هل تشعر أنك لا تستحق الأشياء الجيدة في حياتك؟ فتّش عن كره الذات!

5 دقيقة
كره الذات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“لا أرقى لتلقّي هذه الترقية؛ إنها مجاملة لا أستحقها!”.

“لماذا يحبني هؤلاء الأشخاص؟ لست صديقاً جيداً”.

“سأفشل لا محالة في مقابلة العمل القادمة؛ لست كفؤاً”.
كثيرة هي العبارات التي تفشي كره المرء لذاته والتي لا يحتاج إلى شخص آخر كي يلقنها أو يقولها له صراحة؛ بل يؤدي الناقد الداخلي هذه المهمة على أكمل وجه، وإذا لم يتمكن الشخص من إبطال هذا الصوت فيمكن أن يقضي عليه تماماً.

وفي حين يبدو كره الشخص للأشياء التي تسبب له ألماً نفسياً أو بدنياً أمراً منطقياً، يبدو كره المرء لذاته وما قد ينتج عنه من عقاب ذاتي وغيره من الاضطرابات النفسية أمراً يستحق الدراسة والتأمل. ذلك لأن الذات هي المحرّك الأساسي لأفكار الشخص وأفعاله؛ إذا أصابها العطب تغيّرت رؤيته لنفسه ولكل ما حوله.

ما هو كره الذات؟

وكره الذات هو نمط تفكير أو شعور دائم بانعدام القيمة والفشل وعدم الكفاءة ينجر عنه شعور بعدم استحقاق أي شيء جيد في الحياة. يتضمن ذلك سرداً داخلياً سلبياً مستمراً يحط من قدر النفس ويهوِّل من أي خطأ يرتكبه الشخص وفقاً للاختصاصية النفسية فارا ساريبالي (Vara Saripalli).

لذلك يميل الشخص في هذه الحالة إلى امتلاك صوت داخلي قوي وحاسم يوبّخه على كل عيب لديه أو خطأ يرتكبه، بالإضافة إلى تجاهل أو التقليل من كل ما هو إيجابي والتعرف فقط على الأشياء السلبية. وقد لا يكون هذا الشخص الكاره لذاته على دراية بذلك النمط غير الصحي من التفكير؛ إلا أنه يؤثر سلباً في كيفية رؤيته لذاته والعالم من حوله.

اقرأ ايضاً: كيف يمكن أن ننمّي حباً صحياً للذات؟

أعراض كره النفس في الحياة الشخصية والعملية

بينما يتخذ كره الذات العديد من الأشكال؛ إلا أنه ينطوي عادةً على عدم الثقة بالنفس ونقص التعاطف مع الذات وحِدّة الناقد الداخلي؛ كما يؤثر في قرارات الشخص وكيفية تواصله وتفاعله مع الآخرين.

فقد يجد الشخص الذي يكره نفسه صعوبة في الحفاظ على الصداقات، وقد ينسحب ويتجنب الاختلاط الاجتماعي تماماً لتجنب الرفض أو النقد أو الهجر. وفي هذا السياق تشير دراسة من جامعة شيفيلد هالام (Sheffield Hallam University) البريطانية إلى أن كراهية الذات تجعل الشخص أكثر عزلة وتردداً في التواصل مع الآخرين.

وتشير مؤلفة “كتاب القلق” (The Anxiety Workbook)، آرلين كونسيك (Arlin Cuncic) في مقالها إلى السلوكيات التي يُظهرها الأشخاص الذين يكرهون أنفسهم عادةً كما يلي:

  • التوقف عن محاولة القيام بالمهام للشعور بأن نتائجها ستكون سلبية دائماً.
  • الانخراط في سلوك مدمر للذات؛ مثل تعاطي المخدرات أو الإفراط في الأكل أو الانعزال عن الآخرين.
  • تخريب المجهودات الشخصية عمداً وعدم الاعتناء بالنفس.
  • اختيار أشخاص استغلاليين عن غير قصد؛ مثل الأصدقاء أو الشركاء السيئين.
  • مواجهة صعوبة في اتخاذ القرارات والشعور بالحاجة إلى إرشاد الآخرين.
  • السعي إلى الكمال في إنجاز أي مهمة ما يؤدي إلى عدم القدرة على متابعة الأهداف والتراجع عنها.
  • الشك في القدرات الشخصية وما يمكن تحقيقه.
  • القلق المفرط بشأن المشكلات اليومية أو المستقبل.
  • رؤية المستقبل قاتماً للغاية وعدم التفكير في أي توقعات إيجابية.
  • صعوبة تصديق الأشياء الجيدة عن الذات والشعور بأن الآخرين متلاعبين عند التعامل بلطف.
  • الشعور بالنبذ وعدم الانتماء إلى أي مكان.

أنماط التفكير التي تدل على كراهية الذات

وبحسب ساريبالي، فمن الشائع للأشخاص الذين يكرهون أنفسهم اجترار الأفكار. يتضمن ذلك التشوه المعرفي في نمط التفكير ووجود أفكار سلبية تدعو للاشمئزاز الذاتي تدور بشكل متكرر داخل أذهانهم. وقد تشمل هذه الأنماط في التفكير ما يلي:

  • التفكير بالأبيض والأسود: حيث يرون الحياة إما جيدة أو سيئة ولا يفسحون مجالاً للفروق الدقيقة. مثال: “إذا لم أنجح في ذلك فأنا فاشل تماماً”.
  • القفز إلى الاستنتاجات: ينطوي ذلك على افتراض الشخص لنتائج ليس لديه أي دليل حقيقي عليها. مثال: يفترض الشخص أن المناسبة القادمة ستمر بشكل سيئ حتى قبل اقتراب موعدها.
  • التركيز الدائم على الجانب السلبي: يركز الشخص في هذه الحالة على الجوانب السلبية للموقف ويتجاهل الإيجابية منها. مثال: تركيز الشخص على تعليق سلبي وحيد وسط العديد من التقييمات الجيدة لأدائه.
  • التهويل: ينطوي التهويل على افتراض أسوأ النتائج لحدثٍ ما مع تضخيم أفكار سلبية محددة حتى تتصاعد. مثال: عند تأخر قدوم شخص للزيارة، يفترض الشخص الكاره لذاته أنه غير محبوب.

الأسباب الكامنة وراء كراهية الذات

وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)؛ تنبع كراهية الذات من مرحلة الطفولة، فقد يكون لدى الشخص تجارب طفولة سلبية لا تزال تؤثر فيه في مرحلة البلوغ. وقد تشمل هذه التجارب ما يلي:

  • صدمات الطفولة.
  • العنف المنزلي.
  • الاعتداء الجنسي أو الجسدي أو العاطفي.
  • النشأة في بيئة أسرية فقيرة.
  • تدني احترام الذات.

كذلك بحسب منظمة الصحة العقلية الأميركية (MHA)، فقد تنجم مشاعر كراهية الذات عن:

  • المقارنات بين الذات والآخرين.
  • التوقعات العالية غير الواقعية من الذات.
  • النقد الذاتي الشديد.
  • عدم القدرة على التخلي عن أخطاء الماضي.
  • الشعور بالعزلة أو عدم الانتماء.

أشارت دراسة حديثة أيضاً أُجريت عام 2022 من قبل الكلية الأسترالية لعلم النفس التطبيقي (Australian College of Applied Psychology) أن الأطفال الذين يعانون من ارتباطات غير آمنة خلال مرحلة الطفولة المبكرة يطورون حالة السعي إلى الكمال من أجل الشعور بالاستحقاق؛ كما أنهم يواجهون صعوبة في القدرة على التأقلم ما يؤدي دوره في وضع المعايير العالية غير القابلة للتحقيق والتخريب الذاتي وكراهية الذات والشعور بالخزي.

هل كره الذات مرض نفسي؟

بينما لا يُعد كره الذات في حد ذاته مرضاً نفسياً إلا أنه يمكن أن يكون أحد أعراض اضطراب أو مرض نفسي؛ حيث أشارت نتائج دراسة من جامعة نيويورك إلى أن اضطراب الشخصية النرجسية قد يخفي كراهية الذات الكامنة.

وكذلك قد يظهر كره الذات كأحد أعراض الاكتئاب المحتمَلة؛ حيث يوضح الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) هذه الأعراض على أنها “مشاعر انعدام القيمة أو الشعور المفرط بالذنب”.

كيف يمكن علاج كره الذات؟

تضيف ساريبالي في مقالها إن البحث عن مساعدة احترافية يمكن أن يساعد الشخص على استكشاف جذور كراهيته لنفسه وما يثيرها عادةً، ليزوّده المعالج النفسي بتقنيات مختلفة للتأقلم والتدخلات التي يمكن أن تساعده على تحدي أفكاره السلبية وتعزيز التعاطف مع الذات. وتشمل العلاجات:

  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT).
  • العلاج السلوكي الجدلي.
  • العلاج بالكلام.

كما يمكن للفرد استخدام هذه الإرشادات العامة لمساعدته على إيقاف دورة كراهية الذات:

  • ممارسة اليقظة الذهنية: يمكن أن تساعد ممارسة التأمل والتنفس العميق وتقنيات التأريض على إعادة توجيه أفكار الشخص إلى اللحظة الحالية ومساعدته على تحديد أفكار كراهية الذات.
  • إنشاء قائمة بنقاط القوة: يمكن لأي شخص أن يبحث عن الأشياء التي يحبها في نفسه ويدرجها في قائمة يعود إليها وقت الحاجة عند التشكُّك في قدراته الذاتية.
  • التدرب على الحديث الإيجابي مع النفس: يمكن أن يساعد ترديد الأشياء الإيجابية عن النفس بصوت عالٍ على تحسين مشاعر المرء والتخلص من الحديث السلبي مع النفس.
  • تنمية التعاطف مع الذات: لبناء التعاطف مع الذات؛ يمكن التحدث إلى النفس بالطريقة ذاتها في الحديث مع الأحباء.
  • تقبل مجاملات الآخرين: يمكن التدرُّب على تصديق أن الشخص الآخر يعني المجاملة التي يقدمها حقاً.
  • تحديد توقعات واقعية: قد يؤدي وضع توقعات عالية بشكل مفرط إلى خيبات الأمل. لذلك يساعد تحديد أهداف واقعية وقابلة للتحقيق على تعزيز الثقة في النفس والقدرات الشخصية.
  • تعلُّم مسامحة الذات: يساعد التسامح والتركيز على ما يمكن أن يفعله المرء في الوقت الحاضر على منح الشخص قوة حقيقية، ويقلل من كراهيته الذاتية.

وأخيراً، كما يدفع الدوران في الحلقة المفرغة لكره الذات إلى زيادة كره الفرد لذاته والاستمرار في الحياة بأفكار سلبية؛ يعزز كسر هذه الحلقة وتطوير حب الذات إمكانية التقدم وتحقيق الأهداف والوصول إلى أفضل النتائج في الحياة الشخصية والعملية.

المحتوى محمي !!