لماذا حث الصليب الأحمر اللاعبين على عدم ارتكاب جرائم الحرب في ألعاب الفيديو؟

الصليب الأحمر
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تطلق الحركة الدولية للصليب الأحمر حملة جديدة تحث اللاعبين على عدم ارتكاب جرائم الحرب حتى في ألعاب الحرب الافتراضية، فما الذي دفعها إلى ذلك؟

لا توجد قوانين حرب عالمية عندما يتعلق الأمر بألعاب الفيديو؛ إذ يمكن للاعبين تجاهل قواعد اتفاقية جنيف دون مواجهة أي عواقب؛ لكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تريد تغيير ذلك!

أعلنت منظمة الصليب الأحمر الدولية عن تحدٍ أخلاقي وتربوي، في بيان لها على موقعها الرسمي، تدعو فيه للالتزام بقواعد الحرب (Play by the Rules) في ألعاب الحرب الافتراضية على الإنترنت.

قد يبدو الأمر مفاجئاً في البداية؛ ولكن إن كنت قد لعبت بلعبة مثل سلسلة “كول أوف ديوتي” (Call of Duty)، وبشكل خاص “وورزون” (Warzone)، فلا بدّ أنك ارتكبت الكثير من “جرائم الحرب” دون أن تعي ذلك.

هذا هو بالضبط ما تشير إليه حملة الصليب الأحمر؛ حيث يتم تحدي اللاعبين للعب “FPS” عبر الإنترنت وفقاً لقواعد الحرب الحديثة دون ارتكاب جرائم الحرب، وذلك عبر قناتها الرسمية على منصة “تويتش” (Twitch) التي تتضمن ألعاباً مثل:

  • “بلاير أنونز باتل غراوندز” (PUBG: Battlegrounds).
  • “فورتنايت” (Fortnite).
  • “توم كلانسيز رينبو 6 سايج” (Tom Clancy’s Rainbow Six Siege).
  • “الهروب من تاركوف” (Escape from Tarkov).

على ما يبدو، فإن الالتزام بقواعد الحرب أمر ليس بتلك السهولة، ومع ذلك، يحاول الستريمرز التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ ومن أهم هذه القواعد:

  • لا تطلق النار على الأعداء الذين سقطوا أو لا يستجيبون.
  • لا تستهدف الشخصيات غير العدوانية (المسالمة).
  • لا تستهدف المباني المدنية.
  • استخدم المجموعات الطبية للجميع دون استثناء.

فما الذي دفع الصليب الأحمر إلى حث اللاعبين على عدم ارتكاب جرائم الحرب في ألعاب الفيديو؟ وما حقيقة الآثار النفسية لألعاب الفيديو في سلوك اللاعبين على أرض الواقع؟

هل تؤدي ألعاب الفيديو العنيفة إلى العدوانية؟

بشكل بديهي، قد يجيب البعض بـ “نعم”، فهي بالنسبة إليهم بمثابة دورات تدريبية افتراضية على العنف للمراهقين، تدفعهم لمحاكاة السلوك العدواني المرتبط باللعبة. كما تتجاوز برأيهم آثار التلفاز ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها ألعاب تفاعلية تتضمن المشاهدة والمشاركة في القتل.

ولكن العديد من الدراسات لم يستطع إيجاد علاقة سببية بين العنف والسلوك العدواني للاعبين، فما زال الجدل بين علماء النفس حول ما إذا كان عنف الألعاب يمتد إلى سلوك اللاعبين واتجاهاتهم في العالم الحقيقي.

اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ وما علاجه؟

حاولت الدراسة التي نُشرت في دورية “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلم” (PNAS)، تقييم نتائج 20 دراسة سابقة حول الموضوع، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه يمكن لألعاب الفيديو العنيفة أن تزيد بشكل طفيف من العدوان الجسدي بين المراهقين؛ وهو ما يتطابق مع بيان الجمعية الأميركية لعلم النفس (American Psychological Association)؛ الذي أفادت فيه بأن هناك صلة واضحة بين العدوانية والعنف في ألعاب الفيديو لدى الأطفال الأكبر سناً والمراهقين والشباب، وبالاستناد على مراجعة فريق العمل للبحوث التي أُجريت بين عاميّ 2005 و2013.

وبدورها، أصدرت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (American Academy of Pediatrics)‏، دليلاً إرشادياً في يوليو/ تموز 2016 حول تأثير العنف في وسائل الإعلام وألعاب الفيديو، فأشارت إلى أنه: “يجب ألا تستخدم ألعاب الفيديو أهدافاً بشرية أو غيرها من الأهداف الحية أو تمنح نقاطاً للقتل، لأن هذا يعلّم الأطفال ربط المتعة والنجاح بقدرتهم على التسبب في الألم والمعاناة للآخرين”.

فهل انتهى النقاش هنا؟ في الواقع، ما زال الجدل حول مدى ارتباط العدوانية بسلوك اللاعبين قائماً إلى الآن؛ إذ لم يتم يُحدَّد الرابط ما بين الألعاب وزيادة العدوانية.

تقودنا هذه الاستنتاجات إلى سؤالنا التالي: هل يمكن لألعاب الفيديو أن تؤدي إلى “إزالة التحسس” للعنف الذي يبثه بعض ألعاب الفيديو؟

اقرأ أيضاً: لماذا باتت النساء تميل إلى ممارسة الرياضات القتالية في الآونة الأخيرة؟

إزالة التحسس للعنف الموجود في ألعاب الفيديو

عادة ما يشير مصطلح “إزالة الحساسية” (Desensitisation) إلى الآلية التي يتم من خلالها تعريض الفرد بشكل متكرر لمحفز (سلبي أو إيجابي)؛ ما يقلل من الاستجابة العاطفية للمحفز. ويمكن استخدم هذا الأسلوب لعلاج بعض المخاوف أو الرهاب أو اضطرابات الصحة النفسية الأخرى من خلال تدريب العقل على إزالة القلق أو الخوف المرافق للمحفز، بالتعرض له بشكل متكرر حتى يصبح غير قادر على التسبب بالقلق في الحياة الواقعية.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالحساسية للعنف أو الموت كما في ألعاب الفيديو، فقد يصبح التأثير سلبياً؛ إذ قد يصبح اللاعب أقل حساسية تجاه معاناة الآخرين، أو أقل قدرةً على التعاطف معهم، وبمرحلة أكثر تطوراً يصبح أكثر عدوانية في سلوكه.

وجدت الدراسة المنشورة في مجلة “الشباب والمراهقة” (Journal of Youth and Adolescence)، أن الأفراد الذين يتعرضون لمستويات عالية من العنف كما في ألعاب الفيديو، قد يهربون من الواقع إلى الخيال، ويصبحون أقل تعاطفاً مع الآخرين.

لكن العواقب الطويلة الأمد لإزالة الحساسية، سواء كان الطفل أو المراهق سيصبح عدوانياً أو غير اجتماعي أو عديم الشعور، تتأثر بمجموعة من العوامل:

  • مقدار العنف ونوعه وسياقه.
  • مزاج الفرد.
  • بيئة الطفل أو المراهق.

اقرأ أيضاً: 10 نصائح للتخلص من الشخص السيكوباتي

تطبيع السلوك العدواني لدى الطفل

يتعرض الطفل من خلال وسائل الإعلام وألعاب الفيديو لما يقدَّر بنحو 10 آلاف من الصور والأفكار العنيفة في الساعة، عبر ألعاب الفيديو والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تمثّل محفزاً سلبياً. فعندما يكبر الطفل، يتوق دماغه وجسمه إلى مثل هذا التحفيز، ومع العوامل الملائمة؛ مثل البيئة المنزلية الصعبة أو التحديات العاطفية، يصبح الطفل معرضاً لإزالة الحساسية نتيجة ما يتعرض له من عنف، ويتطبع بسلوك عدواني.

على سبيل المثال؛ أشار فريق بحثي في الجمعية الأميركية لعلم النفس في تقرير له، إلى وجود ارتباط بين استخدام ألعاب الفيديو العنيفة، والسلوك العدواني مثل الصراخ والدفع.

واجبات الأهل

بالنسبة إلى منظمة الصليب الأحمر، من غير الواقعي المطالبة بمنع ألعاب الفيديو؛ كما أنه من غير الممكن منع نشوب الصراعات على أرض الواقع. وبدلاً من ذلك، بالإمكان محاولة تخفيف العواقب غير المحددة للّعب العنيف، وبما يضمن عدم التقليل من شأن جرائم الحرب، وزيادة الوعي بالموضوع.

أما بالنسبة إليك كأحد الوالدين، فقد تكون غير قادر على منع الطفل أو المراهق من لعب ألعاب الفيديو؛ لكن قد تساعدك هذه النصائح على وضع حدود صحية لألعاب الفيديو:

  • راقب الألعاب التي يلعبها الطفل، ومواقع الويب التي يستخدمها للوصول إلى الألعاب.
  • راقب تصنيفات الألعاب والتطبيقات، وحاول منع الألعاب الشديدة الخطورة.
  • العب مع طفلك؛ ما يمنحك فرصة للتعرف إلى المحتوى الذي يتفاعل معه والتحدث إليه عما تضمَّنه من رسائل غير صريحة أو صحية.
  • خصص وقتاً محدداً لطفلك لممارسة ألعاب الفيديو، أو حتى استخدام الأجهزة الإلكترونية.
  • اشغل طفلك بنشاطات أخرى لتقليل الوقت الذي يمضيه على الشاشة.

اقرأ أيضاً: ما معنى اضطراب الشخصية وكيف يمكن علاجه؟

على الرغم من الرسالة السامية التي يرغب الصليب الأحمر في إيصالها، فإنها تعرضت لبعض الانتقادات؛ ومنها أن الحرب بحد ذاتها جريمة، ولا يمكن الدخول في صراعات على أرض الواقع دون أن يكون هناك ضحايا أبرياء ودمار وخراب. وعلاوة على ذلك، سيؤدي الالتزام بقواعد الحرب في الألعاب عاجلاً أو آجلاً إلى الهزيمة، وبالتأكيد لا يريد الصليب الأحمر إيصال رسالة مفادها: “مَن يلتزم بقواعد الحرب، يخسر”!

المحتوى محمي !!