قلة الصبر؟

وفقاً لإحدى الدراسات المنشورة عام 2018؛ يبلغ عدد المرات التي يتفقّد فيها الفرنسيون هواتفهم خلال اليوم 23 مرة، كما أنهم يقضون على هواتفهم مدة ساعة و42 دقيقة وسطياً كل يوم. أصبحنا متصلين بالإنترنت دائماً، كما أصبحت المعلومات متوفرة لحظياً. لا يستغرق الأمر محرك البحث الأكثر استخداماً في العالم، جوجل ثانية واحدة حتى يُظهر آلاف النتائج لأي بحث نقوم به. يقول الطبيب والمعالج النفسي جان كوترو (Jean Cottraux): “نحن نعيش اليوم في مجتمع اعتاد على ضغط الأزرار؛ إذ إننا ننتظر دوماً استجابة فوريّة”. يريد البشر اليوم أن يعرفوا كل شيء مباشرة دون الحاجة للانتظار. تقوم الآلات بالكثير من المهام نيابة عنا، ونحن لا نفهم لماذا تعجز أحياناً عن الاستجابة لطلباتنا. لذا من الطبيعي أن نشعر بالتوتر ونفاد الصبر في مواجهة المشكلات التي تواجهنا عندما نضطر للانتظار كثيراً أو عندما نفقد الاتصال بالإنترنت.

حلل باحثون ألمانيّون في دراسة أُجريت بين عاميّ 2013 و2016 ما لا يقل عن 43 مليون تغريدة على موقع تويتر. في عام 2013، كانت الوسوم الرائجة تبقى ضمن الوسوم الخمسين الأكثر رواجاً على الموقع لمدّة 17.5 ساعة، وبعد 3 سنوات، انخفضت هذه المدة لتصل إلى 11 ساعة. تبين هذه النتائج قلة الصبر التي نعاني منها فيما يتعلّق بمحتوى المواقع من المعلومات.

يقلل وقت الانتظار الطويل أيضاً من قدرتنا على الانتباه. تساوي مدة الانتباه المتوسطة على الإنترنت 8 ثوانٍ، وهي أقل من السعة التركيزية للسمك الذهبي.

ومع ظهور وسائل الإعلام الجماهيري، أصبحنا عرضة للاطلاع على المزيد من الأخبار من خلال الشبكات الاجتماعية والتلفاز وغيرها. يزيد هذا الارتفاع الكبير في كم المعلومات من رغبتنا بالاطلاع على المعلومات وعدم تفويت أي شيء؛ ولكنّه يقلل من قدرتنا على الانتباه. بتعبير آخر؛ التعرّض لكم هائل من المعلومات يفرّغ المعلومات من محتواها. يقول كوترو: “لم نعد نعرف كيفية التفريق بين المعلومات ذات القيمة وتلك عديمة القيمة. لقد حصلنا على نظرة عامة عالمية على كل شيء يحصل”. تحفّز هذه الرغبة بمعرفة كل شيء دائماً شعورنا بالتوتر ونفاد الصبر.

الخوف من تفويت الأخبار

هل يؤثّر الخوف من تفويت الأخبار فيك؟ انتشر هذا التعبير مع ظهور الإنترنت والتدفق المستمر للمعلومات في الشبكات الاجتماعية. نخاف طيلة الوقت من تفويت أحدث الوسوم الرائجة أو عدم قراءة أو رؤية ما نشره جيراننا على موقع فيسبوك الأسبوع الماضي أو عدم الاطلاع على أحدث المسلسلات الرائجة التي يتحدّث عنها الجميع.

يجعلنا ذلك نشعر بأننا غير قادرين على الانتظار حتى نطّلع على الأخبار التي فاتتنا. اليوم، أصبح الانتظار بالنسبة لنا أمراً مستحيلاً.

أصبح العيش في اللحظة في هذا المجتمع أمراً صعباً؛ إذ إننا نعيش في خوف دائم من أن الوقت قد نفد منا ونسعى دائماً لاستغلاله. ينتج عن ذلك أنه في اللحظة التي نضطر فيها لانتظار شيء ما (في طابور السينما أو أمام شاشات أجهزتنا حتى يتم تحميل صفحة ما)، نشعر وكأننا نضيّع وقتنا.

3 طرق لزيادة القدرة على الصبر

اتّبع أصول التربية. يقول كوترو: “يقوم البعض بفعل أي شيء في أي وقت. إنهم يشعرون بأنهم على عجل وأن لهم الأسبقية على الآخرين وأنهم يجب أن يحصلوا على ما يريدون في الوقت الذي يرغبون به، حتى قبل أن يعبّروا عن رغباتهم. هذه مشكلة تربوية. ويجب علينا أن نراجع قواعد التعليم ونتّبع أصول التربية ونعلّم الأطفال والأشخاص التحلّي بالصبر وأن يكونوا مؤدبين”.

خذ ما يكفي من الوقت. يقول كوترو: “نرى في مواقع التواصل الاجتماعي عدداً هائلاً من التعليقات المتسرعة التي لا تتضمن أي محاججات، وهذا ينتج أيضاً عن قلة الصبر. كما أن هذه التعليقات تعبّر عادة عن وجهة نظر فظّة وعنيفة في أغلب الأحيان”. الهدف هو أن تأخذ ما يكفي من الوقت لصياغة أفكارك ووجهات نظرك.

العيش في اللحظة. يقول كوترو: “الخيار الأفضل هو التوقّف عن استخدام أي جهاز رقمي من حين لآخر بدلاً من التفاعل بشكل منتظم مع ما يحدث على الشبكات الاجتماعية”. توقّف عن التفكير في المستقبل أو في حقيقة أنك تضيّع الوقت. مثلاً عندما تكون في غرفة الانتظار في عيادة الطبيب، حاول تصفّح مجلّة أو كتاب رغبت في قراءته منذ زمن بدلاً من تفقّد الوقت دائماً أو الاطلاع على أحدث الأخبار الرائجة على موقع تويتر.

المحتوى محمي !!