لماذا تحصد فيديوهات الهمسات ملايين المشاهدات؟ العلم يجيب

3 دقيقة
تقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“وصلت إلى مرحلة أنني لا أستطيع النوم دون الاستماع إلى هذه النوعية من المقاطع”. كان ذلك واحداً من مئات التعليقات على أحد مقاطع تقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية للاسترخاء (Autonomous sensory meridian response- ASMR)؛ الذي يقترب عدد مشاهديه من 24 مليون مشاهد ويتابع قناة ناشرته أكثر من مليونيّ مشترك.
يتضمن الفيديو أشكالاً صوتية متنوعة، فتبدأ مقدمته التي تُدعى ماريا بأصوات الطرق على فرشاة الشعر الخشبية، ومن ثم تنفخ الدخان في أذن المشاهد، وبعد ذلك تقترب من عدسة الكاميرا لمحاكاة عملية تدليك وجهه وفروة رأسه، وأخيراً تربّت على كتفَيه برفق.

تشير ماريا إلى أنها تقدم في مقاطعها أنوعاً مختلفة من الأصوات والأفعال، وذلك لأن الحالة المزاجية للمشاهد تتغير من يوم لآخر؛ ما يضع عليها عبئاً مستمراً للبحث عن الجديد المختلف.

الهدف دغدغة المستمع وإسعاده

نجد بجولة سريعة بين مقاطع الفيديو الخاصة بتقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية من همسات إلى تقطيع صابون إلى لعب أدوار مثل تمشيط الشعر وتدليك الوجه، أن هناك تأثيراً مشتركاً يجمع بينها تصفه عالمة النفس جايد وو (Jade Wu) بأنه عبارة عن إحساس بالدفء والدغدغة يبدأ من فروة الرأس ثم يسري متحركاً من أسفل العنق إلى العمود الفقري، ويكون ذلك الإحساس الجسدي مصحوباً بالشعور بالسعادة والهدوء والنعاس.

الجدير بالذكر أنه رغم الانتشار الواسع الذي شهدته هذه النوعية من المقاطع مؤخراً؛ إلا أنها ظهرت منذ عدة سنوات، وتحديداً عام 2007 عندما دُشن منتدى للأشخاص المهتمين بهذه التقنية الاسترخائية، وتلى ذلك تعريفها باستجابة القنوات الحسية الذاتية من جانب عضو في هذا المنتدى تُدعى جينيفر ألين (Jennifer Allen).

أصوات لا تخطر في بالك

ربما يُعد الحديث عن تقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية لمن ليست لديه معرفة سابقة بها غامضاً بعض الشيء، وأول ما سيريد معرفَته الأصواتُ التي تتضمنها التقنية.

بالبحث في المقاطع المختلفة وجدنا أن الأصوات فيها تتنوع؛ كما تشمل أيضاً تأدية أدوار مختلفة يحاكي مقدم المقطع القيام بها للمشاهد، وكانت أكثر الأصوات شيوعاً:

  • الهمس.
  • كرمشة الورق.
  • نفث الدخان.
  • سحق الطباشير.
  • خرير الماء.
  • ضوضاء المكنسة الكهربائية.
  • ضوضاء الطائرة.
  • الطرق على فرشاة الشعر الخشبية.
  • تقليب صفحات المجلات.
  • الضحك.

أما أفعال المحاكاة فمنها:

  • تدليك الوجه وفروة الرأس.
  • التربيت على الكتف.
  • الاحتضان.

تتعمق حتى المسارات العصبية في الدماغ!

أجرت كلية دارتموث الألمانية (Dartmouth College) دراسة علمية نشرت نتائجها عام 2018 للبحث وراء التأثير الذي تُحدثه تقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية في الدماغ، وخضع عشرة مشاركين للاختبار باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي في أثناء مشاهدتهم مقاطع الفيديو الخاصة بالتقنية.

كانت النتيجة مثيرة للاهتمام، فقد أظهرت أدمغة المشاركين زيادة النشاط في المناطق ذات الصلة بالعواطف الإنسانية، وأكد الباحثون أن ما حدث من تنشيط للمسارات العصبية يحدث عند المشاركة الاجتماعية الفعلية القائمة التي يحصل الفرد من خلالها على الدعم والرعاية، وذلك بالرغم من أن المقاطع المعروضة مسجلة مسبقاً.

بالإضافة إلى ما سبق؛ لاحظ الباحثون زيادة إفراز بعض الهرمونات مثل الدوبامين والأوكسيتوسين والإندروفين، وجميعها مرتبطة بشكل وثيق مع الشعور بالراحة والاسترخاء والنعاس، وهذا يفسر لجوء الكثير من المشاهدين إلى هذه التقنية الاسترخائية لتساعدهم على النوم.

كيف أثرت هذه التقنية في مرضى الاكتئاب والتوتر؟

من النقاط الملحوظة عند قراءة التعليقات على مقاطع الفيديو الخاصة بتقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية، تأكيد الكثير من المعلقين أنها تخفف عنهم أصعب لحظات حياتهم. أيضاً، ذلك ما أثبته استطلاع للرأي أجراه مركز البحوث النفسية التابع لجامعة أوكسفورد بروكس البريطانية (Centre for Psychological Research, Oxford Brookes University) ونُشرت نتائجه في ديسمبر/ كانون الأول 2021.

فقد أكد 80% من المشاركين أن مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بالتقنية أثرت إيجاباً في حالتهم المزاجية، بالإضافة إلى أن 69% من المشاركين الذين سجلوا درجات بين معتدلة إلى شديدة على مقياس بيك للاكتئاب (Beck Depression Inventory)، صوّتوا بأن الفيديوهات خففت عنهم أعراض الاكتئاب.

لم يكن الاكتئابُ الاضطرابَ النفسي الوحيد الذي نجحت التقنية في التعامل معه، فبحسب دراسة أجراها قسم علم النفس بجامعة شيفيلد البريطانية (University of Sheffield- Department of Psychology)؛ توصل الباحثون إلى أنها يمكن أن تخفف التوتر وتجعل الشخص أكثر هدوءاً، والأمر هنا أبعد من المشاعر الإيجابية وله جانب فيزيولوجي يتمثل في أنه عند مشاهدة هذه النوعية من المقاطع يقل معدل نبضات القلب بمعدل 3.41 نبضة في الدقيقة.

تجدي نفعاً في مواجهة الأرق

يتصدر النوم قائمة الأهداف التي يسعى متابعو مقاطع تقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية إلى تحقيقها. فوفقاً لدراسة أجراها قسم علم النفس بجامعة سوانسي البريطانية (Department of Psychology- Swansea University)؛ أكد 98% من المشاركين أنهم استخدموا المقاطع لمساعدتهم على الاسترخاء، بينما وافق 70% منهم على أنها نجحت في مساعدتهم على النوم.

تنعكس تلك النسب المرتفعة على الوقت المفضل لمشاهدة مقاطع الفيديو، فقد صوّت 81% من المشاركين بأن الوقت المفضّل لهم يكون ليلاً قبل النوم، بينما لم تحظَ فترة منتصف النهار سوى بنسبة 2% من المشاهدين.

ليست مبالغة؛ إنها تخفف الألم أيضاً!

أخيراً كانت النتيجة الأكثر إثارة للدهشة هي قدرة مقاطع الفيديو الخاصة بتقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية على تخفيف الآلام المزمنة، فبحسب الدراسة الخاصة بجامعة سوانسي التي سبقت الإشارة إليها فإن 38 من 51 شخصاً أشاروا إلى أن التأثير الذي وجدوه بعد مشاهدة المقاطع تمثَّل في تخفيف أعراض الألم المزمن الذي يعانون منه.

وعندما عمل الباحثون على تحليل بيانات الدراسة، وجدوا أن المشاركين الذين كانت لديهم شكوى من آلام مزمنة، اختفت أعراض الألم لديهم لفترة قدرُها ثلاث ساعات في المتوسط، بعد مشاهدة فيديو التقنية الاسترخائية.

ما زال التقدم التكنولوجي يُدهشنا بظهور ابتكارات لم تكن لتخطر في البال، وكلما وصلنا إلى حد الاقتناع أنه من المستحيل الوصول إلى أكثر من ذلك ثبت لنا العكس. وتُعد فيديوهات الهمسات دليلاً حياً يؤكد أن التكنولوجيا يمكن أن تُستغل في سبيل تطوير طرق العلاج النفسي، فهل تتوقع أن تظهر تقنية العلاج بالصوت يوماً ما في عيادات المعالجين النفسيين؟

المحتوى محمي !!