ما دور الأدوية المهدئة في العلاج النفسي؟ وما أضراراها؟

الاستغناء عن المهدئات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أن استخدام المهدئات قد يكون مفيداً في حالات القلق الشديد فإن الخطورة تكمن في احتمال إدمانها، ولهذا نعرفكم في السطور التالية إلى كيفية الاستغناء عن المهدئات بطريقة آمنة، من خلال بعض النصائح إضافةً إلى تجارب بعض الأشخاص الذين نجحوا في ذلك.
نعلم منذ زمن بعيد أن الفرنسيين يستهلكون الأدوية النفسية كالمهدئات أو مضادات الاكتئاب أو الحبوب المنومة بنسبة أكبر مقارنةً بسكان الدول الأوروبية الأخرى، ويستنكر الطبيب النفسي إدوارد زاريفيان الذي أعدّ تقريراً مهماً حول ذلك لوزارة الصحة الفرنسية في عام 1996، إساءة استخدام هذه الأدوية ويؤكد أنها تجلب راحةً كبيرةً للمريض في حال وُصفت باعتدال، أما عندما تصبح وسيلةً لا غنىً عنها بالنسبة له ليتمكن من الاستمرار في الحياة فإن ذلك يعني تعرضه لخطر الإدمان.

ويؤكد الطبيب النفسي أن أياً من هذه العقاقير لن يجلب لنا “السعادة المطلقة” وعليه فإن استخدامها لا بد أن يكون مؤقتاً ولدواعي استعمال محددة جداً؛ وهو الرأي الذي يؤيده الطبيب ليونيل كودرون الممارس للطب الغربي والصيني، ويوضح أنه ملتزم بحصر الوصفات الدوائية بالحالات الطارئة لكنه مع ذلك يرحب بوجود أدوية متاحة للتخفيف من المعاناة النفسية. ويقول:”يجب أن يتمحور استخدام هذه الأدوية حول تجنب خطر الانتحار والاختلالات السلوكية التي تنجم عن اضطرابات القلق الشديد”.

أهمية الالتزام بالعلاج الموصوف

في حين أنه من المستحب أن يسعى المرء إلى عدم الاعتماد على العقاقير، فإنه من الضروري من جهة أخرى الالتزام لمدة كافية بالعلاج الموصوف الذي قد تقتضيه الحالة المرضية. عانت سوسن ذات الـ 29 عاماً من حالة قلق شديد بعد وفاة والدتها وانفصالها عن شريكها، وعدم قدرتها على العثورعلى ذاتها في المجال المهني، ومع سيطرة مشاعر القهر عليها توقفتْ عن الأكل واتخذتْ من النوم المستمر ملاذاً لها فوصف لها طبيبها العام مضادات الاكتئاب والقلق، وساعدها تأثير الجزيئات الكيميائية لهذه الأدوية على الشعور بتحسن تدريجي في حالتها. في أحد الأيام قررت المرأة الشابة من تلقاء نفسها ودون استشارة طبيبها التوقف عن تناول أدويتها؛ ما أدى إلى تدهور حالتها النفسية مجدداً. تُعتبر حالة سوسن مثالاً واضحاً على أن تحسن الحالة النفسية للمريض لا يعني دائماً شفاءه من المرض.

وفي الحقيقة فقد يتوقف الكثير من المرضى عن تناول الدواء ليس نظراً إلى تحسن حالتهم بل بسبب شعورهم بالذنب تجاه فكرة محاولة مساعدة أنفسهم بالأدوية أو عدم قدرتهم على تحمل آثارها الجانبية. تقول سمر ذات الـ 35 عاماً: “عانيتُ من تعب جسدي شديد، وفقدتُ الذاكرة وأصبتُ بالتشنجات وجفاف الفم ومررتُ بفترات من النشوة. لقد كانت الآثار الجانبية للدواء أكثر سوءاً من القلق الذي كنت أعاني منه”.

عندما يتربص الإدمان

يؤكد الكثير من الأطباء النفسيين ضرورة أن تكون الوصفات الطبية مدروسةً. ويوضح المحلل النفسي المختص بحالات الإدمان جان لوك ماكسينس قائلاً: “عندما لا يكون الدواء ملائماً لحالة المريض فإن ذلك يرجع على الأغلب إلى عجز الطبيب العام عن فهم الحالة المرضية فهماً كافياً ويقوده هذا الارتباك إلى التسرع في وصف الدواء. وخلافاً للاعتقاد السائد فإن الأدوية النفسية ليست مفتاح السعادة؛ إنما ينحصر دورها في تخفيف المعاناة في أحسن الأحوال”.

وفي جميع الحالات يجب التعامل مع هذه الأدوية بحذر، ذلك لأن الاستخدام المطول لمضادات القلق قد يؤدي إلى حالة اعتماد فيزيولوجي لدى المريض إضافةً إلى الاعتماد النفسي؛ إذ تربطه علاقة رغبة بأقراص الدواء بحد ذاتها. ويقول مختص التحليل النفسي:” قد يحمل بعض الأشخاص أقراص الأدوية النفسية معهم كما لو كانت “تعويذةً” يساعد مجرد وجودها على التخلص من القلق”.

أهمية “التحالف العلاجي”

يقول ليونيل كودرون: “لا يمكن لأي علاج دوائي أن يكون فعالاً ما لم يقترن بعلاقة مُرضية مع طبيب مختص يكون قادراً على الاستماع إلى المريض وتوضيح أهمية العلاج له والاستماع إلى رغبته المحتملة في عدم استكماله، فالمعالج هو جزء من عملية العلاج الدوائي”.

وبناءً على ذلك فإن قرار المريض بإنهاء العلاج يكون دائماً بالاتفاق مع المعالج؛ إذ يجب تخفيض الجرعات الدوائية تدريجياً وإلا فإن أعراض القلق قد تظهر مجدداً. إضافةً إلى ذلك فقد يقترح المعالج في بعض الأحيان اللجوء إلى الطب البديل كالعلاج بالأعشاب (العلاج بالنباتات) أو الوخز بالإبر. ونظراً لعدم وجود آثار جانبية لهما أو تسببهما بأي إدمان تحظى هاتان الطريقتان المستعارتان من الطب الصيني بشعبية متزايدة في علاج أعراض القلق.

العلاج الدوائي والعلاج النفسي: نهجان يكمل كل منهما الآخر

من الضروري معرفة أن معظم الأدوية النفسية تفقد تأثيرها في نهاية المطاف، وإذا كانت لها قدرة على التخفيف من شدة المعاناة النفسية وأعراض القلق فلا يمكنها بحال من الأحوال علاج السبب الرئيس الكامن وراء المشكلة. ويؤكد جان لوك ماكسينس قائلاً: “إن القلق هو عرض أقل أهمية من المعاناة النفسية التي تكمن وراءه، فهو تعبير عن حاجة ما لدى فرد مثل حاجته إلى إعادة ترتيب ظروفه المعيشية أو تغيير رؤيته للعالم من حوله، ومن هنا يأتي دور العلاج النفسي”.

تقول نجوى: “كل ما قدمَته لي أقراص الدواء هو استبدال إدمان بآخر، وسواء كنتُ مدمنةً على تناول الدواء أو الطعام فإنني كنت أتعامل مع قلقي في كلتا الحالتين “بابتلاع” شيء ما”. في حين أن المرء قد يستخدم الأدوية النفسية كطريقة للهروب من الواقع وتجاهل مشكلته ونسيانها فإن العلاج النفسي، وإن لم يمحُ الصدمة، سيسمح له بفهمها فهماً أفضل والعثور على موارد أخرى لمواجهتها.

تحفيز قدرات الشفاء الذاتي

من الأهمية بمكان التوفيق بين العلاج النفسي الدوائي وغير الدوائي، فالتهدئة التي توفرها العقاقير للمريض قد تساعده على اكتشاف “جراحه” النفسية بصورة أوضح. ولكن قد لا يكون هذا هو الحال بالنسبة للجميع؛ إذ تقول كوثر التي خفضت جرعات الدواء بمساعدة طبيبها: “لقد جعلني الدواء أشعر بالثقل ومنعني من التفكير”. هل يجب الانتظار حتى إيقاف العلاج الدوائي للبدء بالعلاج النفسي؟ في الحقيقة لا توجد قاعدة محددة فيما يتعلق بذلك، فيمكن البدء بالعلاج النفسي قبل إيقاف العلاج الدوائي أو في أثناء ذلك أو بعده، بمجرد أن تدرك عدم كفاية استخدام الأدوية وحدها وتعي حاجتك إلى التعافي النفسي. تقول سوسن: “إنها تلك اللحظة التي تدرك فيها أن تشبثك بهذه الأدوية هو كما لو كنت تتشبث بعوامة وسط المحيط، فهي حالة لن تساعدك في شيء! لذلك قررت في أحد الأيام أن “أتعلم السباحة”.

هنالك طرق عديدة أخرى لتحفيز قدرات الشفاء الذاتي وتهدئة الجسم والعقل كممارسة الاسترخاء والتدليك واليوغا أوأي نشاط فني يحد من القلق ويسمح لك بالتعبير عن مشاعرك بطريقة إبداعية.

الشيء الرئيسي هو عدم الاعتماد على وصفة واحدة دون غيرها حتى لو كانت طبيعيةً لا كيميائية؛ بل الغوص في أعماق النفس لفهم المعاناة والاستجابة لها بالطريقة المناسبة. ويؤكد إدوارد زاريفيان ذلك قائلاً :”لدى كل فرد موارده الشخصية التي يثق بها ويعتمد عليها عندما يشعر باليأس، ورغم ذلك فإنه قد يحتاج إلى من يرشده إليها ويوضح له كيفية استخدامها”.

متى يكون اللجوء إلى الأدوية ضرورياً؟

قد يكون من المفيد أحياناً من الناحية النفسية عدم قطع العلاج الدوائي، وهذا هو الحال بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يعانون من قلق دائم وميول اكتئابية، ونقص في تقدير الذات يعود إلى مرحلة الطفولة، والذين تحسنت حالتهم بأعجوبة -وعلى الفور- عندما وصف لهم الأطباء أدوية الجيل الجديد من مضادات الاكتئاب التي تزيد مستويات هرمون السيروتونين؛ وأشهرها دواء البروزاك. ويشير الكثير من الأطباء النفسيين إلى أن الأشخاص الذين يشعرون بتحسن فور بدء العلاج بمضادات الاكتئاب يعانون في الحقيقة من اضطراب نفسي بيولوجي مزمن، ويمكن أن يكون العلاج الدوائي الدائم مفيداً لهم، كما أنه من الضروري الالتزام بالأدوية الموصوفة في حالات الأزمات النفسية التي تنطوي على نوبات قلق شديدة.

وأخيراً فعلى الرغم من أن الأدوية ليست الحل الوحيد لعلاج القلق فإنه يجب تجنب “شيطنتها” أو اعتبار استخدامها وصمة عار، ومن المهم أن يقبل الفرد الاستغناء عن المهدئات وتناولها طالما تطلبت صحته العقلية ذلك.

هل يمكن أن يكون الطب الصيني فعالاً في هذا السياق؟

يجيبنا عن هذا السؤال فرانسوا مارك رئيس معهد تشوزين للطب الصيني.

بسيكولولجي: ما هو المفهوم الذي يستند إليه الطب الصيني في علاج اضطرابات المزاج؟

فرانسوا مارك: يعتبر الطب الصيني أن أعضاء الجسم الحيوية؛ القلب والكبد والكلى والطحال والرئتان، تتوافق على الترتيب مع مشاعر الفرح والغضب والخوف والقلق والحزن، وعندما لا تكون هذه الأعضاء في حالة تناغم تظهر اضطرابات المزاج. أما إذا كان الاضطراب المزاجي ناجماً عن صراعات علائقية فإنه سيؤدي بدوره إلى تداعيات على وظائف هذه الأعضاء.

فهل هي إذن مسألة علاج عضو في الجسم لتحسين الحالة المزاجية؟

على عكس النهج الغربي الذي يفصل بين الأمراض الجسدية والنفسية، فإن الطب الصيني هو نهج شامل ينظر إلى نفس الفرد وجسده وبيئته ككل. ولا يكتفي الطبيب بمعالجة أعضاء الجسم استناداً إلى علم الأدوية أو الوخز بالإبر فقط، فهو يجمع بين علاج المريض ونصحه ليتمكن من إعادة ترتيب أسلوب حياته.

المحتوى محمي !!