كيف تتجاوز صدمة ما بعد الطلاق؟

صدمة ما بعد الطلاق
shutterstock.com/solarseven
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبحت حالات الطلاق شائعة، إذ تنتهي واحدة من كل 3 زيجات بالانفصال. ويعد الانفصال محنة مؤلمة للأزواج والأبناء معاً. نعرض فيما يلي تجارب لبعض الأشخاص الذين عانوا الآثار المؤلمة للانفصال، ونقدم بعض النصائح التي قد تساعد على تجاوز صدمة ما بعد الطلاق والابتعاد عن هذه الأزمة.

تقول جوانا: “لقد انتابني شعور بالضياع”. توصلت جوانا، 44 عاماً، مع زوجها السابق لاتفاق على الانفصال بالتراضي منذ نحو عامين، إذ اتفقا على كافة تفاصيل الطلاق بشكل ودي، من ضمن ذلك تأمين مكان إقامة بديل لطفليهما، وتقاسم الممتلكات، وتم الطلاق بعد 6 أشهر. وعلى الرغم من أن علاقتها بزوجها السابق لا تزال ودية حتى اليوم، إلا أن الأمر كما تقول كان بمثابة صفعة كبيرة بالنسبة لها: “15 عاماً من الزواج والمشاريع المشتركة انهارت بين عشية وضحاها كبيت من الورق. لقد انهارت الحياة العائلية بالنسبة لي وأصبح الأطفال مشتتين بيني وبين والدهم وبعنا منزل العائلة. كان من الضروري أن أتعلم من جديد كيفية العيش بمفردي، حتى أن أبسط الأمور كالنوم دون وجود أحد بجانبي كان أمراً في غاية الصعوبة بالنسبة لي. يحدّثني أقاربي في الوقت الحالي عن إمكانية التعرف على رجل آخر للزواج، وإعادة بناء حياتي، لكني لست مستعدة لذلك بعد”.

المعاناة اللاحقة للطلاق أمر لا بد منه

لا تتطلب إجراءات الطلاق حالياً أكثر من بضعة أشهر في بعض البلدان. لكن أثر الانفصال، ولو تم بالاتفاق بين الطرفين ، يبقى مؤلماً. اعتباراً من بداية عام 2017 أصبح السير في إجراءات الطلاق ممكناً دون الحاجة للمثول أما قاضٍ، ونتساءل هنا ألا يعد التراضي بين الزوجين وسهولة إجراءات الطلاق، عوامل تخفف صدمة ما بعد الطلاق والألم الناجم عن الانفصال؟

ترى ماري كارولين ديباكس، الوسيط في “مركز البحوث والوساطة” (Centre de Recherche et de Médiation) (Cerme) في تولوز بفرنسا، أن الأمر على العكس من ذلك. “لحسن الحظ، فإن حالات الطلاق المترافقة بنزاع بين الزوجين تمثل النسبة الأقل الآن. لكن الطلاق بالتراضي يمكن أن يكون سبباً لأزمات كامنة قد تنفجر مع مرور الوقت”. “فالزوجان اللذان توصلا للانفصال بالتراضي، يتفقان على كل التفاصيل أمام القاضي من رعاية الأطفال إلى تقاسم الممتلكات، بينما يتم تجاهل الأسباب التي أدت بهم للانفصال”. وتضيف: “لا يملك الشريكان المقدرة للتعبير عن نفسيهما بشأن ما مرا به خلال مراحل الانفصال، بما في ذلك مشاعر الإحباط والإهانة التي قد يتعرضان لها. في كثير من الأحيان، يشعر أحدهما بالذنب تجاه الآخر ويتخلى عن حقوق معينة، بحيث ينتهي كل شيء بسرعة، معتقداً أن الأمر بهذا الشكل سيكون أسهل “.

الخسارة الكبيرة بعد الانفصال

إن الطلاق لا يعني مجرد نهاية العلاقة بين الزوجين، فتبعاته تمتد لتشمل العلاقة مع عائلة الشريك، والأصدقاء المشتركين على الأغلب، الذين سيشعرون بأنهم ملزمون بالانحياز إلى جانب أو آخر. كما يمثل الانفصال انهياراً لعالم كان مبنياً على شخصين، وانتهاء للحياة العائلية المثالية. ومن الناحية المادية، عادة ما يؤدي الطلاق أيضاً إلى انخفاض في المستوى المعيشي.

يقول المعالج النفسي باتريك إستريد: “إن المشكلة ليست في الصدمة نفسها بل في الأثر اللاحق الناتج عنها”. تنقلب الحياة الهادئة، والنمط الذي اعتاده الزوجان في العيش بعد الانفصال رأساً على عقب، بما في ذلك علاقتهما بالأبناء، “إذ يجب على أحد الوالدين تقبل فكرة عيش أطفاله في مكان آخر وأنه لم يعد بإمكانه رؤيتهم يومياً”، كما توضح ماري كارولين ديسباكس.

اقرأ أيضا:

جرح الانفصال العميق

يقول باتريك إستريد: “يترك الانفصال وبيع منزل العائلة، مصدر الدفء والأمان، أثراً عميقاً في نفس الزوجين”. يقول بول، 52 عاماً، مطلق منذ 5 سنوات: “شعرت أنني فقدت كل شيء”.

غالباً ما يؤدي الانفصال إلى الشعور بالفشل والذنب، الأمر الذي يلقي بتأثيره في نظرة الفرد لنفسه واحترامه لذاته. يوضح المعالج النفسي: “يشعر الفرد بعد الانفصال بخسارة كبيرة، كما يعتقد بأن الشريك قد تخلى عنه لأنه لا يستحق أن يكون محبوباً”. ويتابع: “لكن هذا خطأ، فالأزواج يتركون بعضهم البعض لنفس الأسباب التي بدأت علاقتهم الزوجية بها. وعندما يختار أحد الشريكين الانفصال، فليس الحب هو موضع التساؤل بل العلاقة”. لذا يدعو باتريك إستريد لإظهار التعاطف مع الذات، وتذكر أن كل إنسان معرض للتعثر وارتكاب الأخطاء”. ويقول: “يجب تبني نظرة تفهم ورفق بنفسك، وعليك أن تخرج من حالة الإنكار والغضب، وتتقبل حالة الحزن”.

“حداد” ما بعد الانفصال

الإنكار والغضب والمساومة والحزن وأخيراً القبول… تشبه مراحل الفراق مراحل الحداد التي تلي فقدان عزيز، مع اختلاف أنه حداد على إنسان حي، ويعد تجاوز هذه الفترة مهمة صعبة خاصة مع وجود أطفال. تقول سيلفي، التي تسير حالياً في إجراءات الطلاق، وهي أم لطفلين أنها قررت ترك زوجها الذي بدأ يعاملها بعنف: “عانيت من عنف زوجي تجاهي بشكل متكرر ولم يعد بإمكاني تحمله. ألومه وفي نفس الوقت ألوم نفسي، لماذا تزوجته؟ كيف وصلنا إلى هذا بعد إحدى عشرة سنة من الزواج؟

تقول جوسلين دهان، الوسيط في مركز البحوث والوساطة ” أحد أكبر المصاعب التي تلي الانفصال هي إعادة ترتيب الشخص لحياته خارج نطاق الحياة الزوجية وتغيير العادات السابقة”.

وعن إمكانية بقاء العلاقة ودية بين الشريكين بعد الانفصال يوضح باتريك إستريد أن الأمر ليس بهذه السهولة، إذا سيكون هنالك في البداية مشاعر استياء واشمئزاز تجاه الطرف الآخر وهذا طبيعي، ولكن الأمر قد يختلف بعد سنوات عندما تهدأ الاضطرابات التي رافقت الانفصال”.

عنف مفاجئ

عند انتهاء إجراءات الطلاق بالتراضي، يعصف عنف هذه الأزمة وخلال جلسة استماع لا تكاد تصل إلى 30 دقيقة، بسنوات من العيش والأحلام المشتركة. كما قد يُفاجئ الشريكان خلال هذه المرحلة بتصرفات أحدهما تجاه الآخر، توضح ماري كارولين ديباكس: “في بعض الأحيان، يمكن أن نتفاجأ “بضراوة” الشريك وغضبه المبالغ فيه، إنها صدمة كبيرة أن تكتشف أنه يتفاعل بشكل مختلف تماماً عن طبيعته التي تعرفها. هذا الشخص الذي اعتقدنا أننا عرفناه، و فهمناه، يتصرف وكأنه شخص آخر”.

وتوضح ماري كارولين ديباكس الهدف من الوساطة بين الزوجين: نحاول تهدئة العلاقة من خلال تجديد الحوار بين الطرفين. “في المقابلات الأولى، نحاول إعادة الزوجين إلى بداية علاقتهما، إذ إنه في خضم تراكم الخلافات الزوجية غالباً ما ينسى كل طرف إيجابيات الآخر”.

ومن خلال إجراء تقييم شخصي وزوجي وعائلي، يدرك الزوجان أن هنالك أموراً لم تُقل، ولم تُسمع ولم تُر كما يجب، على سبيل المثال، عدم تفهم مشاعر الوحدة لدى الأم بعد الولادة أو عدم تفهم حالة الأب الذي يبالغ في العمل لإعالة أسرته. ومنذ اللحظة التي يوافق فيها الزوجان على الحديث عن هذه الأمور، تبدأ الأبواب المغلقة بالانفتاح “.

اقرأ أيضا:

امنح نفسك الوقت الكافي

في بعض الأحيان، يحتاج الفرد إلى الدعم لتخطي الآثار الناجمة عن الانفصال، لكن يبقى الوقت هو العامل الأهم. وغالباً ما يشعر المطلقون حديثاً بالاستياء من محيطهم الذي يحثهم باستمرار وإلحاح على إعادة بناء حياتهم مجدداً بعد الطلاق. تقول جويل، 35 عاماً: “خلال الأشهر التي تلت الطلاق كان أحبائي يحثونني باستمرار على استئناف حياتي، دون مراعاة أن المعاناة التي كنت أمر بها كانت تحتاج مزيداً من الوقت”.

وتوضح جوسلين دهان: “إن تعافي المرء بعد خوض تجربة الانفصال يتطلب وقتاً فهو بحاجة لتجاوز مشاعر الغضب والمعاناة وصولاً إلى التصالح مع الذات. وتختلف هذه المدة بين شخص وآخر: “لذلك يجب على كل شخص إعادة ترتيب حياته وفق ما يتلاءم مع طبيعته، لإعادة التواصل بشكل أفضل مع نفسه. تضيف ماري كارولين ديسباكس: “إن فترة العزلة التي يعيشها الشخص الذي خاض تجربة الانفصال ضرورية، حتى لو كان محيطه لا يتقبل ذلك”.

هل حان الوقت لتبدأ حياتك من جديد؟

غالباً ما يكون من الصعب تصور الحياة بعد الطلاق، خاصة عند الحديث عن الخوف من المجهول، والتغيير، والطريقة التي ينظر بها بها الآخرون إلينا، وقبل كل شيء، الخوف من الوحدة.

وعن صدمة ما بعد الطلاق والخوف من الوحدة يوضح باتريك إستريد أن الكثير من الأزواج يشعرون بالوحدة خلال الزواج، ولا يشكل ذلك اختلافاً عن الشعور بالوحدة بعد الانفصال، لكن غالباً ما يخاف الإنسان فكرة الوحدة، أكثر من الشعور بحد ذاته، إضافة لمخاوف عدم القدرة على استعادة الثقة بالنفس، أو عدم القدرة على الحب من جديد.

ويتابع : “يجب أن نبتكر شكلاً جديداً لحياتنا، بما في ذلك تغيير تصفيفة الشعر والملابس …”، بهدف استعادة السيطرة على حياتنا وإنهاء ربطها بما مضى. تستمر آثار الانفصال فترة لا بد منها في حياة المرء، ولا يمكن للإنسان بدء علاقة جديدة إلى حين انتهاء آثار العلاقة القديمة تماماً. وعندها سيكون بإمكانه المضي قدماً مع كل الآمال الجديدة لذلك من المهم العمل على تجاوز صدمة ما بعد الطلاق بشكل سريع. ويختتم باتريك إستريد بالقول: “الحب موجود دائماً، الحب يشفي النفس”.

المحتوى محمي !!