هل تتسبب مشاعر معينة في سرعة القذف؟

سرعة القذف
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

باتت سرعة القذف تتصدر قائمة أسباب استشارات الرجال في عيادات الطب الجنسي. وأخيراً يجرؤون على الإفصاح عن مخاوفهم وعدم قدرتهم على التعامل معها، إضافة إلى حديثهم عن المتاعب الفسيولوجية أو المشاكل الزوجية المتولّدة عنها.

في المرة الأولى، لم تقل فيرجيني شيئاً. في المرة الثانية، أرادت هذه المحامية الشابة التحدث إلى بابتيست، الذي أبدى استياءه من حديثها. المرة الثالثة، لم تكن هناك مرة ثالثة: “وبرغم حبي لكل شيء فيه، فهو لطيف حقاً، ولا تفارق البسمة وجهه، إلا أنني حين أدركتُ أنه يعاني مشكلة سرعة القذف، أنهيتُ علاقتي به فجأة ودون سابق إنذار.!”.. فوفقاً لتقرير “سبيرا باجوس” حول نشاط الحياة الجنسية في فرنسا الذي تم إعداده في الفترة من سبتمبر/أيلول 1991 إلى فبراير/شباط 1992، فإن 27% من الرجال يعانون هذا الخلل الوظيفي من بين 20,055 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 18 و69 عاماً . يقول طبيب أمراض النساء والذكورة، سيلفان ميمون: “يُعرَّف القذف المبكر علمياً بحدوث القذف بعد دقيقتين إلى 3 دقائق من الإيلاج، وأحياناً قبل الإيلاج. وتُسمَّى هذه الظاهرة علمياً “القذف قبل البوابة” (Ante Portas Ejaculation). ولكيلا نستفيض في الحديث عن مفهوم الوقت، الذي لا يعني الكثير هنا، فإنني أُفضّل التحدُّث عن “سرعة القذف” بمعنى القذف قبل وصول المرأة إلى حالة النشوة بوقت طويل جداً”.

إرساء قواعد معينة كمعيار للأداء

بات هذا الاضطراب يتصدر قائمة أسباب استشارات الرجال في عيادات الطب الجنسي، بعد أن تصدر قائمة الاختلالات الجنسية لدى الذكور، وأصبح يحتل مرتبة متقدمة بفارق كبير عن العجز الجنسي (20%) وغياب الرغبة (19%). ولم تُفاجأ الطبيبة النفسية واختصاصية علم الجنس، ميراي دوبوا شوفالييه، بتفشي هذه الظاهرة، إذ تقول: “إذا لم يزدد عدد الرجال الذين يعانون سرعة القذف إحصائياً، فإن طلب المشورة للتعافي من هذا الخلل آخذ في الازدياد. ويجب أن يُشار هنا إلى أن الخطاب الاجتماعي قد شهد تغيُّرات ملحوظة، وأن التغطية الإعلامية المنتشرة في كل مكان للحياة الجنسية تسهم بقوة في إرساء قواعد معينة كمعيار للأداء، وتضع الرجال تحت ضغط مستمر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كل هذا التسرع؟ خاصة عندما لا تكون سرعة القذف ناتجة عن مشكلة جسدية بحتة (مثل تضيُّق القلفة أو ما يُعرف بالشبم، وقصر لجام القلفة، والتهاب البروستاتا، إلخ) تتعلق بأمراض المسالك البولية أو مشكلة لدى المرأة بسبب جفاف المهبل الذي يزيد من قوة الاحتكاك، وبالتالي يزيد من الإثارة في أثناء عملية الإيلاج. وتم رصد هذه السرعة لأول مرة في جينات الذكور: فالإنسان شأنه شأن جميع الذكور من الحيوانات مُبرمَج على سرعة القذف، خاصة في فجر حياته الجنسية، لأسباب تتعلق بغريزة الإنجاب. باختصار، إذا كان أي ذكر يفكر في نفسه فقط، فمن الطبيعي أن يكون سريع القذف.

المشاعر الخارجة عن السيطرة

ومع ذلك، فهناك عوامل نفسية أخرى تؤدي دوراً مهماً أيضاً في سرعة القذف: كخوف المرء من إلزام نفسه بشيء لا يريده (وتشكّل سرعة القذف هنا ذريعة جيدة لقطع علاقة يصعب الالتزام بها)، والعيش تحت ضغوط مستمرة (وهنا يأتي دور “طاقة المشاعر المتأججة التي تحفّز الجهاز السمبثاوي اللاإرادي وتسرّع بدء القذف”، على حد وصف اختصاصية علم الجنس، كاثرين سولانو)، بل قد يكون التوتر أو رهبة الأداء التي تعرَف بـ “رهاب المسرح” هو أحد هذه العوامل النفسية التي تؤدي إلى سرعة القذف كذلك. ويقول سيلفان ميمون: “ترجع سرعة القذف في معظم الأحيان إلى الاضطرابات الناجمة عن أسباب نفسية وعاطفية في سن البلوغ، أي عند أول اتصال جنسي للفرد الذي يشهد عادة عدم القدرة على التحكم في عملية القذف. لكن عندما يعتاد الجسم على سرعة القذف، فإنه يحاول التكيّف مع هذه العملية فسيولوجياً والحفاظ على نفسه بطريقة انعكاسية”. ويعرّف الناشر الناجح في مجاله والبالغ من العمر 37 عاماً، جيان دينيس، هذه الحقيقة إذ يقول: “عندما أشعر بأنني سأصل إلى النشوة بسرعة وبأنني أريد تحطيم الأرقام القياسية للبطء، فإنني أفرك عضوي الذكري حتى ينتصب ويسرع بالقذف. لم أنجح أبداً في ترك نفسي تتعامل على سجيتها… ونتيجة لذلك، أحاول الابتعاد عن الجماع قدر الإمكان أو أتجنبه تماماً خوفاً من السخرية!”. وتوضح كاثرين سولانو هذه النقطة، قائلة: “يمكن اعتبار الاستمناء المتهم الأول من منطلق الدافعية وليس العاطفة: إذ لا تتمثّل المشكلة في ممارسة الاستمناء بحد ذاته، ولكن في سرعة تنفيذه وانفصال مَنْ يمارس الاستمناء عن شريكة حياته في أثنائه وافتقاره إلى الإثارة الجنسية والشعور بالذنب الذي ينشأ عن ممارسته”.

عندما يلوح شبح الانفصال في الأفق

لقد ولّت الأيام التي كانت فيها سرعة القذف تتوج الأبطال بمعاني الرجولة المنتصرة، مثل قيام نابليون بإلقاء جوزفين بعيداً بعد أن يقذف حمولته في رحمها! وقد أقسم فرانسوا أنه قد وجد الحل الأمثل في سن الرابعة والعشرين من عمره: “أقذف بسرية بعد 10 أو 15 ثانية. لكن بينما أحاول “إعادة الانتصاب” مرتين أو ثلاث مرات في ساعة ونصف، يمكنني إرضاء صديقتي دون أن تكتشف المشكلة!”.

يستطرد سيلفان ميمون قائلاً: “في بداية العلاقة الغرامية، يسعد بعض النساء بسماع العبارة الشهيرة: لا أستطيع التحكم في نفسي لأنني أحبك كثيراً!”. فيشعرن بالثقة في أنوثتهن: “إذا كان هذا الرجل يقذف بسرعة، فذلك لأنه يرغبني بشدة. وسيكون من السيئ أن يكبت مشاعره!”. ويعاني الكثيرون على المدى البعيد من ذلك أشد المعاناة وقد لا تواتيهم الجرأة للتعبير عن عدم رضاهم أو شعورهم بالإحراج أو الإحباط. ومن هنا كانت سرعة القذف سبباً في تمزق العلاقات الزوجية. وكان هذا مثار استغراب الرجال. إذ يتساءل ماثيو المتخصص في علوم الكمبيوتر والبالغ من العمر 30 عاماً: “أنا متزوج من امرأة رائعة، لكنني أخشى أن تنتهي علاقتنا بالانفصال بسبب سرعة القذف. وهي تدعم علاقتنا في الوقت الحالي، لأنني أعتني بها وبأطفالنا الصغار كثيراً، ولكن إلى متى؟”.

خلق توازن جديد

تعرّض برتل، وهو مهندس بحري في الأربعينيات من عمره، لما هو أسوأ من ذلك: “لقد سئمتني صديقتي التي كنت أحترمها، وتركتني منذ عام مضى. فحتى حالة الاكتئاب العنيف التي تعرضت لها تعافيتُ للتو منها، إلا أنني لا أستطيع التعافي من معاناتي في العلاقات النسائية، تلك المعاناة التي ترسخت في أعماقي!”. وترى ميراي دوبوا شوفالييه أن كلمايت برتل ترسم صورة مركبة للرجال الذين يحبون إنهاء الأمور بسرعة ولا يكترثون بإرضاء اهتمامات المرأة الجنسية، إذ تقول شوفالييه: “كقاعدة عامة، تشير هذا الصورة الوصفية إلى رجل ذي شخصية غير ناضجة يسعى دائماً إلى السير على نهج والدته التي لم تواجه أزمته في سن المراهقة والتي لطالما بالغت وعاملته وكأنه شخص كامل الأوصاف. وكانت امرأة “قوية” مسيطرة، واثقة من نفسها، ما أدى بدوره إلى فقدانه لعنصر الإصرار وقوة العزيمة، ومن الواضح أن امرأة كهذه ستعيش في حالة من التنافس (اللاشعوري) معه. ويشار هنا إلى أن كلاً من الأم وابنها يكملان بعضهما من الناحية البنيوية، لكن يمنع كل منهما الآخر من الوصول إلى النضج”.

وتصر الطبيبة النفسية على أن “أول شيء يجب على الرجل فعله أن يتعافى ويستوعب التعليمات لاستخدام جسده بحيث يتقبل أحاسيسه ولا يخشى المداعبة بعد الآن. وكلما زادت قدرته على الثقة في نفسه والاسترخاء والإثارة والإتاحة، كان من السهل عليه تنظيم وظيفته الجنسية للتكيُّف مع متطلبات شريكة حياته وتأخير القذف. وكلما قل لديه الشعور بالإثارة الخالصة لتسهيل الوصول إلى النشوة. وستزداد بمرور الوقت رغبته في تأكيد الذات و(إعادة) إثبات دوره الرجولي وإعادة شريكته إلى الوضع الأنثوي. ويخلص الطبيب النفسي وعالم الأنثروبولوجيا، فيليب برينو، إلى أن: “الهدف هو أن يفكر الشركاء معاً في إعادة التوازن الجنسي من جديد للزوجين، بعيداً عن الأداء والنشوة بأي ثمن”.

رأي الاختصاصية كاثرين سولانو

كاثرين سولانو: “يساعد التنويم الإيحائي على الوصول إلى الحياة الجنسية الطبيعية”

سرعة القذف ليست نهاية المطاف. إلى جانب أساليب التماسك الكلاسيكية التي يمكن ممارستها في أزواج أو على انفراد (انظر كتاب “الجنس الذكوري” (La Sexualité au Masculin) بقلم كاثرين سولانو، مارابوط، 2000)، يقدم التنويم الإيحائي لإريكسون وسيلة للعمل على الجسم والعقل بصورة مشتركة. وتناقش اختصاصية علم الجنس، الدكتورة كاثرين سولانو التي تستخدم هذه الطريقة، فوائد هذا الأسلوب.

نفسيتي: ما التنويم الإيحائي لإريكسون؟

كاثرين سولانو: دعونا نقُل على سبيل التبسيط إننا نستخدم تغيير حالة الوعي، مثل تلك التي يمكن أن نختبرها عندما نشعر بالنشوة. وللوصول إلى هذه الحالة، يركّز المريض على الأحاسيس المرتبطة بذكريات ممتعة للغاية ويسمح لأفكاره بأن تسرح وتشرد. تستغرق الجلسة ما يقرب من نصف ساعة. ثم يشعر بالاسترخاء كما لو أنه قد أفاق من قيلولة.

ما أثر التنويم الإيحائي في تأخير القذف؟

أولاً: يُعلِّم الجسد أن يتخلى عن الشد العصبي حتى تصبح الحياة الجنسية شيئاً بسيطاً وطبيعياً، أو تعود إلى بساطتها مجدداً. ويحاول المُعالج في كثير من الأحيان تقديم اقتراحات غير مباشرة باستخدام الاستعارة، لكي يُظهر للمريض أنه قادر على تغيير سلوكه. حيث يعمل العقل اللاوعي بطريقة تمثيلية وليس تحليلية، وبالتالي فإنه يفهم هذه الصور جيداً، ما يؤدي إلى التغلب على مقاومته وحشد إمكاناته الإيجابية.

هل تعالج هذه الأساليب سرعة القذف بشكل دائم؟

هناك دائماً مخاطر “الانتكاس”. لكن التنويم الإيحائي فعَّال للغاية في حل مشكلة معينة، خاصة تلك المتعلقة بالتوتر. ويمكن أن يعود كل شيء إلى طبيعته خلال بضع جلسات.

آراء الناس: “لقد عانيتُ في البداية أشد المعاناة من هذه التجربة”.

يعاني تييري البالغ من العمر 32 عاماً سرعة القذف. ويشعر بالفخر لأنه استطاع تحويل الخلل في وظائفه إلى إحدى أهم أدوات إشباعه الجنسي.

“لا أشعر بالذنب لأنني أصل إلى النشوة الجنسية خلال دقيقة واحدة أو دقيقة ونصف، بل وأعرّف الآخرين بهذه الحقيقة! “لقد عانيتُ في البداية أشد المعاناة، وتعبت كثيراً، حتى إنني توقفت عن ممارسة العلاقة الحميمية لمدة عام في سن العشرين تقريباً. حتى التقيت بفتاة كانت شديدة الذكاء وذات ميول جنسية غامضة بعض الشيء. استمرت مغازلاتنا لشهور. واكتفينا بالمداعبات المتبادلة، ثم تعمقت علاقتنا أكثر فأكثر. ووجدنا أن ذلك مناسب لكلينا. وتوصلتُ اليوم إلى استنتاج مفاده أنه من المحتمل أن تكون طبيعة “الذكر” هي التي تريد ذلك، وأن هناك الكثير من الفتيات اللواتي لا يهمهن الإيلاج حقاً بقدر المداعبة. وأتصرف معهن مثل بطل المداعبات الذي يحاول أن يجعلها تدوم لأطول فترة ممكنة من العلاقة، لأمارس الإيلاج بعدها مرتين أو 3 مرات فقط قبل أن أصل إلى النشوة. وأضمن لك نجاح هذه الفكرة…”.

المحتوى محمي !!