ماذا يُقصد بالحوار الداخلي؟

الحوار الداخلي
shutterstock.com/miniwide
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الحوار الداخلي عبارة عن علاج نفسي مُمتع ولا يستغرق وقتاً طويلاً، والهدف منه هو التعرّف على النفس بطريقة أفضل  وذلك بالإنصات للشخصيات الفرعية المتناقضة والمتضاربة التي تسكن النفس والتي نحاول كبتها. ستتعرف في السطور التالية على الزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع.

  1. المنهج المتبع
  2. نبذة تاريخية
  3. كيفية سير الجلسة
  4. مؤشرات و موانع
  5. سعر الجلسات ومدتها
  6. إفادات

المنهج المتبع

يصف كلاً من هال وسيدرا ستون الحوار الداخلي الذي وضعا قواعده باعتباره “وسيلة للتواصل ذات قوة هائلة، تبدو بسيطة ولكنها ليست كذلك في الحقيقة”. ويعتبر الحوار الداخلي اليوم طريقة لاستكشاف الذات، يتزايد انتشارها يوماً بعد يوم. وعلى الرغم من أنه علاج نفسي مُمتع ولا يستغرق وقتاً طويلاً، فهو واعد ويُحدث تغييراً شاملاً لدى الفرد من كافة النواحي سواء الجسدية، والعقلية، والعاطفية وحتى الروحية.

ويدور مفهومه حول اكتشاف مختلف “الشخصيات الفرعية” التي تسكننا -والتي تُسمى  أيضاً “الأصوات”-، واختبارها ودمجها. يشرح آل ستون الأمر كالتالي: “نملك جميعاً عدة كيانات داخلية ذات جوانب جيدة وأخرى سيئة. ويحاول كل منها جذب الأنظار لها للاستحواذ على جُل اهتمامنا وتلبية احتياجاتها بالدرجة الأولى. وإذا لم نتفهم الضغوط التي تمارسها هذه الجوانب، فسنواجه خطر عدم القدرة على السيطرة على حياتنا. بينما عندما نتعلم التعرف عليها، يمكن لكل منا اختيار متى يمكن لأي جانب منها الظهور في حياتنا”.

بعبارة أخرى، فإن قمع بعض الشخصيات الفرعية بداخلنا، قد يجعلنا نهوى في كم هائل من الصراعات الداخلية المحتدمة (مثل عدم القدرة على اتخاذ أحد الخيارات الصعبة) وقد يجعلنا نقع في قبضة مشاعر متكررة مثل الشعور بالذنب والعصبية والغضب والخوف. لذلك، فإن المبدأ الذي يقوم عليه الحوار الداخلي في غاية البساطة: تقوم الجلسات على اختبار كلا الوجهين “الحسن والقبيح”، و”النشط والمسترخي”، و”الضحية والطاغية”، و”المطيع والمتمرد”، وغير ذلك. ويضيف آل ستون: “إنها رحلة لاكتشاف ذواتنا”.

نبذة تاريخية

تلخص ماغي بوان، المعالجة النفسية ومستشارة العلاقات الأمر، قائلة: “يعود الأصل في النهج المتبع في الحوار الداخلي إلى إحدى القصص الغرامية”. وفي هذا السياق، هي قصة غرام جمعت بين هال وسيدرا ستون، وهما زوجان أميركيان يعملان بالتحليل النفسي ومن أنصار عالم النفس يونغ. ففي بداية الثمانينيات – وعلى ضوء ملاحظاتهما السريرية، والصعوبات التي واجهاها في أثناء ممارستهما لمهنتهم، وكذلك الطبيعة المتكررة لبعض أنماط الفشل التي مرا بها في أثناء علاقتهما – فقد جرّبا وقدّما نهجاً جديداً لتنمية الشخصية.

أطلقا عليه اسم: “الحوار الداخلي” (أو ما يُعرف بـ “الحوار الصوتي” في اللغة الإنجليزية)، أو فن الإنصات للأصوات المختلفة (الأكثر انخفاضاً)؛ وذلك للوصول تدريجياً للشعور بالانسجام مع النفس ومع الآخرين كذلك. وعلى الرغم من تشابه تقنيتهما إلى حد ما مع نظرية الأنماط الأولية (الصور الرئيسية المكونة للاوعي الجمعي) التي طورها يونغ في بداية القرن، إلا أنها مبتكرة تماماً.

يعد آل ستون بالفعل أول من عرَّف مبدأ القطبية الذي يوجد بين “شخصياتنا الفرعية الأولية”، التي ورثناها من طفولتنا وبين أضدادها تلك الشخصيات المكبوتة في اللاوعي، وتُعرف بـ “الشخصيات الفرعية المنبوذة”. وهكذا، فإنه في مقابل كل طفل خاضع هناك طفل آخر متمرد ومكبوت؛ وفي مقابل الشخص الانتقادي هناك آخر لطيف المعشر؛ وفي مقابل الشخص النشط هناك آخر في غاية الكسل، وغير ذلك. وقد ساهم نشر كتاب “الحوار الدخلي” (عن دار نشر سوفل دور، 1991) والذي أصبح أحد أكثر الكتب مبيعاً، في انتشار فكر هال وسيدرا ستون، ذلك الفكر الذي شهد على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، نجاحاً متزايداً في جميع أنحاء العالم. ففي هولندا، يساهم أحد طلابهما وهو روبرت ستامبوليف، حالياً في الترويج لنهجهما، بينما في فرنسا، تقوم جينفيف كايو، المعالجة النفسية وخبيرة الأعمال الاستشارية، بتدريب المتخصصين في هذا المجال.

كيفية سير الجلسة

هنا، لا يوجد مريض ولا معالج، ولكن “مُيسَر عليه” و”مُيسِّر”. وتوضح جينفيف كايو الأمر بقولها: “إن كلمة (مريض) تترك أثراً سلبياً في نفس من يسمعها. ومع ذلك، فإن مشاركة الشخص لا غني عنها حتى يتمكن “المُيسِّر” من مساعدته على سماع الأصوات المختلفة الموجودة بداخله”.

وغالباً ما تسير الجلسة باتباع إجراء محدد بوضوح. في البداية، تُخصص بضع دقائق للتحاور وجهاً لوجه لإتاحة الفرصة أمام “المُيسَر عليه” للإدلاء بما يعاني منه من صعوبات، قد يكون ذلك صراعاً داخلياً، أو معاناة من الاكتئاب، أو حزناً عميقاً، ويلي ذلك الشروع في إجراء الحوار الداخلي المتعارف عليه. وتقول ماغي بوان شارحة: “يحدث أن يقوم الفرد أولاً بتجربة إحدى شخصياته الفرعية الأولية، أي واحدة من ضمن “ذواته” المتعددة التي يعتقد في وجودها ولكنها تخنقه”.

يقوم “المُيسِّر” بدعوة “المُيسَر عليه” للتنقل في أنحاء الغرفة لإدخاله في الطاقة الخاصة بأحد الكيانات الكامنة بداخله. توضح جينفيف كايو: “إن هذا التصرف بطبيعة الحال له دلالة رمزية، فانتقال الجسد من مكان لآخر، يجعل بالإمكان تعزيز عملية التخلص من هوية لذات الواعية”. ومن خلال الأسئلة التي يطرحها عليه “المُيسِّر”، يتوجه “المُيسَر عليه” نحو التغلغل عاطفياً وبدنياً في أحد” أصواته”. وتعلق جينفيف كايو على ذلك، قائلة: “(لإيقاظ) الشخص النشط أو الطفل الحزين، على سبيل المثال، الذي يغفو بداخل “المُيسَر عليه”، نوجه الحديث له بشكل مباشر؛ لذلك أقوم بسؤاله لمعرفة منذ متى وهو موجود، وما الذي يود قوله وما هو الغرض منه. وغالباً ما تحدث نوبات بكاء أو غضب شديد واعترافات مضحكة جداً أحياناً. في الواقع، نحن ندفع “المُيسَر عليه” إلى التماهي التام مع ذلك الجزء منه حتى يتمكن هذا الأخير من التعبير عن نفسه بلا أي قيود، ومن دون خوف من الحكم عليه. ونحن نوجد لمساعدته. في الواقع، كلما تمكنت الشخصية الفرعية الأولية من التحدث من دون مقاطعة، أصبحت أقل عنفاً وأقل شعوراً بالاحتجاز ووجدت مكانها الصحيح بطريقة طبيعية”.

ثم يُدعى “المُيسَر عليه” للعودة إلى مكانه الأول في الغرفة للتعليق على ما عاشه للتو ولكي يدمج الصوت الذي استكشفه. وهنا يحدث أول شعور بالوعي. ثم يغير “المُيسَر عليه” مكانه مرة أخرى ليتمكن من التماهي في شخصيته الفرعية المقابلة والمنبوذة. وتوضح ماغي بوان ذلك فتقول: “بعد (الشخص المتحكم) يطلب (الشخص المسترخي) أن يُتاح له الحديث، وبعد الطفل الحزين، يحتاج الطفل المرح للتعبير عن نفسه”. وتعلق جينفيف كايو على الأمر بدورها فتقول: “في الواقع، في الغالب يكون ما يعبر عنه هذا الكيان، يتوافق مع ما كان يود الشخص أو لا يزال يود أن يخبر به والديه، ولكنه لم يجرؤ قط على قوله”.

ثم تأتي المرحلة قبل الأخيرة من الاستشارة، ألا وهي: الرؤية الواضحة. يصبح “المُيسَر عليه” شاهداً ويستمع إلى المعالج النفسي وهو يتولى التذكير بالمراحل المختلفة للجلسة بحسب ترتيبها الزمني، بصيغة المفرد الغائب. وتتابع ماغي بوان: “بصفتي مراقباً محايداً، أقوم بوصف ذلك دون إصدار أية أحكام. فأقول على سبيل المثال، إن فلاناً جاء اليوم لزيارتي لكي يخبرني بمدى معاناته من أجل الترقي على الصعيد المهني، وكيف أن ذلك يجعله حزيناً ومحبطاً. ولقد اقترحت عليه أن ينصت لما تود شخصيته الفرعية الأولية التعبير عنه، وسمعته يقول إنه تابع الدراسة التي دفعه والداه إليها بغية الحصول على وظيفة محترمة، وقد كان يجني المال بالتأكيد وكان لديه مسؤوليات، ولكنه لم يكن سعيداً قط بالذهاب للعمل كل صباح. وبعد ذلك، عاد فلان هذا إلى موضعه الأول للتأكيد على أقواله، ثم قام بعد ذلك مباشرة باختبار شخصيته الفرعية المنبوذة. فقالت هذه الأخيرة إنها لم ترغب قط في اتباع توجيهات والديها، وإن فلاناً كان يفضل دائماً العمل اليدوي على الفكري، وبدلاً من كتابة التقارير، كان يفضل صناعة الأشياء، وإنه عندما يحين وقت وفاته، لم يكن ليهتم باعتباره ثرياً ما دام لم يكن سعيداً…”.

تتيح هذه الخطوة للـ “مُيسَر عليه” أن يلقي نظرة محايدة من بعيد على كلا الجانبين لديه. وبعد هذا العرض، يعود “المُيسَر عليه” إلى مكانه الأول للتعليق على الجلسة، محاولاً جمع شتات نفسه. “عندما يتماهى مع ما في داخل ذاته ويضطلع بدوره القيادي، لا يُستبعد أن يقول لي: “إنه أمر لا يصدق، لقد أصبحت أرى العالم بطريقة مغايرة عن ذي قبل”. فقد جعله الحوار الداخلي في الواقع، يطلع على مكنون نفسه، وبالتالي يكتشف العراقيل التي تعيقه عن التقدم في مسيرته، والأعذار التي يختلقها لنفسه، وكذلك دوافعه العميقة، وأحلامه ورغباته الدفينة. وهذا غالباً ما يولد لديه الرغبة في استعادة حياته، واتخاذ القرارات التي تحقق له الرفاهية”.

توجيهات ونصائح

أولاً وقبل كل شيء، بوصفها أداة لاستكشاف النفس وطريقة للتنمية الذاتية، تناسب هذه التقنية الجميع؛ حيث ينجذب الأطفال إلى الجانب المرح منها، وخاصة أولئك الذين يصعب عليهم التأمل والتقييم الذاتي، وكذلك المراهقون الذين غالباً ما يرفضون نهج العلاج النفسي التقليدي. كما أن هذه التقنية تناسب تماماً من يعانون من الاكتئاب أو الذين يستمرون رغماً عنهم في الإتيان بسلوكيات متكررة. ولكنها لا تناسب الأشخاص المصابين بالفصام الذين يعانون من اضطراب تفكك الشخصية.

سعر الجلسات ومدتها

هذا العلاج لا يستغرق وقتاً طويلاً. ولكن، بينما لابد من مرور من ثلاثة إلى ستة أشهر للوصول إلى الوعي بمختلف كيانات النفس، فإن العملية برمتها تستغرق ما بين عام واحد إلى ثلاثة أعوام.

* يختلف معدل إجراء الجلسات من مرة أسبوعياً إلى مرة شهرياً.

* المدة: ساعة ونصف.

* السعر: يتراوح بين 63 دولاراً وحتى 133 دولاراً يورو.

إفادات

أفادت ليز، 36 عاماً: “عندما أنصت إلى ما يقوله صوتي العقلاني، تحررت من رجل مغرق في المثالية”.

“قمت بخطوتي الأولى، عند إدراكي لوجود طاقة كامنة بداخلي كانت تشغل حيزاً كبيراً، ألا وهي: المثالية. دائماً ما كنت أشع تفاؤلاً وبشكل مبالغ فيه كثيراً، لدرجة رفضي لرؤية الواقع. وفي حياتي العاطفية، كان هذا التفاؤل يتُرجم إلى “يوماً ما كل شيء سيصبح على ما يرام…”، بينما كانت الصعوبات التي واجهتها هائلة. وخلال إحدى الجلسات، اقترحت على معالجتي استكشاف “الطفلي المثالي” بداخلي، ثم نقيضه، “الواقعي”.

وبطبيعة الحال، لم يكن من السهل الإنصات لهذا الصوت الأخير، فقد كان يخبرني بلا هوادة أن الرجل الذي أحببته كان يدمرني أكثر بكثير مما كان يفعل ليسعدني… كل خيبات الأمل، وكل الحزن الذي كنت أراكمه دون وعي مني، كان يخرج بحدة. ومع ذلك، ففي نهاية الجلسة، شعرت بالارتياح لأنني تركت هذين الجانبين من شخصيتي يفصحان عن نفسيهما. واستطعت أن أصيغ في كلمات ما لم أجرؤ على الاعتراف به من قبل خشية الوقوع في الخطأ: إن العلاقة التي استمررت بها طوال ثلاث سنوات لم تكن تشعرني بالرضا. ولعدم قدرتي حتى ذلك الحين على التشكيك في هذه القصة، لم يستغرق الأمر مني سوى القليل من الوقت لرصد كل الثغرات التي كانت تشوب علاقتي الغرامية.

فلم يكن هناك توافق بيننا بشأن تصوراتنا المستقبلية، وسرعان ما تبينت حقيقة الأمر، فقد كنت أتشبث بما لا طائل من وراءه. وأصبح لا مفر من الانفصال. فبالإضافة لتخلصي من قصة مصيرها الإخفاق، فقد أثبتت لنفسي أنني أستطيع مواجهة الواقع واتخاذ الخيارات”.

المحتوى محمي !!