هل يمكننا العيش دون ندم؟

الندم
shutterstock.com/Anatoliy Karlyuk
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يأتي الندم نتيجة للمعتقدات: كان من الممكن أن يكون وجودنا أجمل لو تصرفنا بشكل مختلف، لو كنا أكثر شجاعة، وأقل غباءً، لو… لو… لم يفلت أحد منها بشكل تام.

في مراهقتنا، نحن أبطال القصص التي ستُكتب في المستقبل. سنكون أقل غباءً من آبائنا، ولن نتّبع الأفكار العقيمة التي يمليها علينا المجتمع الاستهلاكي. تبدو كل الأحلام ممكنة. لكن السنوات تمر وتضيق دائرة الفرص. تتراكم الفرص الضائعة والمواعيد المتأخرة. وحينها تتبدى أولى مرات الندم الكبرى: “كان يجب عليّ أن”، “كان من الممكن أن أفعل”. ينبع هذا الندم من الشعور بأنه كان بوسعنا التصرف بشكل مختلف، وهو اعتقاد خاطئ عادة، لأن قراراتنا أقل حرية مما ينبغي أن تكون عليه. في الواقع، يقع جزء كبير من حياتنا العقلية (النفسية) دون وعي منّا، بشكل تلقائي، حسبما نتعلم من أحدث الاكتشافات في علم الأعصاب. على سبيل المثال، عندما نقرر من نصوت له، وماذا نشتري وإلى أين نذهب في إجازة، فإننا نقرّر من خلال دوافع خارجة عن إرادتنا إلى حد كبير.

وهناك أيضاً هذا الهوس الذي لا يقاوم لدينا لتجميل الماضي، للإسراع بنسيان الحالة الذهنية التي تملكَّتنا (كانت بداخلنا) عندما اتخذنا قراراً معيّناً. قالت إيفا البالغة من العمر 40 عاماً لنفسها: “كان يجب أن أتزوج جان بيير، لكم كان لطيفاً وحنوناً”. غير أنه، قبل 15 عاماً، كانت إيفا مولعة ببول لدرجة أنه لم يكن هناك خيار آخر ممكن في الواقع.

علينا ألا ننسى أن الأنا معقدة ومتناقضة. وعند اختيارنا أي اتجاه، أيّاً كان، فإننا نخون جزءاً من أنفسنا. هل اتخذنا القرار الصحيح؟ لا توجد طريقة للتأكد من ذلك، مثلما يذكرنا ميلان كونديرا في كتابه “كائن لا تحتمل خفته” (دار نشر جاليمار)، لأنه “لا مجال للمقارنة: الحياة الإنسانية لا تحدث إلا مرة واحدة فقط”. نحن ممثلون ندخل المشهد من أجل مسرحية فريدة من نوعها، دون تدريب. سنحتاج العديد من الحَيَوَات لنعرف (أي القرارات أصوب).

لا يسع هيلين، البالغة من العمر 50 عاماً، وهي راضية عن حياتها الزوجية ومهنتها التي تثير شغفها، إلا أن تتأمل: “يساورني الندم على حصولي على شهادة الثانوية في العلوم لإرضاء والديّ، بينما كنت أكثر ميلاً إلى الأدب، وعلى عدم طلاقي من زوجي الأول في وقت أبكر. لماذا؟ صحيح أنني في نهاية المطاف أمارس مهنة أدبية، وأنا ممتنة للقائي بفريديريك، لكني ما زلت ألوم نفسي على إذعاني لطلب والداي، على جبني عن ترك زوجي السابق عندما أصبح عنيفاً. ما ألوم نفسي عليه هو سلبيتي، وعدم قدرتي على تحديد رغباتي والتمسّك بها”.

الشيء غير المكتمل: أخطر الجروح   

“كان يجب أن أكمل دراستي”، “كان يجب أن أقضي المزيد من الوقت مع والديّ، مع أطفالي”، “آه، لو كنت أعرف …”، “لماذا كنت طائشة إلى هذا الحد؟”. أظهرت دراسة أجريت عام 1930 من قبل بلوما زيجارنيك، وهي أخصائية نفسية روسية، والمعروفة باسم “تأثير زيجارنيك”، أن الأفعال غير المكتملة هي التي تترك لدينا حسرة أكبر، منذ مرحلة الطفولة المبكرة. لا يسعنا إلا أن نتخيل كم كان سيكون أفضل لو … إذ تشير العديد من التجارب الحديثة في علم النفس الاجتماعي أيضاً إلى أن عدم القدرة أو استحالة التصرف يؤثر فينا بشكل أعمق بكثير من اتخاذ قرار سيئ.

وخرجت بروني وير، ممرضة الرعاية التسكينية (المخففة للآلام) التي شهدت واستوعبت ندم الناس في نهاية حياتهم، بنفس الملاحظة. تتعلق المسببات الخمس المشتركة والأكثر شيوعاً للندم بالفرص الضائعة لنكون على طبيعتنا الحقيقية وأن نستمتع بمحبة المقربين منّا. “كان يجب أن أسمح لنفسي باتباع حدسي ورغباتي والتعبير عن غضبي بشكل أكبر، بدلاً من التصرف حسب توقّع كل من حولي”. ثم: “كان من الأفضل أن أقضي وقتاً أقل في العمل وأكثر مع أحبائي”. ومن ثم: “كان عليّ أن أبدي محبّتي لمن حولي، أن أقول لزوجي ولأولادي أنني أحبهم كثيراً”. يأتي الندم على فقدان الأصدقاء القدامى في المرتبة الرابعة. وأخيراً، نلوم أنفسنا على غياب الجرأة والشجاعة.

التعلم من الفشل: أفضل العلاجات

المتفائلون، الذين يتبنون رؤية إيجابية، أفضل حالاً من محبّي المثالية، الساخطين دوماً بسبب مقارنة أنفسهم باستمرار بالأنا المثالية المتطلّبة بشكل كبير. لكن، هل يمكننا ألّا نندم على أي شيء على الإطلاق؟ وفقاً لعلماء الأعصاب، فإن هذا مستحيل. وليس بالضرورة مرغوباً فيه لأنه، ومثل كل المشاعر، فإن للندم استخداماته: إذا بذلنا جهداً للخروج من تأملاتنا واجترارنا للماضي، فيمكنها أن تعلّمنا كيف نستفيد مما نعتبره فشلاً.

“في سن 26 أو 60، نصل أحياناً لنفس التشخيص: “حياتي ليست مثلما أردت”، هكذا يوضح المحلل النفسي جاك أرينيس، “في سن السادسة والعشرين، لا يزال الإصلاح العام ممكناً، ولكن في سن الستين يكون الإغراء باجترار الندم (النظر للنتيجة السلبية) قوياً”. ومع ذلك، فلسنا مجبرين على الاستسلام له. “إن الرغبة فعل متطلّب. وبطريقة ما، عليك أن تعمل على تحقيق رغبتك، بحيث لا تقتصر على مجرد انجذاب. يتعلق الأمر بإدراك نفسك والترويض التدريجي لما يجذبنا وما يجعلنا نفرّ. من الجيد أيضاً أن تجد شيئاً من الطفولة وألعابها وحياتها الخالية من الهموم. خاصة مع تقدمنا في السن، لأن اللعب يسمح بالاستمرار في الإبداع”. لا شيء كالضحك لإعادة التواصل مع رغبات الحياة، حتى عندما نعتقد أن الأوان قد فات.

3 طرق للتغلب على الندم

العودة الأبدية:

هذا هو اسم سلاح الفيلسوف فريدريك نيتشه. ويمكن تلخيصه في هذه الكلمات: اختر حياتك كما لو كان عليك أن تعيشها مرة أخرى إلى الأبد! لذا أفق… واختر الأفضل لنفسك، لأن “هذه الحياة، مثلما تعيشها الآن وكما عشتها سابقاً، عليك أن تعيشها مراراً وتكراراً؛ ولن يكون فيها شيء جديد”. بالنسبة لنيتشه وكتابه “العلم المرح” (كتاب الجيب)، فإن التوقعات الأليمة للندم في المستقبل يجب أن تدفعنا لنأخذ رغباتنا واحتياجاتنا بجدية أكبر.

التأمل:

طريقة نيتشه الطوعية كافية لتشعرك بالدوار. لحسن الحظ، هناك طرق أيسر. تأمل اليقظة، والذي يتمثل في السعي من أجل العيش، في كثير من الأحيان، في الحاضر بدلاً من الماضي – وقت الندم – يمكن أن يساعدنا في ذلك، كما يؤكد الأخصائي النفسي كريستوف أندريه، مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً، “تأمل يوماً بعد يوم” (دار نشر ليكونوكلاست).

قائمة الرغبات:

يمكننا أيضاً تجربة طريقة قائمة الأمنيات، وهي قائمة بأمنياتنا الأساسية التي روّج لها فيلم روب راينر “قائمة الأمنيات” (The Bucket List) الذي تم إصداره عام 2007. لذلك من الضروري التفكير فيما يلي: “ما الذي يهمني حقاً؟”، “ماذا سأفعل إذا كان لديّ يوم أو ستة أشهر أو سنة فقط لأعيشها؟”، “كيف ستكون حياتي لو استطعت أن أشبع كل رغباتي الشديدة دون القلق بشأن المال؟”، ولكن، على الرغم من كل ما نقوم به، يجب أن نظل واضحين: إعادة اجترار الفرص الضائعة وتقييمها هو جزء من كيفية عملنا.

الأفكار الرئيسية

– الماضي. يعتمد الندم على قدرتنا على تجميل الماضي، مما يؤدي إلى حجب حالتنا الذهنية في اللحظة التي اتخذنا فيها قراراً معيناً.

– الحاضر. في وقت إجراء التقييم، أكثر الأمور التي تم التعبير عن الندم عليها، هي قلة الاهتمام بالنفس وبالأشخاص المقربين.

– المستقبل. بدلاً من إعادة اجترار إخفاقاتنا، يجب أن نحاول التعلم منها والابتعاد عن الندم عليها.

المحتوى محمي !!