ما هو رهاب الاندفاع وكيف يمكن تجاوزه؟

رهاب الاندفاع
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خلال إقامتها في إيطاليا مع والداها، عانت مورغان التي كانت مراهقة آنذاك من أول رهاب لها من الاندفاع. وفي الحقيقة؛ غالباً ما يكون هذا الرهاب غير المعروف والمحظور من أعراض اضطراب الوسواس القهري. يتخيل الشخص الضحية أنه يرتكب أسوأ التصرفات على غرار القتل وممارسة العنف على الآخرين. أصبحت مورغان اليوم صحفية ومؤلفة كتاب “دعونا نعيش بسعادة حتى تحت المطر!“. من خلال دليل القبول والتخلي (ليبرينوفا) استعرضت لنا مورغان شهادتها حول هذا المرض وشرحت كيف تمكنت من التغلب عليه.

“رهاب الاندفاع أحد أكثر أنواع أمراض الوسواس القهري التي يساء فهمها (اضطرابات الوسواس القهري) ولكنه أيضاً أحد أكثر الأمراض التي يُمنع منعاً باتاً الحديث عنها. ولسبب وجيه يتسم الرهاب الاندفاعي بالخوف من فقدان السيطرة وارتكاب فعل بغيض أخلاقياً حتى وإن كان عنيفاً أو قاتلاً ضد النفس أو الآخرين.

ظهرت هذه الأفكار التداخلية التي تقترب من الهوس في إحدى مواسم الصيف عندما كنت مراهقة. اكتشفت التراث الثقافي والمعماري الاستثنائي مدينة فلورنسا الإيطالية ولكن أيضاً اكتشفت عطر الفرح والطاقة التي ينضح بها متحف المدينة.

التفاصيل التي غالباً ما تعود إليّ هي صورة الكاتدرائية المهيبة التي تلقي بظلالها الهائلة على الساحة الرئيسية لبيازا ديل دومو، مثل سحابة الأفكار العنيفة التي ستحاصر عقلي قريباً. خلال تلك الأعياد تخيلت أنني قمت بطعن والدي وأخي.

وبعد ذلك تبعت السيناريوهات العنيفة بعضها بعضاً.

على غرار: إهانة مدرس وخنق شخص ما وإلقاء نفسي من بناية عالية، بالإضافة غلى تقبيل شخص غريب. غزت الكثير من الأفكار المتناقضة رأسي دون أن ألفظ بأي كلمة. لقد علقت في شباك الثرثرة العقلية التي كنت مقتنعة بها قبل اقتراف أي فعل ثم أخذت هذه الأفكار على محمل الجد؛ ما جعلني أغرق في عزلة كبيرة. كنت أشعر بالرهبة إذا تمت معاملتي كشخص معتل اجتماعياً، خائفةً من أن يُحكم عليّ ويُساء فهمي. وقبل كل شيء، شعرت بالخوف من أن أكون الشخص الوحيد الذي يعاني من هذا الرهاب، إلى أن أسميتُ هذا الاضطراب الذي أثر في العديد من الأشخاص الآخرين برهاب الاندفاع.

أعراض رهاب الاندفاع والخوف من اقتراف الفعل

عندما ظهرت هذه الأفكار، استجاب جسدي لها كرد فعل فوري (تعرق بارد، خفقان) وازداد الخوف وبلغ ذروته. كلما تضاعف شعور الخوف، بات الانتقال إلى الفعل أمراً ممكناً بل وشيكاً.

على سبيل المثال: عندما تخيلت التقاط السكين ومهاجمة ابني شعرت بالرعب والذهول، وتركت نفسي تغرق في بحر المشاعر والأحاسيس؛ ما جعل قتلي له أمراً معقولاً وهو السيناريو الذي كان لا يطاق بالنسبة لي. ثم سرعان ما هربت، على الرغم من أنني كنت أعلم أنها مجرد أفكار “فقط” ولن أجرؤ على أي تصرف من هذا القبيل وفقاً للأطباء.

الأفكار المتطفلة واستراتيجية التجنب

مثل جميع الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاندفاعي والوسواس القهري بشكل عام، طورت سريعاً طقوساً وأساليب واستراتيجيات تجنب لطمأنة نفسي في مواجهة المواقف المثيرة للقلق.

ولمطاردة هوس ما كان، علي استبداله بآخر دون أن أدرك أنني كنت أحافظ على دوامة اجترار عقلي وأن كل سيناريو جديد كان بمثابة طريق لإيجاد حل ولكن ليس حلاّ طويل الأمد. دفعني عدم التسامح مع عدم اليقين والحاجة المستمرة إلى الطمأنة، إلى تغذية هذه الحلقة المفرغة.

أخيراً في حال انتابتني الهواجس العدوانية، فإن أفضل استجابة للمثيرات هي تعلم قبول أحْلك الأفكار بإحسان وحتى الكشف عنها إذا كانت موجودة عند شخص آخر إذا لزم الأمر.

بالنسبة إلي كان “مساعدي” (كما أحب أن أطلق عليه) زوجي. فعلى سبيل المثال لمواجهة خوفي؛ اقتربت من النافذة معه وابننا بين أحضاننا لبضع ثوان ثم بضع دقائق. سمح لي هذا أن أفهم أنه لن أفقد السيطرة أبداً على نفسي وأتخذ قراراً بأن ألقي طفلي من علياء الشرفة!

في الواقع قد يكون التعرض أمراً مخيفاً في البداية وسيشعر البعض بالتأكيد أنهم على وشك الغرق في نوبة من الهلع. لكن خوفي ومستوى قلقي فقدا حدتهما تدريجياً بمجرد تعرضي لما يثير رهبتي، وأصبحت الآن أتحكم في أفكاري السلبية.

التأمل ضد رهاب الاندفاع

بالإضافة إلى أوقات التعرض هذه؛ ساعدني التأمل اليقظ برفقة المدرب، ثم التأمل اليقظ بمفردي بشكل كبير.

لقد سمح لي هذا التمرين بإعادة الاتصال بجسدي، للترحيب والملاحظة وإدارة تدفق الأفكار بشكل أفضل حتى الأفكار العدوانية، فضلاً عن أنني استطعت أيضاً إدارة الأحاسيس التي ارتبطت بها. إنها طريقة جيدة لنزع فتيل الخوف والحفاظ على السيطرة حتى لا تنشغل بأفكار مخيفة لا تعكس في الواقع أي نية حقيقية. إن التأمل لبضع دقائق في اليوم هو إطلاق العنان للأفكار والعواطف دون تحليلها لكي تختفي بعد ذلك من تلقاء نفسها.

وهذا يشبه إلى حد ما رياضة الجمباز الجسدي والعقلي الذي نتدرب عليه شيئاً فشيئاً، لإعادة الاتصال باللحظة الحالية لنرى أنه لا يوجد خطر ما حولنا. كما لا توجد أي مخاطرة في اتخاذ إجراء في هذا الشأن.

كيف تتخلص من رهاب الاندفاع؟ نصائح طبيب نفسي

في مقالتها “رهاب الاندفاع: الخوف من إيذاء أحبائنا أو إيذاء أنفسنا” (Phobie d’impulsion : la peur de blesser nos êtres aimés ou nous-mêmes)، تشرح عالمة النفس ألكساندرا أوسوريا أن “الرهاب الاندفاعي يتعلق بجميع الموضوعات الحساسة والخاضعة للرقابة من قبل المجتمع مثل: الجنس والصحة والدين والعادات وما إلى ذلك. تتنوع المخاوف بشكل كبير ويمكن أن تشير إلى إمكانية إيذاء شخص عزيز (عن غير قصد) أو النفس أو أن يصبح المريض مثلياً أو القفز من الشرفة أو أمام القطار، وما إلى ذلك. إنه رهاب أكثر شيوعاً مما قد تتخيله، فهو يؤثر بشكل خاص في الأمهات الشابات اللواتي تسيطر عليهن الأفكار المتطفلة التي يمكن أن تظهر خلال فترة ما بعد الولادة وتتحول إلى حالة من الهلع تدفعهن إلى إيذاء أطفالهن. في المقابل توجد حلول لوضع حد لهذه المخاوف؛ بحيث يمكن للمريض أن يستشير طبيباً نفسياً لأنه في الحالة التي يكون فيها القلق شديداً، غالباً ما يكون وصف الدواء ضرورياً بالإضافة إلى العلاج الموجه. يجب التأكيد على أنه على الرغم من وجود مناهج نفسية مختلفة لعلاج الرهاب الاندفاعي، “فإن العلاجات الوحيدة التي أكدها البحث العلمي والتي أثبتت فعاليتها هي الاستراتيجيات والعلاجات السلوكية المعرفية التي يعد العلاج الاستراتيجي الموجز مثالاً عليها” وفقاً لما ذكرته عالمة النفس ألكساندرا أوسوريا. نصيحته الأخيرة كطبيب نفسي؟ إذا كنت تعتقد أنك تعاني من رهاب الاندفاع تذكر أنه مشكلة نفسية. كلما تعاملت معها بشكل أسرع، وجدت الراحة في وقت أسرع. علماء النفس هم أفضل الأشخاص الذين يستطيعون تقديم المساعدة لك. لذا توقف عن المماطلة وإذا كنت في حاجة إلى المساعدة، فاتخذ هذه الخطوة.

المحتوى محمي !!