تجارب 3 أشخاص عثروا على دروبهم في الحياة بعد أن تاهوا فيها

اكتشاف الذات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: “لقد كانت حرفة الخيزران طريقتي في التعبير عن ذاتي ووجودي، وعرفت أن هذا الفن انعكاس لي وسبب شعوري بالسعادة سواء فيما يخص صنع السلال أو التصاميم الأخرى، وأنني خلقتُ لأكون فناناً وليس تاجراً”. “أشعر أخيراً بأنني عثرت على ذاتي ولا يمكن أن أترك صنع المعجنات مهما كان المقابل”. “على الرغم من أن الرغبة في العزلة تأتيني بين الحين والآخر فإنني صرت أغتنمها بطريقة إيجابية من خلال ممارسة التأمل؛ كما أن وجود زوجي وأولادي إلى جانبي يمنحني القوة للتغلب على أي مشاعر سلبية”. تعرف في هذا المقال إلى كيفية اكتشاف الذات من خلال قصص أشخاص فقدوا هويتهم لفترة ثم استجمعوا شجاعتهم وقواهم لاتباع شغفهم وإجراء تغيير جذري في حياتهم مكّنهم في النهاية من العثور على أنفسهم.

يتوه الإنسان في الحياة عندما يشعر بفقدان هويته ويعجز عن إدراك رغباته. نستمع من خلال المقال التالي إلى قصص ماجد وسارة وسهام، وكيف استجمع كل منهم شجاعته لاتباع شغفه وإجراء تغيير جذري في حياته مكّنه في النهاية من العثور على ذاته.

ماجد: أدركتُ أنني فنان ولستُ تاجراً

يقول ماجد ذو الـ 54 عاماً وهو حرفيّ خيزران: “عندما كنتُ مراهقاً، أقيمَ في مدينتي في إحدى المرات مهرجان للحرف اليدوية فحضرته وذُهلت حينئذ بجمال ما رأيت؛ لكن أكثر ما جذب انتباهي كان صنع سلال الخيزران.

كنتُ مفتوناً وأنا أراقبهم ينسجونها، وعندما اكتشفت أنه بإمكاني تعلّم ذلك لم أفكر بالأمر للحظة، وبالفعل بعد فترة من تعلّم صنع سِلال الخيزران وبعض مبادئ التجارة، صرت أكسب رزقي من صنعها وبيعها ثم بدأت بصنع سِلال ذات أشكال غير منتظمة وأُعجبت بابتكاراتي؛ ما شجعني على عمل المزيد منها بتصاميم وألوان غير مألوفة.

في عام 1991، اكتشفَت إحدى العلامات التجارية الفاخرة إبداعاتي وسجلت معي طلبية سِلال ضخمةً لتوزعها على منافذ بيعها البالغ عددها 150 متجراً، فوافقتُ دون تردد، ثم وسَّعتُ متجري وعينتُ موظفين وتابعت الإنتاج بكثافة. لكن بعد عامين من هذا النجاح لم أعد ذلك الحرفي الماهر الذي كنتُ عليه؛ بل أصبحتُ تاجراً فاشلاً فأفلستُ وسيطرت عليّ أزمة نفسية إلى درجة الشعور بأنني فقدت هويتي، وخضعت للعلاج نفسي.

وفي أحد الأيام، تمالكت نفسي واستجمعت شجاعتي وسجلت في إحدى الجمعيات الحرفية وقررت حينها أن أتوقف نهائياً عن صنع السلال وبيعها لأركز على رغبتي وأتبع شغفي الحقيقي. بدأتُ بعمل تصاميم مختلفة من الخيزران، وبدأت شيئاً فشيئاً تأتيني عروض من المعارض الفنية وطلبات لتصميم المناظر المسرحية، وبعد مضيّ سنتين أو ثلاث اتضحت الرؤية بالنسبة إليّ تماماً، فقد كانت حرفة الخيزران طريقتي في التعبير عن ذاتي ووجودي، وعرفت أن هذا الفن انعكاس لي وسبب شعوري بالسعادة سواء فيما يخص صنع السلال أو التصاميم الأخرى، وأنني خلقتُ لأكون فناناً وليس تاجراً”.

سارة: أدركتُ أن صنع المعجنات شغفي

تقول سارة ذات الـ 45 عاماً: “لطالما أحببت المعجنات في صغري، ولا أعني بذلك أكلها فقط بل صنعها أيضاً، لذا قررتُ أنني سأجعل من ذلك مهنتي عندما أكبر؛ لكن عندما صرحت بنيتي هذه لوالديّ قالا لي: “يمكنكِ فعل ما هو أفضل بكثير من صنع المعجنات”!

اقتنعتُ حينئذ بكلامهما، فدرستُ الفلسفة التي منحتني متعة كبيرة وعززت لديّ حب الاستطلاع، في حين تابعتُ صنع المعجنات لعائلتي وصديقاتي. تخرجتُ في الجامعة وأصبحتُ مدرِّسة ثم تزوجتُ وأنجبتُ خمسة أطفال فانقطعت عن العمل 10 سنوات لأتفرغ لمسؤوليات الأمومة وأعبائها؛ لكن عندما كبرَت ابنتي الصغرى قليلاً وبدأت تمشي قلتُ لنفسي إن الوقت قد حان لأفكر في طموحي الحقيقي الذي يعبر عن ذاتي، ولم يستغرق ذلك وقتاً طويلاً مني إذ قفز إلى ذهني على الفور شغفي بصنع المعجنات.

لقد أقنعني كل من حولي أن تحويل هوايتي إلى مهنة خطأ فادح، وأنني سأتعب كثيراً بسبب ذلك، وأن صنع المعجنات لا يناسب مستواي الاجتماعي والثقافي؛ لكنني لم أستمع إليهم هذه المرة واتبعتُ دورةً لتعليم صنع المعجنات منحتني متعة وسعادة لا توصف، وحصلت في الأربعين من عمري على شهادة مهنية في صنع المعجنات.

ومنذ ذلك الحين، أعمل بصنع المعجنات وخَبز الكعك في أحد أفضل أفران المدينة، ولديّ الآن أصدقاء رائعون بفضل هذا العمل. أنا أحبه بالفعل وأشعر بالسعادة والفخر برحلتي هذه، ولا أنكر أن لدراسة الفلسفة والعمل بتدريسها فضلاً في بناء ذاتي وتعزيز قدرتي على اتخاذ القرارات الصحيحة؛ لكنني رغم ذلك لم أشعر يوماً بأنني حرة تماماً كما أشعر اليوم، أشعر أخيراً بأنني عثرت على ذاتي ولا يمكن أن أترك هذا العمل مهما كان المقابل”.

سهام: ظننتُ أن اعتزال الحياة والناس هو ما أتمناه

تقول سهام ذات الـ 50 عاماً: “كانت لديّ رغبة في اعتزال العالم منذ كنت في سن المراهقة، وبالفعل تابعتُ دراستي ثم لزمت المنزل بعد تخرجي في الجامعة. ظننتُ أنّ سعادتي في العزلة وعدم العمل أو الاختلاط بالآخرين أو حتى الزواج؛ ولكن بعد مضيّ 3 أو 4 سنوات على هذه الحال، قررتُ توخي الصدق مع نفسي فتساءلت إذا كانت هذه العزلة تمثل رغبتي الحقيقية أو إنها وسيلة لأتهرب من خوفي وعدم جرأتي على مواجهة العالم الخارجي.

قررت الخروج من المنزل وبدأت أشعر بأن للحياة طعماً آخر كنت قد نسيته، ثم وجدتُ فرصة عمل في مجال التدريس وسارت الأمور على ما يرام لنحو سنة حتى عدت إلى عزلتي مجدداً؛ لكنني لم أتمكن من الاستمرار بها طويلاً هذه المرة إذ اكتشفت بشاعة هذا السجن الذي فرضته على نفسي ظناً مني أنني أعيش بأفضل طريقة ممكنة.

وجدتُ عملاً جديداً، ثم عانيت تقلبات نفسية رغم ذلك واستغرقني الأمر سنوات لأستعيد توازني بعد أن لجأت إلى مختص في التحليل النفسي. بعد فترة من الاستقرار النفسي، تعرفتُ إلى هاشم وتزوجنا وأنجبنا ثلاثة أولاد، وعلى الرغم من أن الرغبة في العزلة تأتيني بين الحين والآخر فإنني صرت أغتنمها بطريقة إيجابية من خلال ممارسة التأمل؛ كما أن وجود زوجي وأولادي إلى جانبي يمنحني القوة للتغلب على أي مشاعر سلبية”.

المحتوى محمي !!