فن اللمس الجسدي من منظور علم الأعصاب

فن اللمس الجسدي
shutterstock.com/Master1305
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يحمل فن اللمس الجسدي رسالة مفادها الحنان على الآخرين أو الاهتمام بهم، وفوائده العلاجية يعرفها الجميع، وها هي علوم الأعصاب اليوم تسلط عليها الضوء من منظور مختلف.

  • لمس الجلد يولد سلسلة من ردود الفعل
  • لمسة واحدة تكفي

لمس الجلد يولد سلسلة من ردود الفعل

كتبت المحللة النفسية آن دوفورمانتيل في كتابها “قوة اللطف” (Puissance de la douceur)، تقول: “إذا أمكن تجسيد اللطف في تصرف ما، فستمثل المداعبة هذا التصرف”. نحن نعلم أننا نشعر بحدسنا بالمنافع التي تخلفها لمسات الأيدي التي ملؤها الحنان والعطف عند مرورها على بشرتنا؛ والتي تنم أحياناً عن الحزن والتعب. استطعنا أن نلاحظ على أنفسنا وعلى أحبائنا كيف يمكن للمسة بسيطة تهدئة الانفعالات، وتخفيف التوترات، وجعل الوجه أكثر إشراقاً. “الجلد هو العضو المرئي المفضل في أي علاقة” هذا ما تشير إليه المحللة النفسية سيلفي كونسولي، مؤلفة كتاب “حنان” (La Tendresse)، فالجلد لا يكتفي بإحاطة أجسادنا من كل جانب فقط؛ بل إنه يمثل “الحاسة” التي تشغل أكبر حيز من المساحة؛ والتي تتضمن أكبر قدر من المستقبلات الحساسة، فهناك مليون وخمسمئة ألف مُستقبل يتلقى كل ما نلمسه ويحدد ماهيته، ثم ينقل المعلومات التي يتلقاها إلى الدماغ. ويؤكد الباحث لوران ميزيري أن: “الجلد عضو حسي حساس وفعال مثله في ذلك مثل العين”، ولذلك عند مداعبته، فإن الرسائل الشاملة والوافية التي يرسلها، تدل على شدة المداعبة التي نتلقاها ومعناها وعمقها وموضعها ودرجة حرارتها وخصائصها”. عندما نتلقى لمسات يد ما، تُحفز المستقبلات التي تغطي جلدنا بحيث تعيد شحننا بالطاقة. إنها تحفز إفراز الناقلات العصبية والهرمونات المرتبطة بالشعور بالمتعة في الدماغ؛ مثل: الإندورفين الذي يعمل على التهدئة، والتلطيف، والتخفيف من الألم، ويغمرك بحالة من النشوة، والأوكيتوسين المعروف باسم “هرمون التعلق”؛ والذي يربطنا بالآخرين بشكل دائم، والدوبامين الذي يمنح الطاقة وينظم الحالة المزاجية.

لمسة واحدة تكفي

في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، اكتشف فريق من العلماء من جامعة مونتريال نهايات عصبيةً في الجلد تختص بالشعور بالمتعة، وتوجد في المناطق التي يغطيها الزغب حول مسامات الشعر؛ مثل: الظهر والساعدين… وتسمى ألياف (C) اللمسية، وتنشط عند القيام بحركات خفيفة في عكس اتجاه الشعر، وتوضح كلوديا غوليه؛ معالجة علم النفس الغشتالتي- الأمر فتقول: “إنها ألياف المداعبة، وتكون مستشعراتها حساسة لمدى بطء وخفة التلامس”، فهي ترسل إشارات كهربائيةً يتلقاها الفص الجزيري؛ وهو جزء من أجزاء الدماغ يختص بالانفعالات التي تنشر الشعور بالمتعة في كل مكان.

وبناءً على هذه الاكتشافات؛ وضع العلماء الظروف المُثلى للمداعبة لجعلها تؤدي لزيادة المتعة لعشرة أضعافها. تجب المداعبة على منطقة مشعرة قليلاً من الجلد، على أن يكون ضغط اليد معتدلاً، وسرعة المداعبة ليست بالسريعة جداً، ولا بالبطيئة جداً (2.5 سم في الثانية)، وكذلك أن تبلغ درجة حرارة اليد التي تقوم بالمداعبة نحو 32 درجة؛ أي درجة حرارة جلد الإنسان. لكن حذارِ، فهذه المهارة الفنية تتطلب شروطاً خاصة، فلا داعي للمداعبة أثناء الجدال، لأنها تتسبب في تهيج الشخص الذي يتلقى المداعبة. وتخلص كلوديا غوليه أخيراً، وقبل كل شيء، إلى أن: “من يقوم بالمداعبة، عليه أن يكون على استعداد جسدياً وعاطفياً عندما يقوم بذلك. كما تنتقل المعلومات العاطفية من خلال اللمس، فإذا كنت مكتئباً أو حزيناً، فإن هذه المعلومات تنتقل أيضاً”. باختصار؛ النية هي التي تؤخذ في الاعتبار.

المحتوى محمي !!