كيف يرتبط تدني تقدير الذات في الطفولة بالقدرة على كسب احترام الآخر؟

كسب احترام الآخرين
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ليتمكن المرء من فرض احترامه على الآخرين فإن عليه أن يحترم ذاته أولاً ويعني ذلك أن يمنح نفسه قيمةً معتدلةً لا متدنيةً ولا مبالغاً فيها؛ ولكن الأمر لن يكون بتلك السهولة عندما يعاني نقصاً في تقدير الذات يرجع إلى عقد الطفولة ومخاوفها.

يصف المحلل النفسي جان كلود ليوديه (Jean-Claude Liaudet) مجتمعنا بأنه مجتمع “مفرط في النرجسية وعدم احترام الآخرين”؛ ولكننا نتساءل أيضاً: كيف يمكن لفرد يتمتع بسمة جسدية معينة مثلاً كقصر القامة أو النحف أو البدانة، أن يُسمِع صوته للآخرين ويفرض احترامه عليهم إذا كان من طرفه عاجزاً عن الشعور بقيمته الذاتية؟ عندما يعاني المرء تدني تقدير الذات في طفولته فإن ذلك قد يرافقه في الكبر، فيشعر أن مَن حوله لا يحترمونه سواء كنا نتحدث عن زملائه في العمل أو أطفاله أو حتى زوجته، وبسبب ترسخ هذا الشعور بداخله فإنه سيلتزم الصمت عند تعرضه للإهانة أو على العكس من ذلك قد ينفجر ويحاول فرض احترامه بعدائية حتى لو كان الموقف ناجماً عن سوء فهم بسيط لكلمة أو نظرة ما.

ترتبط مقدرتنا على فرض احترامنا على الآخرين من عدمه بعقدنا النفسية ومخاوفنا العميقة لأن تأكيد الذات وكسب الاحترام مرهونان باحترامنا لذواتنا أولاً، وقد يدفع شعور المرء بانعدام قيمته وخوفه من إثارة استياء من حوله إلى قبول ملاحظاتهم المهينة دون أي رد فعل، أو حتى البقاء مع شريك مسيء.

يرجع عجز المرء عن تأكيد ذاته عموماً إلى السنوات الأولى من الطفولة وهي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل ببناء شخصيته وتقديره لذاته. وعلى الرغم من أنه لا وصفة سحرية تساعده على إدراك قيمته وحقه في كسب احترام الآخرين، فإن على الوالدين أن يدركا قبل كل شيء حجم الضرر الذي قد تسببه العبارات التي تحط من قيمة الطفل وتقلل من شأنه والتي قد تصبح سمة ترافقه مدى الحياة أحياناً، ومن أمثلتها: “أنت لا تصلح لشيء” أو “أنت لن تحقق شيئاً في حياتك”. ويقول مختص التحليل النفسي جيرار لوفان (Gérard Louvain): “لكن الامتناع عن إهانة الطفل أو السخرية منه لا يعني أنه محمي تماماً من العقد النفسية التي قد يسببها والداه له وتؤدي إلى تدني تقدير الذات في مرحلة المراهقة والرشد، فثقة الطفل بنفسه قد تنعدم مثلاً عندما يرى أن أحد والديه يحتقر الآخر. علاوةً على ذلك فإن بعض الآباء اللامعين والموهوبين والواثقين بأنفسهم يرفضون دون وعي أن يقتدي أبناؤهم بهم لأنهم يرون فيهم خصوماً يجب ألا يبلغوا مستواهم”.

من جهة أخرى، عندما يرسخ الأبوان في ذهن الطفل فكرة أنه متفوق من كل النواحي فإن ذلك يدفعه إلى إنكار الواقع، أو عندما ينظران إليه “كبالغ صغير” ويعتقدان أنه يعي تماماً ما يريده ويمكنه التعبير عنه بنفسه فإنه لا يعود قادراً على فهم ذاته، لأن ترك الطفل لدوافعه غير الناضجة أمر بعيد كل البعد عن تعليمه الاستقلالية وتأكيد الذات، وعلى العكس فإن ذلك قد يسبب له إما جنون العظمة أو تدني تقدير الذات دون أن يتعلم مطلقاً كيف يتعرف إلى ذاته ويؤكدها بحكمة. ويقول جيرار لوفان: “هذه بالضبط الظاهرة التي نشهدها حالياً، فمن ناحية نرى المراهقين والشباب غير قادرين على تحمل أدنى إحباط وأقل تأخير في إشباع رغباتهم، فهم يرفضون مثلاً التخلي عن هواتفهم المحمولة للتركيز قليلاً على ما يقوله المدرس. ومن ناحية أخرى، نستقبل الكثير من المراهقين الذين يعانون رهاب المدرسة ويعجزون عن إدراك أماكنهم في هذه البيئة بسبب خوفهم الشديد من الآخرين”.

نحن نُعلِّم أطفالنا الأدب أما خصلة الاحترام فننقلها إليهم، وهذا ما يقودنا إلى المفارقة التالية بحسب ستيفان كليرجيه (Stéphane Clerget): “يمكن للفرد أن يكون مهذباً جداً عند تعامله مع الآخرين في حين أنه قد يفتقر إلى أدنى درجات الاحترام في تعامله مع زوجته مثلاً”. وعلى الرغم من ذلك فإن ما يدعو للتفاؤل هو أن الاحترام سلوك “معدٍ”، ويدعو ستيفان كليرجيه إلى تعزيز سلوكيات الاحترام من خلال مساندة الأشخاص الذين يتعرضون للإهانة أو تقليل الشأن فاتخاذ هذا الموقف يعزز احترامنا لذواتنا لأن من يحترم الآخرين يحترم نفسه وهذا أفضل سبيل نحو تقدير الذات.

المحتوى محمي !!