هل كان مارك زوكربيرغ مصاباً بمتلازمة أسبرجر؟

مارك زوكربيرغ
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: سلّط الفيلم الشهير لقصة حياة مؤسس موقع فيسبوك، مارك زوكربيرغ، الضوء على بعض الجوانب الخفية لشخصية زوكربيرغ؛ ما أثار بعض التساؤلات حول حقيقة إصابته بطيف التوحد عالي الأداء أو متلازمة أسبرجر. فهل حقاً كان مصاباً بها؟

يقول المهندس وعالم الكمبيوتر كريستوف ستاتشي (Christopher Strachey): “إذا كنت تريد أن تكون مبتكراً حقيقياً، فاستعد لترك الجميع خلفك”. في الواقع، إذا ما أمعنت النظر في معظم الشركات الناجحة، ستجد وراءها أفراداً متمردين وغير مرتبطين بالتقاليد الاجتماعية؛ إنهم الأفراد الذين يتمتعون بسمات متلازمة أسبرجر.

وعلى سبيل المثال؛ منذ أن أصبح مارك زوكربيرج شخصية عامة، جعل سلوكه بعض الناس يتساءلون عما إذا كان مصاباً بالتوحد إلى حد ما، وبخاصة بعد إعلان مؤسس شركة سبيس إكس، إيلون ماسك (Elon Musk) عن إصابته باضطراب طيف التوحد. فما حقيقة هذه التساؤلات؟

ما هي متلازمة أسبرجر؟

متلازمة أسبرجر هي اضطراب “طيف التوحد عالي الأداء”؛ لأنه وعلى الرغم من كونه جزءاً من طيف التوحد إلا أن أعراضه أقل حدة من بقية الأنواع الأخرى في طيف التوحد. السمة الرئيسية للمصابين بالمتلازمة هي صعوبة التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، فضلاً عن السمات النموذجية الأخرى للتوحد.

ومع ذلك، تختلف متلازمة أسبرجر عن اضطرابات طيف التوحد الأخرى في المقام الأول من حيث عدم وجود تأخر في النمو أو تأخر في اللغة أو التطور المعرفي؛ كما يتمتع معظم المصابين بمتلازمة أسبرجر بمستوىً عام طبيعي من الذكاء، وهو مرتفع في بعض المناطق على نحوٍ خاص.

وُصف المرض لأول مرة من قبل طبيب الأطفال النمساوي هانز أسبرجر (Hans Asperger) في القرن العشرين؛ إذ لاحظ الطبيب في 4 من مرضاه الصغار سمات سلوكية معينة متشابهة بشدة. أظهر جميع الأطفال نقصاً واضحاً في التعاطف البشري، ولم يتمكنوا من التعرف إلى تعبيرات المشاعر لدى الآخرين. لم يكوّنوا صداقات مع غيرهم من الأطفال، وبالكاد شاركوا في الحياة الاجتماعية مع أشخاص آخرين. في المقابل، كرس الأربعة أنفسهم لمجال اهتمام غير عادي إلى حد ما على نحوٍ مكثف.

أُضيفت متلازمة أسبرجر إلى الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للاضطرابات العقلية؛ الصادر عن الجمعية الأميركية للطب النفسي عام 1994، واعتُبرت تشخيصاً متميزاً بوصفها اضطراباً منفصلاً؛ ولكن في عام 2013 أعادت الجمعية الأميركية للطب النفسي تصنيف متلازمة أسبرجر كأحد أشكال طيف التوحد ضمن دليلها التشخيصي الخامس.

اقرأ أيضاً: اضطراب طيف التوحد: دليل شامل من الأسباب إلى الأعراض والعلاج

أعراض متلازمة أسبرجر

يعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة أسبرجر؛ مثل المصابين بالتوحد جميعهم، من مشكلات في معالجة المحفزات، وفرط الحساسية الحسية، والصعوبات في العلاقات الاجتماعية. وعموماً، تمكن ملاحظة واحد أو أكثر من الأعراض التالية لديهم:

  • ضعف التفاعل الاجتماعي، وعدم ملاءَمته للموقف.
  • تركيز الحديث والتفكير في موضوع واحد أو حول نفسه.
  • قلة التعاطف مع الآخرين، أو عدم فهم مشاعرهم.
  • التحدث بأسلوب آلي عالي النبرة أو هادئ.
  • عدم القدرة على فهم لغة أجساد الآخرين وإيماءَاتهم وتعابير وجوههم.
  • الهوس بموضوع واحد أو اثنين.
  • النمطية ورفض التغيرات في الروتين.
  • حفظ المعلومات والحقائق بسهولة.
  • الحركات غير المتسقة.
  • عدم القدرة على التحكم في المشاعر وإدارتها؛ ما يؤدي بالنتيجة إلى نوبات سلوكية أو لفظية.
  • فرط الحساسية للأصوات والأضواء.
  • تطور قويّ لسمات أو قدرات شخصية.

في الواقع، لا يوجد شخصان مصابان بمتلازمة أسبرجر متماثلان تماماً؛ إذ يتجلى الاضطراب في أشكال مختلفة، ويتفاوت المصابون بشدة التعبير عن الأعراض، فبينما يعاني البعض من مشكلات بسيطة فقط، يواجه البعض الآخر تحديات كبيرة.

اقرأ أيضاً: ما أسباب الحساسية من الضوضاء؟

أسباب متلازمة أسبرجر وعلاجها

أسباب متلازمة أسبرجر غير معروفة حتى الآن؛ لكن ما يمكن قوله إنه لا علاقة لأسلوب تربية الوالدين أو لبيئة الطفل بذلك (منزل بلا حب)، فهي اضطراب في النمو العصبي والعقلي يسبّب تشوهاً في نمو الدماغ.

غالباً ما تبدأ الأعراض بالظهور على نحو واضح في مرحلة ما قبل دخول المدرسة أو بعدها، وعلى الرغم من عدم وجود علاج للمتلازمة حتى الآن؛ لكن بالإمكان إدارة أعراضها والتحكم بها من خلال:

  • تدريب المهارات الاجتماعية.
  • العلاج السلوكي المعرفي.
  • تعليم الوالدين وتدريبهم.
  • تقويم الكلام واللغة.
  • العلاج الوظيفي.
  • دروس التعليم الخاصة.
  • الدواء.

هل مارك زوكربيرغ مصاب بمتلازمة أسبرجر؟

بدأت التساؤلات حول إصابة مارك زوكربيرغ بمتلازمة أسبرجر بعد أن صدر فيلم “الشبكة الاجتماعية” (The Social Network) عام 2010؛ الذي يروي قصة تأسيس زوكربيرغ؛ الطالب الذكي في جامعة هارفارد، لموقع فيسبوك.

استطاع مؤدي الشخصية، الممثل جيسي أيزنبرغ، أن يوضح للمُشاهد صعوبة التواصل العاطفي لمارك مع الآخرين، وشعوره باللامبالاة بمخاوف الآخرين، وعدم كفاءته اجتماعياً. ومع ذلك، فقد استطاع الفوز بقضيته، وأصبح الرئيس التنفيذي لشركة ميتا بلاتفورمز (Meta Platforms, Inc)؛ وهي اليوم واحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم.

ويقول الدكتور المتخصص في علم نفس الفنون، نورمان هولاند (Norman N Holland): “بدا لي بوضوح تام عندما رأيت الفيلم، أن زوكربيرغ كما تم تصويره في الفيلم كان حالة كلاسيكية لأسبرجر”.

اقرأ أيضاً: بماذا أصيبت ليدي غاغا وأديل؟ تعرف إلى اضطرابات الفنانين النفسية

وفي صحيفة “ذا نيويوركر” (The New Yorker)، وصِف زوكربيرغ بالخجول والمغرور في آنٍ واحد، فإذا لم يكن مهتماً بالحديث، يشيح بنظره بعيداً متجاهلاً السؤال؛ كما ورد عن أحد أصدقائه أنه “إنسان آلي” مبرمج ليجيب بنبرة واحدة.

في المقابل، أشار رجل الأعمال ريد هوفمان (Reid Hoffman)؛ وهو أحد المستثمرين الأوائل في فيسبوك، في إحدى مقابلاته إلى أن زوكربيرغ كان رجلاً هادئاً، فخلال اجتماع استمر نحو ساعة من الزمن، لم يقل مارك سوى بضع جمل فقط، لقد كان يفكر بعمق!.

وبمتابعة مسيرة أعماله، فقد اتخذ زوكربيرغ خطوات جريئة، متحدياً الأعراف، ومستعداً لأن يكون مختلفاً. على سبيل المثال؛ في عصر قد تنتهي فيه مسيرة الشركات التكنولوجية بلمح البصر، كان مستعداً لشراء شركات ناشئة مثل إنستغرام (Instagram) ووتساب (WhatsApp). اعتبر العديد أنها خطوة مجنونة وغير مدروسة؛ إلا أنها الآن تُعد واحدة من أذكى الاستثمارات وأكثرها ربحاً.

اقرأ أيضاً: هل كان أينشتاين مصاباً بمتلازمة أسبرجر؟

ختاماً، لم يذكر مارك زوكربيرغ شيئاً عن إصابته بطيف التوحد أبداً، ولذلك؛ لا يمكننا تحديد ما إذا كان مصاباً بمتلازمة أسبرجر على نحو قاطع. يبقى هذا شأناً خاصاً بينه وبين أطبائه؛ ولكن وفقاً لأحد أشهر مصابي التوحد ذي الأداء الوظيفي العالي والأستاذة في علم الحيوان في جامعة ولاية كولورادو (Colorado State University)، تيمبل غراندن (Temple Grandin)؛ يمكن القول إنه سواء أكان زوكربيرغ أو أينشتاين أو نيكولا تيسلا، فإن الأشخاص المصابين بالتوحد لديهم هداياهم الخاصة ليقدّموها للعالم.

المحتوى محمي !!