تعرف إلى القدرات العلاجية لجلسات العلاج النفسي الجماعي

العلاج النفسي الجماعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هناك أنواع مختلفة من المجموعات العلاجية، فهناك مجموعات علاجية مخصّصة للنساء والمراهقين والأزواج، ومجموعات علاجية للمصابين بالنهم أو الرهاب أو سكان المدن، وهناك مجموعات علاجية تقوم على العلاج النفسي من خلال السرد أو أداء تمارين مشتركة أو ممارسة الفنون المرئية، إلخ. يتيح لك العلاج النفسي الجماعي القدرة على التعلم من تجارب الآخرين بقدر ما تتعلم من تجاربك الشخصية. ولكن ما سر العلاج الجماعي؟ تعالوا نتعرف إلى تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع.
ثبت بالدليل القاطع أن العلاج النفسي يأخذ بُعداً مختلفاً في وجود أشخاص آخرين، سواءً كانوا متشابهين أو مختلفين، ومهما بدت الفضفضة في حضورهم باعثة على القلق. ويتيح لك العلاج النفسي الجماعي القدرة على التعلم من تجارب الآخرين بقدر ما تتعلم من تجاربك الشخصية. ولكن ما سر العلاج الجماعي؟ لنتعرف إلى تفاصيل حول هذا الموضوع من خلال السطور التالية.

هناك أنواع مختلفة من المجموعات العلاجية، فهناك مجموعات علاجية مخصّصة للنساء والمراهقين والأزواج، ومجموعات علاجية للمصابين بالنهم أو الرهاب أو سكان المدن، وهناك مجموعات علاجية تقوم على العلاج النفسي من خلال السرد أو أداء تمارين مشتركة أو ممارسة الفنون المرئية، إلخ. وعلى الرغم من تعدّدها، فإنها تستند إلى الأسس ذاتها. غير أن حضور هذه الجلسات لا يُعتبَر بديلاً للعلاج الفردي، وقد يكون من الأجدى في بعض الأحيان أن تسبقه، ويُفضَّل في أحيان أخرى أن نمزج بينهما بالتبادل أو أن نكمل العلاج الفردي بالخبرات التي يتيحها العلاج الجماعي.

التآزر النفسي مع المشابهين لك في الحياة

في كتابهما الذي يتناول مناهج المجموعات العلاجية، “المجموعات العلاجية: منهج متكامل” (Le Groupe thérapeutique, approche intégrative)، يتتبَّع عالم النفس إيدموند مارك (Edmond Marc)، والمحللة النفسية وطبيبة الأمراض النفسية الجسمانية كريستين بونال (Christine Bonnal)، تاريخ هذا “الاختراع الاجتماعي الذي شهد انتشاراً واسعاً خلال القرن الماضي، وكان بلا شك أقوى أنواع العلاجات النفسية وأكثرها نجاحاً” كما أكد اختصاصي علم النفس الإنساني كارل روجرز (Carl Rogers) في السبعينيات. وكان روجرز وغيره من العلماء الذين وضعوا أسس هذا المنهج العلاجي يؤمنون بأنه سينجح في التفوق على العلاجات الفردية، لأنهم يرون أن فرويد كان على صواب حينما أشار إلى أن المجموعة تسمح بإزاحة الستار عن الظواهر التي لا يمكن الكشف عنها في الجلسات العلاجية الثنائية بين المريض وطبيبه النفسي. ويرى مخترع العلاج النفسى بالدراما أو ما يُعرَف بـ “السيكودراما”، الطبيب النفسي جاكوب ليفي مورينو (Jacob Levy Moreno) أن جلسات العلاج الجماعي هي الإطار الوحيد الذي يسمح بفهم الإنسان بكل تعقيداته البيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية، وكان ينتقد منهج فرويد العلاجي قائلاً: “لقد وضع المرضى في عيادته؛ في بيئة مصطنعة، أمّا أنا فآخذهم إلى الشارع حيث بيئتهم الطبيعية”. ولأنه كان مقتنعاً بأن التركيبة النفسية الحقيقية للفرد لا تظهر على السطح إلا حينما يتعامل مع الآخرين، فقد رأى أنه من الضروري توجيه الاهتمام إلى أساليب الإنسان في تفاعلاته مع الآخرين أكثر من الاهتمام بسرده للأحداث بمفرده، وهي الطريقة التي تقوم على استذكار المريض لمجريات حياته في سن الطفولة وتسجيل طبيبه النفسي لملاحظاته حولها. هذه هي الطريقة التي فرض بها العلاج النفسي الجماعي نفسه كنوع من مختبرات الحياة الاجتماعية؛ ما يسمح باستذكار الصعوبات التي واجهها الفرد ومعايشة التجارب التي تعرّض لها في إطار علاقاته الأخرى قبل نقلها إلى “الحياة الواقعية”.

العلاج من خلال الآخرين

سواء كانت المجموعات تستخدم أساليب العلاج السلوكي أو علاج الغشطالت أو العلاج المنهجي أو العلاج التحليلي أو التطوير الشخصي أو غيره من الأساليب التي وُلدت من رحم منهج صناعة الثقافة المضادة وفق مدرسة كاليفورنيا النفسية، فإن العلاج الجماعي يعتمد على العناصر التالية:

  1. المشاركة: يشعر أولئك الذين يبدؤون جلسة العلاج الجماعي في أغلب الأحيان بأنهم أشخاص غير طبيعيين وأنهم يقفون وحدهم في مواجهة آلامهم النفسية؛ لكنهم حينما يبدؤون الاستماع إلى الآخرين فإنهم يضعون آلامهم تلك في حجمها الحقيقي. تقول نهلة البالغة من العمر 47 عاماً: “عندما حضرت الجلسة الأولى شعرتُ بأنني أَشبَه ببطة عرجاء؛ لكن حينما تلقيتُ تشجيع زملائي وزميلاتي في المجموعة واكتشفت إلى أي مدى يشعرون هم أنفسهم بالبؤس في حياتهم، شعرتُ بأنني صرتُ أكثر تعاطفاً مع نفسي ومع الآخرين”.
  2. التجريب: يتحيز العلاج الفردي للبُعد السردي الذي نروي فيه الأحداث والمشاعر التي تعرّضنا لها في حياتنا؛ لكن العلاج الجماعي يركز بشكل أكبر على ما يعايشه المريض في التو واللحظة مع الآخرين. يقول فادي البالغ من العمر 37 عاماً: “استكشفت من خلال التحليل النفسي الإخفاقات التي تعرّضت لها في حياتي العاطفية في ضوء طفولتي وتوصّلت إلى فرضيات مثيرة للاهتمام؛ لكن جلسات العلاج الجماعي ساعدتني على أن أرى حقيقة سلوكياتي، وتعرّفتُ من خلالها إلى مسؤوليتي تجاه المشاعر التي كنت أعتقد أنني أعانيها”.
  3. تأثير المرآة: لقد أدرك فادي بفضل زملائه وزميلاته في المجموعة أن سلوكياته كانت تجعل الآخرين ينفرون منه؛ ما أدى إلى صعوبة تكوين علاقات عاطفية دائمة في حياته. ويلخّص إيدموند مارك هذه الفكرة بقوله: “تساعدني نظرة الآخرين على رؤية نفسي على حقيقتها، وليس كما أتخيلها أنا”. ويضيف فادي: “قد نعرف في بعض الأحيان حقيقة سلوكياتنا حينما نرى نظرة الخوف في عيون الآخرين؛ إذ نشعر بصدق مشاعرهم التي تكمن وراء نظرة الخوف البادية على وجوههم”.
  4. الصدى: تقول نشوى البالغة من العمر 40 عاماً: “واجهتُ صعوبة في الشعور بالعاطفة عندما تحدثتُ عن نفسي؛ ولكن عندما تحدَّث الآخرون شعرتُ بآلامهم أو غضبهم أو حزنهم كما لو كنت أنا من يعانيها”. يسهم هذا التعاطف في تشجيع المرء على أن يكون أكثر وضوحاً في الحديث عن نفسه، حتى يصل إلى الجذور الدفينة لأحزانه ويعي أسبابها الحقيقية؛ وبالتالي فإنه يتعلم من تجارب الآخرين بقدر ما يتعلم من تجاربه الشخصية.

وختاماً، فإن العلاج النفسي الجماعي يتيح إمكانية العمل على 3 مستويات: الصراع العقلي (وفيه يتخلَّص المرء من الحكم على نفسه والآخرين)، والصراع الترابطي (وفيه يُظهِر المرء أخطاء الآخرين ويؤكد رغباتهم)، والمستوى الاجتماعي (وفيه يكتسب المرء الاستقلالية من خلال تعلّمه من تجارب الآخرين)، وهذا ما يُضفي عليه مزايا لا تتوافر في غيره من أنواع العلاج النفسي.

المحتوى محمي !!