الهوية الجنسية وفقاً لعقدة أوديب

عقدة أوديب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خضعت نظرية عقدة أوديب للمراجعة؛ لكن بالنسبة للفرويديين (أنصار فرويد) هناك شيء واحد مؤكد: إن هذه العقدة تجعل منّا رجالاً ونساءَ جنسياً. هذه قراءة جديدة في “أهم مفهوم في التحليل النفسي” مع خوان دافيد ناسيو.

  • أسس هويتنا الجنسية
  • الموقف الذكوري
  • الموقف الأنثوي
  • كيف اكتشف فرويد عقدة أوديب؟
  • عقدة أوديب عند الأولاد
  • عقدة أوديب عند البنات
  • ماذا لو كانت الأم وحدها؟

“عقدة أوديب التي سأحدثكم عنها هي أسطورة تفسّر أصل هويتنا الجنسية كرجال ونساء”، ينبه المحلل النفسي خوان دافيد ناسيو. “إنها رغبة جنسية خاصة بشخص بالغ، تدور في رأس وجسم طفل صغير يبلغ من العمر حوالي 4 سنوات، ويكون الوالدان موضوعاً لها. فلماذا هما؟ لأنهما بكل بساطة “في متناول اليد!” يقوم هذا الطفل بكل براءة، بإضفاء الطابع الجنسي عليهما، ويُدخلهما في استيهاماته، ويحاكي بلا خجل أو ضوابط أفعالهما الجنسية كبالغين”.

وتتزامن عقدة أوديب مع مرحلة التطور النفسي التي تعلّمنا توجيه دوافعنا، ونبذ الرغبات المستحيلة من خلال استيعاب مسألة حظر زنا المحارم. باختصار؛ إن عقدة أوديب تجعل منّا كائنات اجتماعية، إنها خطوة ضرورية تجعلنا لاحقاً قادرين على الحب، وبناء علاقة زوجية وأسرة. أو إذا لم نستطع نسيان حبّنا الأول -بابا وماما- فإنها تضعنا أمام حياة عاطفية إشكالية؛ حيث لا يبدو لطفل في الرابعة من العمر أي شريك آخر في المستوى مقارنة بالأب والأم.

أسس هويتنا الجنسية

يشرح خوان دافيد ناسيو أن: “الطفل يجد في تجربة عقدة أوديب أسس هويته الجنسية المستقبلية؛ أي ما يجعل الرجل ينتمي للنوع الذكري، ويجعل المرأة تنتمي للنوع الأنثوي، على الرغم من وجود الكثير من النساء اللواتي يمتلكن رغبات ذكرية، والعكس صحيح. “المذكر” و”المؤنث” هما كلمتان تصفان طرقاً سائدةً للحب والرغبة، وبالتالي فمن المستحيل تحديد الصورة النموذجية للرجل والمرأة، نظراً لوجود العديد من الاستثناءات والحالات الخاصة”.

الموقف الذكوري

يتسم النشاط الجنسي الذكوري الذي يحدده الخيال الأوديبي القائم على تملّك الأم، بالرغبة في التّملك والحاجة إلى إمتاع الشريك جنسياً. يفخر الرجل بفحولته وقدرته الجنسية؛ لكن إصرار العقل الباطن على القلق من الإخصاء الصبياني يجعله “كائناً خائفاً في مواجهة الألم الجسدي، حريصاً على ضمان فحولته باستمرار”، كما يقول خوان دافيد ناسيو. “إنه خائف من فقدان القوة التي يعتقد أنه يتمتع بها بفضل رجولته. بعبارة أوضح؛ إن الرجل جبان بسبب الاهتمام القلِق والمحموم بجسده، وكل عمل محفوف بالمخاطر في الحياة يسبب له قلقاً من الفناء، وغالباً ما يُعادل الفشل بالنسبة له إذلالاً مشوِّهاً”.

ولإحياء مخاوفه الطفولية، فلا شيء أسوأ من الالتقاء بشخص آخر يستحيل إرضاؤه أو التحكّم به، ويفرض إرادته. ويحتفظ الرجل البالغ أيضاً في اللّاوعي بذكرى الاستيهامات الطفولية “المؤنِّثة”؛ حيث كان يقدم نفسه بشكل سالب لمتعة الكائنات التي كان يحبّها، وتشكل هذه الآثار جزءاً من الأنوثة المرصودة لدى الرجل الأكثر فحولةً. وإذا كان على الرجل أن يختار حقّاً، فإنه يفضل أن يكون محِبّاً على أن يكون محبوباً، على الرغم من أنه عندما يقع في الحب حقاً، فإنه يجعل موضوع حبّه مثالياً لدرجة أنه يصبح طفلاً عاجزاً مرةً أخرى. إنها تجربة منهِكة لكائن لديه حاجة ماسّة للشعور بالقوة.

الموقف الأنثوي

يتجسّد موقف الأنثى عموماً في الرغبة في أن تُمتلك بدلاً عن الرغبة في التّملّك. إنه موقف يرتبط بخيال الفتاة الصغيرة التي كان والدها يرغب فيها. وفي كثير من الأحيان في مرحلة البلوغ؛ يتحول حلمها بأن تكون ملهمة الأب إلى حاجة لا غنى عنها للرجل المحبوب، ولأنها تشكّ في صورتها الذاتية في وقت مبكر؛ تتساءل المرأة باستمرار عن مظهرها وقيمتها.

وغالباً ما يدفعها هذا الشك الدائم إلى الشعور بالنقص وعدم الكمال، ومقارنة نفسها بالنساء الأخريات دون توقّف. وليس همّها الرئيسي أن تكون قويةً أو ضعيفةً، فالأهم بالنسبة لها هو أن يكون من غير الممكن الاستغناء عنها. وإذا كانت لا تعرف قلق الإخصاء الذي يميّز النشاط الجنسي الذكوري، فإن الخوف الذي تشعر به هو أن يتم التخلّي عنها. يقول خوان دافيد ناسيو: “ليس لديها ما تخسره سوى الحب، وهو بالنسبة لها مطلب أبدي؛ مِلكٌ يجب استرجاعه باستمرار”. ومع ذلك؛ تظل بعض النساء دون وعي عالقات في ذكرى الأيام التي كنّ يحسدن فيها ذكورة الصّبي وقوة الأب، ويتفاعلن مع ذلك بأن يقرّرن أنّهن لسن في حاجة إلى “ذلك”، وأنّهن بخير وأقوى من الذكور!

وبمجرد أن نرغب ونحبّ، فإن الطفل الأوديبي الكامن فينا يطفو على السطح. بسببه نميل إلى إعادة إنتاج أنماط الحب نفسها؛ ولكنه أيضاً الذي يمنحنا في كل مرة الشعور بأنها “المرة الأولى”.

كيف اكتشف فرويد عقدة أوديب؟

بالنسبة لفرويد والفرويديين، فإن عقدة أوديب أداة وفرضية لفهم عمل النفس البشرية، وليست حقيقةً رياضية. لقد اكتشفها فرويد من خلال فكّ رموز أحلامه، ومن خلال تشخيص الحياة النفسية لمرضاه البالغين؛ المليئة بالاستيهامات التي تجسدها شخصيات أبوية مرغوبة وخطيرة. فأوديب بطل الأسطورة اليونانية الذي تم هجره عند ولادته، يجهل هويته وهوية والديه، وسيصبح قاتل أبيه ثم زوج أمه دون معرفة سبب ذلك مطلقاً. وبسبب شغفه بالثقافة الكلاسيكية؛ سيوازي فرويد بين استيهامات زنا المحارم التي تظهر في اللّاوعي، وبين مأساة أوديب التي خلّدتها مسرحية سوفوكليس التراجيدية “الملك أوديب”.

عقدة أوديب عند الأولاد

تأخذ الرغبة الطفلَ الصغير، المداعَب بإِثاراته القضيبية، للتقرّب من جسد والديه وتملّكه؛ بل وإساءة معاملته، ويمثّل تملّك جسد والدته استيهامه الجنسي الرئيسي. المواقف الاستبدادية أو الاستعراضية أو المتلصّصة (التهريج أو الوقاحة أو أداء دور الطبيب أو أداء دور الأب،… وغير ذلك) التي يتبناها، كلّها تعبيرات عن هذه الرغبة، كما أنه يستمتع بإغواء الكائنات التي يحبّها في موقف شهواني مشوب بالأنوثة. وأشهر استيهام أوديبي للطفل هو “قتل الأب” -الطرف الثالث – الذي يحول بينه وبين والدته، ويمنعه من فعل كلّ ما يشاء؛ لكننا عادةً ما ننسى أن عقدة أوديب هي أيضاً صراع شامل بين الأب والابن يحاول خلاله هذا الأخير إثبات ذاته.

وتنتهي هذه الرغبات بشعور الطفل بالذنب في وقت يقع فيه فريسة القلق اللّاواعي الذي سمّاه فرويد “قلق الإخصاء”. وعادةً ما يتجسّد هذا القلق في كوابيس ونوبات رُهاب عابرة؛ ولكنه يعمل أيضاً كمحظور يحرّر الصّبي من استيهاماته عن زنا المحارم.

عقدة أوديب عند البنات

من المفارقات أن الفتاة الصغيرة جداً ترغب مثلها مثل الولد في تملّك أمها، وأن تمثّل كل شيء بالنسبة لها. هذه البنت المفعمة بأحاسيسها الجسدية، تشعر بالقوة المطلقة، حتى تكتشف -في حدود الرابعة من عمرها- أن الصّبي الصغير لديه قضيب، فتبدأ فترة مؤلمة تتخيل خلالها الطفلة نفسها غير مكتملة، وترغب في السلطة الممنوحة للذكور. وتعتقد أن شخصاً ما كذب عليها بشأن قيمتها الحقيقية، وتعتقد أن هذا الشخص هو والدتها، وهكذا تنتهي العلاقة الرومانسية الرائعة مع الأم!

ولتحسين صورتها الشخصية؛ تلتفت الفتاة إلى والدها، أولاً كي تحاول أن تصبح قويةً مثله؛ وهو أمر مستحيل بالطبع، ثم ثانياً على أمل أن تكون مرغوبةً منه ولسان حالها يقول: “سأتزوج أبي”. ومن الواضح أن الأمر يتعلق هنا باستيهام جنسي غير واعٍ، فالبنت لا تعرف بوضوح ما ترغب فيه، ولا تريد أبداً تطبيق هذه الرغبة، ولأول مرة تتبنى البنت موقفاً أنثوياً.

وتمثل الأم في الوقت نفسه قدوةً (البنت معجبة بأنوثة أمها) ومنافِسةً بالنسبة للبنت. ومن أجل الوصول إلى أنوثة الكبار؛ ستتخلى الفتاة هي أيضاً عن استيهاماتها الطفولية عن زنا المحارم. ولتحافظ على والدها لذاتها؛ ستتّخذه البنت قدوةً لها وتدمج قيمه.

ماذا لو كانت الأم وحدها؟

إذا كانت الأم تربّي طفلها بمفردها فكيف تتحقق عقدة أوديب؟ يجيب خوان دافيد ناسيو قائلاً: “المهمّ هو ألّا يكون الطفل هو حبّ حياتها الوحيد. وإذا لم يكن لديها شريك، فكل ما يحتاجه الطفل هو أن يكون لدى أمّه ما يكفي الاهتمامات الأخرى التي تشغلها. الأب هو طرف ثالث (يمكن أن يكون شخصاً أو نشاطاً أو قدوة، وغير ذلك) تتجه نحوه رغبة الأم، وبذلك يحُول بين الأم والطفل، ويسمح لهذا الأخير بتحقيق استقلاليته”.

المحتوى محمي !!