كيفية استخدام شجرة الأنساب في علاج الأمراض النفسية

شجرة الأنساب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تتكون شجرة الأنساب العلاجية من حقائق مهمة وأحداث بارزة، سواءً كانت سعيدة أو غير سعيدة، على مدى عدة أجيال، كحالات الزواج والولادة والانفصال والأمراض العضوية والنفسية. ويتم تسجيل هذه الذكريات من خلال سؤال أفراد الأسرة ومن خلال استخدام الأساليب المعتادة للبحث في السجلات الرسمية لشجرة العائلة والدراسات الاستقصائية في مناطق النشأة. تعرف في هذا المقال إلى علم الأنساب النفسي وكيفية استخدامه في علاج الأمراض النفسية، ومتى نلجأ إلى العلاج بالاعتماد على علم الأنساب النفسي. 

علم الأنساب النفسي هو طريقة للتحليل النفسي تقوم على دراسة التجارب التي مرّ بها أسلافنا بحثاً عن المصادر الأساسية لاضطراباتنا النفسية وسلوكياتنا الغريبة وأمراضنا النفسية الحالية. ويُعنَى هذا النهج بدراسة الأنماط التكرارية عبر الأجيال، ويعتمد على مفهوم اللاوعي الجمعي الذي طوره كارل غوستاف يونغ (Carl Gustav Jung) ومفهوم الولاء غير الملموس للأسرة الذي يشير إلى وجود ما يشبه الديون العائلية واجبة السداد. وإذا كانت الممارسات العلاجية تختلف من معالج لآخر (كاستخدام العلاج السردي الأسري ومخطط الأنساب)، فكلها تصب في اتجاه تحقيق هدف رئيسي واحد، وهو تحديد الاضطرابات النفسية القابلة للانتقال من جيل إلى آخر وتحرير المرء منها.

تاريخ العلاج بعلم الأنساب النفسي

أشار سيغموند فرويد (Sigmund Freud) في كتابه “الطوطم والتابو” إلى إمكانية وجود “روح جمعية” في محاولة لتفسير انتقال اللاوعي من شخص إلى آخر؛ لكن كارل يونغ هو الذي أرسى قواعد النهج الذي يقوم على دراسة الأنماط التكرارية عبر الأجيال، وذلك من خلال نظريته عن “اللاوعي الجمعي”. وفي وقت لاحق، طوّر محللون نفسيون من أمثال نيكولا أبراهام (Nicolas Abraham) وماريا توروك (Maria Torok) وصولاً إلى ديدييه دوما (Didier Dumas)، نظريات متتالية ومكملة لبعضها حول التفاعلات اللاواعية للأسرة. ولكننا ندين بالفضل في حقيقة الأمر للمعالِجة النفسية آن أنسيلين شوتزنبرغر (Anne Ancelin-Schützenberger) لإسهاماتها المتميزة في تطوير علم الأنساب النفسي بصورة حقيقية، فقد توصَّلت من خلال عملها مع مرضى السرطان إلى وجود نمط متكرر في تاريخ أُسرهم أطلقت عليه مسمى “متلازمة عيد الميلاد”؛ أي المسار الأولي عبر الأجيال.

مبدأ العلاج بعلم الأنساب النفسي

يختص علم الأنساب النفسي باكتشاف الأحداث التي عايشها أسلافنا والتي قد يتردد صداها في المشكلات التي نعانيها اليوم، من أجل وضع حد لتكرار وقوعها. وتتيح طريقة “مخطط الأنساب” التي ابتكرتها آن أنسيلين شوتزنبرغر، إمكانية تحديد المصادفات التاريخية والتطابقات العمرية لدى أفراد مختلفين من الأسرة نفسها، وتوضيحها. وتتكوَّن شجرة الأنساب العلاجية من حقائق مهمة وأحداث بارزة، سواءً كانت سعيدة أو غير سعيدة، على مدى عدة أجيال، كحالات الزواج والولادة والانفصال والأمراض العضوية والنفسية. ويتم تسجيل هذه الذكريات من خلال سؤال أفراد الأسرة ومن خلال استخدام الأساليب المعتادة للبحث في السجلات الرسمية لشجرة العائلة والدراسات الاستقصائية في مناطق النشأة.

مسار جلسات العلاج

من الصعب وصف مسار الجلسات العلاجية لأنه يختلف وفقاً للتيارات المتعددة لعلم الأنساب النفسي، ويتميز هذا النوع من العلاج بخصوصية دمج مختلف النظريات والمدارس الفكرية، وأشهرها ما يلي:

  1. يؤكد ألكسندرو يودوروفسكي (Alexandro Jodorowski) إن المرء يحمل شجرة عائلته في جسده، ويمكن للمرء أن يتخلَّص من معاناته عن طريق اكتساب الوعي وممارسة طقوس التطهير.
  2. طريقة “كوكبة الأسرة” للمحلل النفسي الألماني بيرت هيلنغر (Bert Hellinger)، وتعتمد على العمل الجماعي الذي يسمح بتجسيد “مجالات الطاقة الأسرية” وذلك من خلال اختيار أشخاص مختلفين يمثلون أسرتنا.
  3. يرى المحلل النفسي سيرج تيسيرون (Serge Tisseron) الذي سار على خطى كلٍّ من أبراهام وتوروك، أن الانتقال هو أداة علم الأنساب النفسي أي الرابط العلاجي الذي يتحول إلى ما يشبه غرفة صدى تسهم في تضخيم أحداث الماضي. ثم يتمثل دور المعالج في مساعدة مريضه على التعرف إلى سر العائلة المسؤول عنه، والتخلُّص من هذا العبء واستخدام موارده الخاصة لاستعادة السيطرة على مصيره.

متى نلجأ إلى العلاج بعلم الأنساب النفسي؟

من الواضح أن المؤشرات الرئيسية لعلم الأنساب النفسي ترتبط ارتباطاً مباشراً بسر الأسرة، ويشكّل هذا السر في أغلب الأحيان ستاراً يُخفي وراءه أمراض المناعة الذاتية مثل السرطان، أو الأنماط التكرارية لعلاقات الحب الفاشلة وإشهار الإفلاس والفشل المهني المتكرر، وما إلى ذلك. وفي حالة وجود أسرار “ضارة” مثل السلوكيات غير الأخلاقية والانتحار وإدمان الكحول، فإن علاجها يقوم على إعطاء أولئك الذين تأثروا به دون أن يدركوا ذلك، المفاتيح التي تسمح لهم عند البلوغ بالتخلُّص من عبء هذا السر في شجرة نسبهم.

مدة الجلسة العلاجية

يقوم علم الأنساب النفسي على البحث والتحري بأسرع الطرائق. وكقاعدة عامة، فإنك إذا أردت إجراء جلسة فردية ستحتاج إلى ما يقرب من 10 ساعات لفهم جذور مشكلة معينة؛ لكن المعرفة شيء والتطبيق شيء آخر. بالإضافة إلى ذلك، فإن العمل الجماعي يساعد على إبراز الصدمات العائلية على السطح وكشفها، ومن خلال تحليل “تاريخها النفسي” وتمثيله يمكن كسر حلقة التكرار المفرغة. . وعند الخضوع لعلاج جماعي على مدى جلسات متعددة، فقد تستغرق مدة الجلسة الواحدة نحو ساعة ونصف في معظم الأحيان، وقد تستلزم مدة العلاج عقد 5 أو 6 جلسات، وتستمر ورش العمل من يومين إلى 5 أيام عند العمل مع المجموعات.

المحتوى محمي !!