لم يتهرب البعض من قضاء إجازات سياحية مع الشِلة؟

الإجازات السياحية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يحبون قضاء الإجازات السياحية لكنهم لا يتقبلون مطلقاً فكرة السفر مع مجموعة كبيرة من الأشخاص أو حتى استئجار مكان للإقامة المشتركة مع مجموعة كبيرة من الأصدقاء، فلمَ يهلع البعض من فكرة قضاء الإجازة السياحية مع مجموعة؟ إليكم الإجابة في السطور التالية.

اختنق صوت سمر ذات الـ 33 عاماً حينما سألناها عما إذا كانت تحب المخيمات الصيفية في صغرها، وقالت: “كنت أرسل رسالة لوالديّ كل يومين لأطلب منهما أن يأتيا لاصطحابي إلى المنزل في كل مرة ذهبت فيها إلى معسكر صيفي، ولم تكن الحال أفضل مع الرحلات المدرسية، أو حينما اضطررت إلى مشاركة السكن مع طالبات أُخريات خلال مرحلة الدراسة الجامعية. حينما أخرج مع مجموعة يتولد لديّ انطباع بأن شخصيات أفرادها قد تلاشت، وهي ظاهرة غريبة تجعلهم يبدون أغبياء ولا وجود لهم، وأنا أولهم”!

وجودي ضمن مجموعة يُفقدني شعوري بذاتي

توضح مختصة التحليل النفسي سيلفي لاتريموليير (Sylvie Latrémolière) إن البعض يرى أن وجوده مع مجموعة يُفقده شعوره بذاته لأنه يشعر أنه يستغرق في رغبات أخرى خلاف رغباته الخاصة، ويضيف الطبيب النفسي جيرار ماكورون (Gérard Macqueron): “يصعب على هؤلاء جداً أن يفرضوا أنفسهم حينما يكونون ضمن مجموعة بسبب شعورهم بأنها تقيّدهم، وترجع جذور هذا الشعور إلى مرحلة الطفولة”.

يقول الطبيب النفسي فريديريك شابيل (Frédéric Chapelle): “تلاحظ مشكلة عجز المرء عن إيصال صوته والشعور بوجوده ضمن المجموعة لدى الأشخاص الذين نشؤوا في عائلات كبيرة، أو على العكس عند الذين عاش والدوهم في حالة من الانطواء على النفس. فالتفاعل مع مجموعة كبيرة أكثر من اللازم أو الافتقار إلى التفاعل مع عدد كافٍ من الأشخاص، يجعلهم ينظرون إلى الوجود مع مجموعة نظرةً سلبية منذ طفولتهم المبكرة. إضافة إلى ذلك، فخلال الإجازات العائلية وكما هي الحال في المجموعات، توكل إلى الجميع مهام محددة قد لا تلائم كلاً منهم. تقول سيلفي لاتريموليير: “قد توكل المجموعة إلى المرء خلال هذه الأوقات مهمة لا تعجبه عادةً، فيشعر أن شيئاً لم يتغير عن حياته المعتادة، وباختصار يشعر أنه لم يتحرك من مكانه”.

وجودي ضمن مجموعة يُشعرني بالقلق

يقول جيرار ماكورون: “قد يكون النفور من الوجود مع مجموعة علامة على الرهاب الاجتماعي. يرفض الشخص الذي يتسم بشدة الخجل قضاء الإجازة السياحية مع مجموعة خوفاً من نظرة الآخرين إليه، ولا سيما بسبب حالة التقارب المادي التي تفرضها هذه الأوقات”.

تقول سيلفي لاتريموليير: “حينما نسافر رفقة الآخرين نسير معهم ونزور أماكن مختلفة إضافةً إلى أننا قد نتشارك معهم غرفة النوم والحمام”، فإذا كان المرء يعاني تدنياً في تقدير الذات يمكن لهذه التجربة أن تصبح مصدر قلق كبير بالنسبة إليه. ويضيف فريديريك شابيل: “بعض الناس لا يقدر نفسه بما يكفي للاعتقاد بأنه يمكن أن تكون لدى الآخرين نظرة إيجابية عنه، ولا سيما أن وجود المرء مع مجموعة في العطلات، يعني أنه سيرى الأشخاص الذين قد يعتقد أنهم أفضل منه سواء في المظهر أو في مناحٍ أخرى، على نحو مكثف ويوميّ”.

حينما أسافر وحدي أتعرَّف إلى ذاتي

قد لا يستمتع المرء برحلة بحرية رفقة ألفيّ مسافر، أو حتى زيارة مدينة البندقية الساحرة رفقة خمسين منهم، ويقول فريديريك شابيل: “دور المجموعة هو حماية أولئك الذين ينتمون إليها”، ولكن بعض الأشخاص لا يشعر أنه بحاجة إلى هذه الحماية، ويمكن النظر إلى رهاب الوجود مع المجموعة أو “غروبوفوبيا” (Groupophobia) كدلالة إلى تمتّع صاحبه بنوع من القوة والاستقلالية. يقول جيرار ماكورون: “عندما يخرج المرء بمفرده أو مع شخص آخر فقط فهذا يعني أنه يريد التعرف إلى ذاته أكثر والاستماع إليها وإلى البيئة المحيطة به”. وتضيف سيلفي لاتريموليير: “يمكن للمرء حينها التعبير عن رغبته، الأمر الذي قد يكون صعباً مع وجود أشخاص كُثُر”. كما يتيح له التجوال وحيداً أو مع عدد محدود جداً من الأشخاص الانفتاح على أناس جدد، ولعل هذا هو المغزى الرئيسي من السفر.

تجربة كوثر مع السفر رفقة مجموعة كبيرة

تقول كوثر ذات الـ 36 عاماً وهي خبيرة تحليل مالي: “تحب عائلتي قضاء الإجازات السياحية مع مجموعة كبيرة من الأشخاص، فيجتمع أخوالي وأعمامي وأولادهم وما إلى ذلك، وذلك لا يستهويني، فتناول الغداء مع 30 شخصاً والخروج في رحلة إلى الشاطئ بـ 5 سيارات يعني استحالة إجراء محادثة حقيقية مع الآخرين! شعرتُ بالذنب قليلاً بسبب استيائي من هذه الرحلات لكنني أدركت أخيراً أنه لا يمكنني قضاء الوقت مع مجموعة كبيرة إلا لفترة محدودة لا تمتد لأكثر من 3 أيام، ومنذ ذلك الحين لا أجبر نفسي على قضاء عطلات طويلة مع العائلة بأكملها. لا بأس في الاجتماعات بين الحين والآخر خلال فصل الصيف، أما قضاء العطلات الطويلة فلا أقدر عليه”.

4 نصائح تسهل عليك السفر مع مجموعة

1. ابدأ بالسفر مع مجموعة صغيرة من المقربين

ينصح الطبيب النفسي جيرار ماكورون الأشخاص المصابين برهاب الوجود مع مجموعة بالبدء بقضاء الوقت مع مجموعة صغيرة: “يمكنك البدء بالتخطيط لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع بضعة أصدقاء مقربين، وعلى هذا النحو ستعرف ما إذا كان الوجود مع مجموعة ممكناً بالنسبة إليك ضمن ظروف محددة”.

2. ضع قواعدَ الرحلة مسبقاً

ينشأ العديد من الخلافات بين أفراد المجموعة خلال قضاء إجازة بسبب عدم التفاهم على كيفية تقاسم المهام، ويقول جيرار ماكورون: “من المهم أن تعرف تصوُّر الآخرين للرحلة”. مثلاً: مَن سيعتني بالأطفال؟ وكيف سننظم أعمال التنظيف؟ وغيرها الكثير من القواعد التي يسهّل وضعها مسبقاً إقامة أفراد المجموعة معاً.

3. اختر الظروف الأمثل لرحلتك

يوصي الطبيب النفسي فريديريك شابيل بمعرفة الفئة العمرية التي تستهدفها الوكالة التي تنوي السفر معها، فمن غير المثالي مثلاً أن يسافر شباب في العشرينيات من العمر مع أشخاص في الستينيات. كما أن وجهة الرحلة مهمة أيضاً، ووفقاً لجيرار ماكورون يمكنك تجنّب رحلات الإبحار والرحلات إلى الجزر الصغيرة حيث تكون فرص الاستمتاع بالعزلة محدودة.

4. تخيّل لحظات الوحدة

غالباً ما يخاف المرء في مثل هذه الرحلات ألا يتمكن من الهرب من المجموعة الكبيرة التي ترافقه، ولتخفف هذا الشعور؛ تخيل غرفتك أو مقصورتك المستقبلية كملاذ مفعم بالسكينة حيث يمكنك قراءة رواية والاستماع إلى الموسيقا ومشاهدة فيلم لطيف وما إلى ذلك. أخيراً، تذكّر أنك حتى لو سافرت مع مجموعة فإنك تسافر مع نفسك أولاً.

المحتوى محمي !!