كيف نمارس سلوكيات التلاعب دون وعي؟ مختص نفسي يجيب

سلوكيات التلاعب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في مقاله الأخير، يتحدث روبرت نويبورجيه (Robert Neuburger) عن أوجه الشر الكامنة لدى كل شخص منا ويذكر من ذلك حقيقة أن سلوكيات التلاعب بالآخرين تبدأ في سن مبكرة، فحالما يتعلم الطفل الكلام يحاول إخفاء الحقائق أو إثارة الشعور بالذنب لدى والديه مثلاً.

هل يمكن لنا جميعاً أن نكون متلاعبين؟

روبرت نويبورجيه: نعم يمكن لأي شخص منا أن يكون كذلك وإذا تمعنا بما يكفي سنجد أننا نلجأ إلى هذا السلوك بأوجه مختلفة مثل إخفاء الحقائق أو إثارة مشاعر الذنب لدى الآخرين وسلوكيات أخرى تقودنا إليها الظروف. يتعلم الإنسان هذه المهارة منذ الطفولة إذ يبدأ باستخدام التلاعب اللفظي، فبمجرد أن يفهم طبيعة الروابط مع من حوله ويتمكن من الكلام يبدأ بإخفاء الحقائق؛ أول سلوكيات التلاعب الذي يلجأ إليه الطفل ظناً منه أن والديه لن يتقبلا الحقيقة.

تقول في مقالك إن الآباء يتلاعبون بأطفالهم أيضاً واستحضرت مثالاً ظريفاً حول ذلك عندما قلت إنهم يعددون لهم فوائد السبانخ لتشجيعهم على تناولها.

روبرت نويبورجيه: نعم يصدق الأطفال قصة السبانخ ولا يدركون أن آباءهم تلاعبوا بهم لأن السبانخ في الحقيقة ليست مفيدةً إلى هذا الحد ولا غنيةً بالحديد. يأخذنا ذلك إلى حقيقة أن طبيعة الرابطة بين الطرفين هي العنصر الأهم في نجاح هذه السلوكيات فكلما كانت هذه الرابطة حيوية أكثر كان تأثير التلاعب أكبر. مثلاً إذا حاولت التلاعب بكِ فسوف تطردينني على الفور، في حين لو كنا متزوجَين فإنك ستفكرين ملياً قبل فعل ذلك.

إذاً فطبيعة العلاقة هي العنصر الرئيسي في سلوكيات التلاعب؟

روبرت نويبورجيه: لا شك في ذلك، سواء كنا نتحدث عن العلاقات العائلية أو العاطفية أو المهنية لا بد من وجود علاقة وثقة بين الطرفين.

ما أبرز سلوكيات التلاعب اللفظي؟

روبرت نويبورجيه: إخفاء الحقائق الذي يعني كتم الحقيقة عن شخص ما عمداً، والتكلم معه بكلامٍ ملتوٍ يثير حيرته، أتذكر مثلاً أن زوجين جاءا لاستشارتي وكان الزوج مصاباً بمرض أفقده قواه، وعندما طلب من الزوجة أن تمنحه مزيداً من الاهتمام والحنان أجابته بأنها لا تريد أن تكون ممرضته؛ لكن هذا الجواب كان ينطوي على نوع من التحيز فالممرضة لا تمنح المريض الحنان، واستغرقني الأمر حتى اليوم التالي لأدرك أن هذه الإجابة كانت نوعاً من التلاعب اللفظي. 

إضافةً إلى ذلك هناك سلوكيات إثارة مشاعر الذنب لدى الآخر؛ أتذكر مثلاً مريضةً شابةً لدي كانت والدتها تتلاعب بها طوال حياتها دون أن تدرك ذلك فكلما كانت تود الخروج من المنزل تقول لها: “أنا سعيدة أنك ستخرجين وتستمتعين بوقتك، سأقضي الوقت وحدي لكن لا بأس بذلك طالما أنك تقضين وقتاً ممتعاً”.

تحدثت في مقالك عن التكذيب والتشكيك في أقوال الآخر أيضاً فهل هي إحدى صيغ التلاعب؟

روبرت نويبورجيه: نعم وقد نرى هذا السلوك بين أفراد العائلة أو الزوجين؛ إذ يشكك الشخص في كلام الآخر ويكذبه باستمرار وكلما حاول تقديم مبررات وإيضاحات ألصق الأول صفة الكذب فيه أكثر. هذه حقيقة معروفة في حالات الاعتداء الجنسي حينما يدعي المعتدي أنّ الضحية هي التي تقربت منه فتحاول الأخيرة إيصال صوتها بكل الوسائل لتجد أنّ أحداً يرفض تصديقها. قد يؤدي هذا النوع من التلاعب إلى أزمات نفسية خطِرة ولذلك فإنه من الضروري رصد سلوكيات التلاعب وتحديدها وهي ليست مسألة سهلة.

ما الفرق بين التلاعب اللفظي والحقيقي؟

روبرت نويبورجيه: الفرق الرئيسي بينهما هو أنّ لا نوايا سيئة خلف الأول؛ إذ يرمي الشخص الذي يستخدم هذا النوع من التلاعب إلى حماية نفسه مثلاً منع زوجته من اكتشاف خيانته لها. وعلى العكس من ذلك، فإن ما يميز التلاعب الحقيقي هو المتعة التي يمكن أن يستمدها الشخص من التلاعب. إنه الفرق بين طفل يكذب من حين لآخر وطفل يكذب طوال الوقت لذا يجب عدم الخلط بين الحالتين ومراعاة السياق في كل موقف.

كيف نحمي أنفسنا مما وصفته “تحريف الكلام” في مقالك؟

روبرت نويبورجيه: قد يكون ذلك صعباً جداً لكن الأمر الأساسي هو قراءة ما وراء هذا الكلام أما عندما نحاول فهم الكلمات في حد ذاتها فقد نضيع لأنها غير مفهومة أساساً. مثلاً عندما يحاول شخص ما أن يُشعرك بالذنب تجاهه فلا تتسرع وتفهم من كلامه أنه يشعر بأنه عديم الأهمية بالنسبة إليك بل اسأل نفسك بدلاً من ذلك: “ما الذي يريد قوله فعلاً؟ وما الذي يرمي إليه؟ وما تأثير ذلك فيَّ؟ ولمَ يريدني أن أشعر بالذنب؟ ما الذي يخفيه في كلامه؟” فإجابات هذه الأسئلة ستكشف لك الحقائق التي خفيت عنك؛ لكن ذلك يتطلب التحلي بالشجاعة والحزم وعدم السماح للشك بالتسلل إلى نفسي والشعور بالذنب في نهاية الأمر.

ويعتمد ذلك على ما تعنيه لك علاقتك بهذا الشخص، فإذا كانت علاقة حيوية سترى أنه من واجبك أن تفك تعقيداتها وتعمل على فهمها وتحليلها. سألتني إحدى صديقات ابنتي ذات مرة هذا السؤال: “هل يحق لي ألا أفكر بالطريقة التي تفكر بها أمي؟”. 

ففي هذه العلاقة مثلاً راجعت الابنة طرفاً ثالثاً لأخذ رأيه أما في العلاقة الزوجية فالأمر مختلف لأنها علاقة مغلقة بين الطرفين وقلتُ ذات مرة: “العلاقة الزوجية تعني أن يكذب الطرفان ويفكرا معاً”. وتظهر المفارقة في عدم رغبة أحد الزوجين بـ “خيانة العلاقة” عبر استشارة طرف ثالث حتى إذا كان مختصاً، دون أن يعي أن تدخل هذا الطرف سواء كان مختصاً أو صديقاً أو أحد أفراد العائلة قد يسهم في حل المشكلة.

كيف يمكن للشخص الذي يمارس التلاعب أن يرجع عن هذا السلوك؟

روبرت نويبورجيه: هذا ليس سهلاً فهو يتطلب منه أن يغير طريقة تفكيره.

كيف ذلك؟

روبرت نويبورجيه: من خلال الانتباه إلى ميله إلى التلاعب بمن حوله أولاً ثم النظر إلى نتائج سلوكياته عليهم وفهم الأذى الذي سببه لهم ثم عقد العزم على عدم الاستمرار بذلك.

كيف يمكن لطرفيّ علاقة يتخللها التلاعب الوثوق ببعضهما، وهل يمكن أن يبقى الإخلاص بينهما؟

روبرت نويبورجيه: يسير الإخلاص يداً بيد مع الثقة وهما سمتان أساسيتان لكل علاقة زوجية مبنية على التعاضد والحب ومع ذلك، فإن على الإنسان تجنب الثقة العمياء واتخاذ الإخلاص الحقيقي كأهم معيار لها وهو أساس الالتزام المتبادل، وإلا فإن المجال سيكون متاحاً أمام سلوكيات التلاعب.

اقرأ أيضاً: 5 تقنيات تُعلّمك فن الإقناع دون تلاعب.

المحتوى محمي !!